تمهيد
من خصائص الإسلام الشمول ، ومن مظاهر شموله، أحكامه المتعلقة بالأخلاق وبعلاقات الناس فيما بينهم، وهذه الاحكام تكوّن كل مجموعة منها نظاما خاصا في موضوع خاص، مثل احكام الأخلاق، تكوّن نظام الاخلاق في الإسلام ومثل احكام الأسرة وهي المتعلقة بالأسرة وأفرادها وهي تكون نظام الأسرة وهكذا . فهناك النظام الأخلاقي والاجتماعي والتربوي والاقتصادي والسياسي والأسري والبيئي وغير ذلك .
نظام الأخلاق في الإسْلام
تعريف الأخلاق
الخلق في اللغة الطبع والسجية، وفي اصطلاح العلماء، كما يعرفه الغزالي – عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة الى فكر وروية .
ويمكننا تعريف الاخلاق بأنها مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس وفي ضوئها وميزانها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح، ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه.
وذهب الجاحظ إلى (أن الخلق هو: حال النفس، بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار، والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعًا، وفي بعضهم لا يكون إلا بالرياضة والاجتهاد، كالسخاء قد يوجد في كثير من الناس من غير رياضة ولا تعمل، وكالشَّجَاعَة والحلم والعفة والعدل وغير ذلك من الأخلاق المحمودة) .
أهمية الأخلاق
للأخلاق أهمية بالغة لما لها من تأثير كبير في سلوك الإنسان وما يصدر عنه، بل نستطيع أن نقول: إن سلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات، ولهذا كان النهج السديد في إصلاح الناس وتقويم سلوكهم وتيسير سبل الحياة الطيبة لهم أن يبدأ المصلحون باصلاح النفوس وتزكيتها وغرس معاني الاخلاق الجيدة فيها ولهذا أكد الاسلام على صلاح النفوس وبين أن تغيير أحوال الناس من سعادة وشقاء ويسر وعسر، ورخاء وضيق، وطمأنينة وقلق، وعزّ وذل كل ذلك ونحوه تبع لتغيير ما بأنفسهم من معان وصفات، قال تعالى: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾. وقال تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) .
علاقة الأخلاق بالعلوم الأخرى :
- علاقة الأخلاق بالدين ( تكريم الانسان ) الدين موجه لسلوك الإنسان وقيمه وحياته .
- علاقة الأخلاق بعلم النفس ( التركيز على الشخصية وصفاتها وعلى الفرد وعلاقته بالآخرين ، والتكيف مع المجتمع المحيط .ويتفق علم النفس مع علم الأخلاق الذي يركز على المثل والقيم العليا والانسجام مع السلوك الاخلاقي الذي يهدف إلى عمل الخير .
- علاقة الأخلاق بعلم الاجتماع . وهذا العلم يبحث في العادات والتقاليد والأخلاق والمعاملات السائدة في المجتمع .
- علاقة الاخلاق بعلم البيولوجيا ( الأحياء ) ، حيث تعد سعادة الفرد إحدى القيم الأخلاقية التي يمكن للفرد بلوغها إذا توفرت لديه الحالة الصحية المناسبة مع سلامة العقل والاعضاء .
- علاقة الأخلاق بالقانون ، حيث أن بعض القوانين تحدد الإطار الأخلاقي للأفراد والمجتمعات .
- علاقة الأخلاق بالسياسة ( العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين الناس في المجتمع ) .
- علاقة الأخلاق بالاقتصاد ( عدم الاسراف والتبذير ، ترشيد الاستهلاك ، المحافظة على المال العام والخاص ) .
مكانة الاخلاق في الإسلام
للأخلاق في الإسلام مكانة عظيمة جداً، تظهر من وجوه كثيرة، نذكر منها ما يأتي:
أولاً: تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارم الأخلاق، جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
ثانياً: تعريف الدين بحسن الخلق فقد جاء في حديث مرسل أن رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ما الدين؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : “حسن الخلق”.
ثالثاً: من أكثر ما يرجّح كفة الحسنات يوم الحساب حسن الخلق، جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم “أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق”.
رابعاً: المؤمنون يتفاضلون في الايمان، وأفضلهم فيه احسنهم أخلاقاً، جاء في الحديث: قيل يا رسول الله أي المؤمنين أفضل ايماناً؟ قال: “أحسنهم خلقاً”.
خامساً: ان المؤمنين يتفاوتون في الظفر بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقربهم منه يوم القيامة، واكثر المسلمين ظفرا بحب رسول الله والقرب منه اولئك المؤمنون الذين حسنت اخلاقهم حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم “أن أحبكم اليّ واقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا”.
سادساً: ان حسن الخلق أمر لازم وشرط لا بد منه للنجاة من النار والفوز بالجنان، وان التفريط بهذا الشرط لا يغني عنه حتى الصلاة والصيام.
سابعاً: ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه بأن يحسّن خلقه – وهو ذو الأخلاق الحسنة – وأن يهديه لأحسنها، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه “اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي” ويقول: “اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فانه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت” ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدعو إلا بما يحبه الله ويقربه منه.
ثامناً: مدح الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق، فقد جاء في القرآن الكريم ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ والله تعالى لا يمدح رسوله الا بالشيء العظيم مما يدل على عظيم منزلة الأخلاق في الإسلام.
تاسعاً: كثرة الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع الأخلاق، أمراً بالجيد منها، ومدحاً للمتصفين بها، ومع المدح الثواب، ونهيا عن الرديء منها وذم المتصفين به، ومع الذم العقاب، ولا شك أن كثرة الآيات في موضوع الأخلاق، يدل على أهميتها.
عاشراً : والأهم من ذلك كله أن الاخلاق في الاسلام تنبع من الإيمان بالله وحده ، وهذا الإيمان يزيد الأخلاق الانسانية عمقاً ورسوخاً في الفرد المسلم ، لأنه إنما يتحلى بها ابتغاء وجه الله وطمعاً في مثوبته ورضاه ، فلا يتساهل فيها ولا يتنازل عنها مهما كانت الاغراءات .
خصائص نظام الأخلاق في الإسلام
يتميز نظام الاخلاق في الإسلام بجملة خصائص، منها، تفصيل الأخلاق، وشمولها، ولزومها في الوسيلة والغاية، وارتباطها بمعاني الإيمان والتقوى، ووقوع الجزاء فيها ونبين فيما يلي هذه الخصائص بايجاز:
- التعميم والتفصيل في الأخلاق
دعا الإسلام إلى الأخلاق الكريمة دعوة عامة، من ذلك ما جاء في القرآن الكريم: ﴿وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً﴾ والقول بما هو أحسن دعوة عامة للقول الطيب المطلوب بجميع أنواعه في مخاطباتهم ومحاوراتهم. وفي قوله تعالى: ﴿… وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾ دعوة عامة للابتعاد عن رذائل الاخلاق. وفي السنة النبوية من هذه الدعوة العامة الى الأخلاق الشيء الكثير، ومن ذلك: “اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن” والخلق الحسن يجمع أنواع الاخلاق الحسنة. وفي الحديث “ان العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم”.
ولم يكتف الإسلام بالدعوة العامة الى التحلي بالأخلاق الجيدة والتخلي عن الأخلاق الرديئة وانما فصّل القول في الصنفين فبين أنواع كل صنف، والحكمة في هذا البيان المفصل توضيح معاني الأخلاق تحديدها لئلا يختلف الناس فيها وتتدخل الاهواء في تحديد المراد منها، ومن مظاهر رحمة الله بعبادة أن بين لهم ما يتقون وما يأخذون وما يتركون، ونذكر فيما يلي أمثلة على تفصيل الأخلاق في القرآن والسنة النبوية المطهرة.
أمثلة من القرآن على تفصيل الأخلاق
أ) الوفاء بالعهد: ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً﴾. ( الوفاء بقضاء الدّين ، البيعة، الاشتراكات ، الالتزام بواجبات العضوية في الجماعة ) .
ب) النهي عن القول بلا علم ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً﴾.( مراعاة التحري والدقة والتمحيص ، وعدم التسرع في إطلاق الأحكام،والتبيّن العميق )
جـ) النهي عن مشية التبختر والتمايل كما يفعل المتكبرون، ﴿ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً﴾.
د) النهي عن الاسراف والتبذير والبخل والتقتير ﴿وآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً﴾. ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً﴾.
هـ) الامر بالعدل في جميع الاحوال وبالنسبة لجميع الناس حتى الكفار ﴿وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى﴾. ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾.( العدل في الحكم في جميع الأمور ، العدل بين الإخوة في المعاملة والمسؤوليات )
و) التعاون على البر والتقوى وما ينفع الناس، والنهي عن التعاون على البغي والعدوان ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان﴾.
ز) الظلم ظلمات يوم القيامة، وعاقبته وخيمة، وهو أنواع، أقبحها افتراء الكذب على الله، وتعدي حدود الله. والظالم مقطوع الصلة بالله فهو مخذول غير منصور، ومن أجل هذا نهى الاسلام عنه ﴿وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾ ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون﴾ .
ح) الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فلا بد للمؤمن من صبر على طاعة الله وصبر على قضاء الله وبهذا يكون من المحسنين، ورحمة الله قريب من المحسنين، ولهذا أمر الاسلام بالصبر ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون﴾. ﴿واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾. ﴿فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾.( الصبر على مشقة العبادة والطاعة والالتزام والصبر عند المصائب والابتلاءات ) .
ط) الصدق من علامات الايمان وثمراته، ولهذا أمر الإسلام به ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾. ﴿وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً﴾.
ي) الكذب رذيلة لا ينال صاحبها هداية الله، ويثمر النفاق في القلب ولهذا نهى الإسلام عنه وحذر منه ﴿إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب﴾. ﴿فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون﴾.
ك) التكبر والعجب والبخل والفخر والرياء رذائل وأمراض تصيب القلب فتطمسه وتمحق نوره وتبعد صاحبها عن الله تعالى، ولهذا جاء النهي عنها ﴿ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور﴾.
ل) الاعتدال في المشي بين البطء والاسراع مطلوب من المسلم، وخفض الصوت وعدم رفعه بلا حاجة مطلوب أيضا من المسلم، ﴿واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير﴾.
م) الثبات على الحق والدوام على الطاعة والعبادة، أمور مطلوبة لأن الأمور بخواتيمها، وبدون الاستقامة والدوام والثبات على الحق تفوت الثمرة ولا يصل المسلم الى الغاية، وينقطع عن ركب الصالحين. ومن أجل هذا وجب على المسلم أن يكون على قدر كبير من الثبات على معاني الايمان والاستقامة عليها لينال الفوز والرضوان ﴿ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون…﴾.
ن) الجنة دار الطيبين، اعدها الله للمتقين الذين من اخلاقهم الحسنة الانفاق في جميع الأحوال في اليسر والعسر فينفقون بقدر ما لهم ولا يبخلون عن الانفاق ولو كان قليلاً، ومن أخلاقهم أنهم لا يستوفون كل حقوقهم من الناس بل يتركون منها لهم احساناً عليهم ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والطاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾.
س) النهي عن الغل والحقد: ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم﴾.
ع) علاج الجاهل الإعراض عنه وتركه وشأنه، وبهذا أمر الاسلام ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾.
ف) ومن وصايا الإسلام الجامعة لعباده المؤمنين، في باب الأخلاق قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم﴾
ص) ومن الآيات التي جمعت كثيرا من أخلاق المؤمنين، وجعلت هذه الاخلاق علامة على ايمانهم قوله تعالى: ﴿قد افلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين عم عن اللغو معرضون ) .
ض) الحرص على تعميق معاني الأخوّة والمحبة والمودة ، وعدم التطاول على الاخوة تحت ذريعة الأخوة والنصيحة والمبالغة في النقد التي قد تصل إلى حد الإهانة والاستهزاء .
أمثلة من السنة النبوية على تفصيل الأخلاق
أ) في النهي عن الغضب، ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: “لا تغضب”.
ب) وفي الحياء، وردت أحاديث كثيرة منها: “الحياء لا يأتي الا بخير” “الحياء خير كله” “ان لكل دين خلقا وخلق الاسلام الحياء” “اذا لم تستح فاصنع ما شئت”.
جـ) في التعاون، “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”.
د) في حقوق المسلم، والنهي عن بعض الأخلاق: “لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله اخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير الى صدره الشريف ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”.
هـ) النهي عن اخلاق المنافقين “آية المنافق ثلاث اذا حدّث كذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان” “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: اذا اؤتمن خان واذا حدث كذب، واذا عاهد غدر، واذا خاصم فجر”.
و) في الحلم والاناة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاشج عبد القيس “ان فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والاناة”.
ز) في الرفق: “ان الله رفيق يحب الرفق في الامر كله”.
ح) في الرياء والسمعة والاخلاص:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أوامرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه”.
ط) في النهي عن المراء والجدل:”من ترك المراء وهو محق بني له بيت في الجنة، ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة”. “وما ضل قوم بعد أن هداهم الله الا أوتوا الجدل”.
ي) في بذاءة اللسان: “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء”.( لا ينبغي لقارئ القرآن ولا لحافظه أن يكون بذئ اللسان ، وعليه أن يكون قدوة حسنة في قوله وفعله وأن يتخلق بأخلاق القرآن الكريم ، ورسولنا عليه الصلاة والسلام كان خلقه القرآن .
ك) في العجب والشح: “ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع واعجاب كل ذي رأي برأيه”.
ل) ترك الكلام فيما لا يعنيك: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”.
م) ترك فضول الكلام “طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق الفَضْلَ من ماله”.
ن) وزن الكلمة بميزان الإسلام قبل النطق بها: “ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه الى يوم القيامة وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه الى يوم القيامة”.(فلترة الكلام ).
س) في الأمانة والوفاء بالعهد: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة فقال له: “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. فقال، وكيف إضاعتها قال اذا وسّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة”.
ع) في الصدق والكذب “عليكم بالصدق فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً،وإياكم والكذب فان الكذب يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً”.
ف) في القوة والعزيمة: “المؤمن القوي خير وأحب الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وان أصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان”.
ص) المتابعة في الخير لا في الشر: “لا يكن احدكم امعة، يقول: انا مع الناس ان أحسن الناس أحسنت وان أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن احسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم”.
ش) الحزم واليقظة: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”.
ض) النهي عن الذل: “لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه…”.( الاعتزاز بالإسلام وبالإنتماء لهذه الدعوة المباركة .
ط) في التوادد والتراحم والتعاطف: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
2 – شمول الاخلاق
ومن خصائص نظام الأخلاق في الإسلام الشمول، ونعني به أن دائرة الأخلاق الإسلامية واسعة جداً فهي تشمل جميع أفعال الإنسان الخاصة بنفسه أو المتعلقة بغيره سواء أكان الغير فرداً أو جماعة أو دولة، فلا يخرج شيء عن دائرة الأخلاق ولزوم مراعاة معاني الأخلاق مما لا نجد له نظيراً في أية شريعة سماوية سابقة ولا في أية شريعة وضعية.
3– لزومها في الوسائل والغايات
والخصيصة الثالثة لنظام الأخلاق في الإسلام أن الالتزام بمقتضى الأخلاق مطلوب في الوسائل والغايات، فلا يجوز الوصول الى الغاية الشريفة بالوسيلة الخسيسة. ولهذا لا مكان في مفاهيم الأخلاق الإسلامية للمبدأ الخبيث “الغاية تبرر الوسيلة” وهو مبدأ انحدر إلينا من ديار الكفر.
( الميكافيلية ). يدل على ذلك، أي على ضرورة مشروعية الوسيلة ومراعاة معاني الأخلاق فيها قوله تعالى: ﴿وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير﴾ فهذه الآية الكريمة توجب على المسلمين نصرة اخوانهم المظلومين قياماً بحق الاخوة في الدين، ولكن اذا كانت نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين لم تجز النصرة لان وسيلتها الخيانة ونقض العهد، والإسلام يمقت الخيانة ويكره الخائنين.
– صلة الأخلاق بالإيمان وتقوى الله
الاخلاق في الإسلام موصولة بالإيمان وتقوى الله، قال تعالى: ﴿فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين﴾ فالوفاء بالعهد من تقوى الله ومحبة الله ومن الإيمان المسارعة إلى ما يحبه الله تعالى.
وفي الحديث “لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له” فالإيمان لا بدّ أن يورث الأخلاق الحسنة على رأسها الأمانة وحفظ العهد، فمن فقد الأمانة وضيع العهد كان ذلك ايذاناً بخلوه من معاني الإيمان المطلوبة منه وتفريطه بتقوى الله.
4– الجزاء
ومن خصائص نظام الأخلاق في الإسلام الجزاء، لأن الإسلام جاء بالأخلاق أمراً ونهياً، وعصيان أوامر الشرع أو ارتكاب ما نهى عنه سبب للعقاب، قال تعالى: ﴿ويل لكل همزة لمزة﴾. كما أن الإلتزام بحدود الشرع وطاعته سبب للثواب الحسن.
والجزاء لمن يخالف حدود الشرع في الأخلاق، قد يكون في الدنيا، فشاهد الزور، وبذيء اللسان، والخائن ونحوهم يعاقبهم القاضي المسلم بالعقوبة التعزيرية والحنث في اليمين، أي عدم الوفاء بالوعد الموثق باسم الله، يترتب عليه كفارة اليمين وفي الكفارة معنى العقوبة كما يقول الفقهاء.
هل يمكن اكتساب الأخلاق وتقويمها؟
والآن وقد بينا مكانة الأخلاق في الإسلام ومدى تأثيرها في الاعمال وما يترتب عليها من ثواب وعقاب، نسأل، هل يمكن تقويم الأخلاق واكتساب الجيد منها والتخلي عن قبيحها؟ أم أن الأخلاق صفات لازمة تخلق في الإنسان وينطبع عليها فلا يمكنه تغييرها ولا تبديلها ولا تعديلها كما لا يمكنه تغيير صفاته الجسمية من طول وقصر ولون؟
الجواب على هذا السؤال، كما يظهر لنا، يتلخص بما يأتي:
أولاً: إن الأخلاق من حيث الجملة يمكن تقويمها وتعديلها، كما يمكن اكتساب الجيد منها والتخلي عن قبيحها وبالعكس. ودليلنا على ذلك أن الشرع أمر بالتخلق بالاخلاق الحسنة ونهى عن التخلق بالاخلاق الرديئة، فلو لم يكن ذلك ممكناً مقدوراً للانسان لما ورد به الشرع، الاسلام لا يأمر بالمستحيل، ومن القواعد الاصولية في الفقه الإسلامي: لا تكليف إلا بمقدور أو لا تكليف بمستحيل. وعلى هذا فكل إنسان عنده أهلية وقدرة للتحلي بالاخلاق الجيدة والتخلي عن اضدادها كما أن عنده أهلية وقدرة على عكس ذلك. وقد يستأنس لهذا بقول الله تعالى: ﴿ونفس وما سواه فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها﴾. ولكن مع هذا فإن الناس يتفاوتون في مقدار أهليتهم وقدرتهم واستعدادهم لاكتساب الأخلاق أو تعديلها، كما يختلفون في مدى أهليتهم وقدرتهم واستعدادهم لتلقي العلوم المختلفة أو ادراك الحقائق الدقيقة نظراً لاختلاف عقولهم ومدى ذكائهم.
ثانياً: ان بعض الناس قد يجبل على بعض الأخلاق بحيث تكون هذه الأخلاق بارزة فيهم وظاهرة في سلوكهم، ودليلنا على هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو داود، وقد جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: “ان فيك خصلتين يحبهما الله تعالى ورسوله، الحلم والاناة”. قال يا رسول الله، انا اتخلق بهما أم الله تعالى جبلني عليهما؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بل الله جبلك عليهما”. فقال: الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما الله تعالى ورسوله( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس )( إياكم وخضراء الدّمن)
ولا شك ان الناس يتفاوتون فيما يجبلون عليه من الأخلاق كما يتفاوتون في ما يجبلون عليه من قوة الإدراك والذكاء، ويترتب على ذلك أن من جبل على نوع معين من الأخلاق يسهل عليه ترسيخ هذا النوع في نفسه والبقاء عليه لأنه يجد عوناً في ذلك بما جبل عليه.
كيف يتحقق تقويم الأخلاق أو اكتسابها؟
ان تقويم الأخلاق أو اكتسابها يمكن ان يتم بشكل من الأشكال التالية:
أولاً: بتقليل آثارها وعدم المضي في تنفيذ مقتضاها وما تدعو إليه، وهذا بالنسبة للاخلاق التي تعتبر من الغرائز في كل إنسان، ومنها الغضب، يدل على ذلك ما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني: فقال صلى الله عليه وسلم: “لا تغضب” فردد الرجل سؤاله مراراً، فكان النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم يقول له: “لا تغضب”. وقد قال العلماء في شرح الحديث: أن النهي عن الغضب ينصرف الى النهي عن العمل بمقتضى الغضب أي بلزوم دفع آثار الغضب، وليس النهي راجعاً الى نفس الغضب لأنه من طباع البشر فلا يمكن دفعه ولا استئصاله فالمطلوب في تقويم خلق الغضب ليس استئصاله بالكلية فهذا غير ممكن وانما الممكن السيطرة عليه وكظمه وعدم تنفيذ مقتضاه.
ثانياً: بالتشذيب والتهذيب وإزالة الكدورات عن أصل الخلق، وتوجيهه الوجهة المرضية في الشرع الإسلامي، مثل خلق الشجاعة، يستعمله صاحبه في الاعتداء وقتل الأبرياء، أو لطلب السمعة والجاه، وكالسخاء يستعمله صاحبه للمباهاة وللرياء، فهذه الأخلاق هي في أصلها محمودة وإنما ذمت لانحرافها عن الغرض الصحيح والوجهة المرضية في الشرع، فتقويمها يكون بإزالة هذه الأغراض الخسيسة عنها وبتوجيهها الوجهة الصحيحة بأن تكون الشجاعة لنجدة الضعيف وإغاثة المظلوم وقهر الظالم واعلاء كلمة الله ومحق الكفر والباطل ابتغاء مرضاة الله وحده لا لطلب سمعة ولا رياء ولا جاه ولا ثناء. وكذلك السخاء يوجه الى الوجهة المرضية عند الله بأن يكون في سبيله ولطلب مرضاته، بان ينفق المسلم ماله في أوجه البر مثل اكرام الضيف والجار وكفالة اليتيم وإعانة المحتاج أو اقراضه والقيام على الأرملة والمسكين ونحو ذلك. يدل على ما نقول الأحاديث الشريفة الكثيرة منها: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وفي القرآن الكريم ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس﴾.
وفي الحديث الشريف: “الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا” لأنهم بهذا الفقه يستعملون صفاتهم وأخلاقهم الجيدة في أصلها استعمالا صحيحا، ويوجهونها الوجهة الصحيحة، فيكونون خيار الناس.
ثالثاً: استبدال الخلق الذميم بالخلق الجيد، كاستبدال الكذب بالصدق والغدر بالوفاء، والظلم والعدوان بالعدل والإنصاف. وهذا الإستبدال ممكن في كثير من الأخلاق، حيث يزول الخلق الذميم ويحل محله خلق جميل، كما نشاهد ذلك في الشخص الذي يتوب توبة صادقة.
وسائل تقويم الأخلاق:
هناك وسائل كثيرة لتقويم الأخلاق واكتساب الجيد منها والتخلي عن الرديء منها ومن أهم هذه الوسائل ما يأتي:
1- العلم، ونقصد به هنا معرفة أنواع الأخلاق الحسنة التي أمر بها الإسلام، وأنواع الأخلاق الرديئة التي نهى عنها الإسلام. ان هذا العلم ضروري لأنه بدونه لا يدري المسلم بأي خلق يتخلق، ومن أي خلق يتجرد. وقد كفى الإسلام المسلم مؤنة البحث والاستنباط فقد فصل الأخلاق بنوعيها. وما على المسلم إلا أن يعرض نفسه على الأخلاق بنوعيها ليعرف موضعه منها، ثم يعمل جاهداً لتكون أخلاقه أخلاقاً اسلامية حقاً.
2- ولا يكفي أن يعرف أنواع الأخلاق معرفة مجردة، بل يجب أن يعرف المسلم عظيم حاجته الى الخلق الحسن، لأنه متصل بالايمان وتقوى الله وسبب للظفر برضوان الله ودخول الجنان، كما يجب أن يعرف عظيم ضرر الخلق السيء عليه لأنه من علامات النفاق وإمارات ضعف الايمان وسبب سخط الله ودخول النار. ان هذه المعرفة ستدفعه الى التخلق بالأخلاق الحسنة رغبة في رضوان الله تعالى، كما تدفعه الى الخلاص من الأخلاق السيئة خوفاً من سخط الله، لأن من رغب في شيء سعى اليه، ومن خاف من شيء هرب منه.
3- ولا يكفي للمسلم أن يعرف أنواع الأخلاق السيئة ونتائجها، بل عليه أن يستحضر هذه المعرفة في ذهنه لئلا ينساها، فان آفة العلم النسيان، والنسيان يؤدي الى إهمال معاني الأخلاق، فيضعف أثرها في النفس، ويصدر عنها ما لا ينبغي من الأفعال، ولهذا كرر القرآن الكريم معاني الأخلاق وبين لنا أنا ما صدر عن أبينا آدم عليه السلام كان من أسبابه النسيان، قال تعالى: ﴿ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً﴾. ولما غضب سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال له رجل انك لا تقضي بالعدل ولا تقضي بالحق، قال بعض الحاضرين: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول: ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾ وهذا من الجاهلين فقال سيدنا عمر رضي الله عنه: صدقت، وذهب عنه الغضب. فالتذكر الدائم لمعاني الأخلاق وتذكر الأساس الذي قامت عليه وهو الإيمان بالله تعالى، وان الالتزام بمقتضى الأخلاق من ثمرات الايمان ومن معاني الإسلام، كل هذا يجعل سلوك المسلم في حدود الأخلاق الإسلامية.
4- الاهتمام الكامل بتقوية معاني العقيدة الاسلامية في النفس، وعلى رأس هذه المعاني الايمان بالله وباليوم الآخر وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، والاحساس بالغربة في هذه الدنيا وان المسلم عما قريب سيرحل عنها، وانه سيجازى على أعماله، ومن أعماله أخلاقه، وأن الله تعالى وعد وعد الصدق بالثواب للمتخلقين بأخلاق الاسلام، ووعد بالعقاب لمن رفض أخلاق الإسلام.
إن تقوية معاني العقيدة الإسلامية في النفس يؤدي الى انفتاح النفس وتقبلها لمعاني الأخلاق الإسلامية، لأن هذه الأخلاق موصولة بالإيمان ومعاني التقوى كما قلنا، وهذه الصلة تشتد كلما قوي الإيمان في النفس ورسخت العقيدة فيها، مما يجعل أخلاق المسلم الطيبة ثابتة راسخة لا تزول ولا تضعف لأنها موصولة بالقوي العزيز، وتجد مادة بقائها واستمرارها وصلاحها من هذا الفيض الذي لا ينضب: الايمان بالله ولوازم هذا الإيمان. فالمسلم، مثلاً، لا يمكن ان يكون ذليلاً أبداً لأنه موصول بالقوي العزيز الذي له العزة جميعاً ﴿قل لله العزة جميعاً﴾ .
ومع العزة والتواضع صبر جميل وثقة كاملة ورجاء لا يشوبه يأس، وطمأنينة لا يخالطها قلق، لأن الإيمان يثمر هذه الأخلاق الفاضلة، قال تعالى: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ ولأن ما هو مقدر فهو كائن، فلا داعي للقلق والاضطراب . وهكذا بقية الأخلاق ترسخ وتدوم وتستمر ما دامت قائمة على إيمان عميق يتخلل شغاف القلب وتصبغ به النفس. فتعميق الإيمان في النفس وتقوية معاني العقيدة، وسيلة مهمة جداً للتخلق بالخلق الحسن وللتخلي عن الخلق الرديء.
5- مباشرة الأعمال الطيبة التي تساعد أو تؤدي إلى تقويم الأخلاق أو تسهل على النفس قبول الأخلاق الزكية وطرد الخبيثة، فالعلم وحده بدون عمل لا يكفي، قال تعالى: ﴿قد أفلح من زكاها﴾ ولم يقل ربنا تبارك وتعالى قد أفلح من تعلم كيفية تزكيتها، فلا بد من تزكية فعلية، بمباشرة الأعمال المحققة لزكاة النفس وتخليصها من أمراض الأخلاق الرذيلة. إن المريض الذي يوصف له العلاج أو يقدم له العلاج فعلاً، ولا يستعمله لن يستفيد منه وإن ظل ينظر اليه ويكرر القول في تركيبه وكيفية صنعه.
6- ومن أنواع الأعمال الطيبة النافعة لتقويم الأخلاق، القيام بأنواع العبادات والطاعات المفروضة والمندوبة لأنها تزكي النفس وتسهل عليها اكتساب الأخلاق الطيبة وطرد الأخلاق الخبيثة، فهي لها طهرة وزكاة وقوة ووقاية، وقد أشار القرآن إلى هذه المعاني، قال تعالى في الصلاة: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ وقال عن الزكاة ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾ تطهرهم من البخل والشح وتصفي نفوسهم من الكدورات والأخلاق الرديئة. والصوم يربي في الإنسان فضيلة الصبر وقوة الإرادة والعزيمة والأخلاق والخلاص من الرياء. والحج تربية عملية للروح ورياضة مؤثرة في النفس ووسيلة فعالة لاكتساب كثير من الأخلاق والتخلص من كثير من ذميم الصفات.
7- القيام بالأعمال المضادة للأخلاق التي يراد التخلص منها أو المضادة لمقتضاها ويمكن أن نسمي هذا المسلك بمسلك التضادد أو المراغمة للشيطان، لأن الشيطان يفرح لكل خلق رديء ويعمل على بقائه في النفس ويزينه في عين صاحبه بما يلقيه من مبررات باطلة، فإذا قام الإنسان بعمل يناقض هذا الخلق ولا يتفق وما يقتضيه، كان ذلك بلا شك إغاظة للشيطان ومراغمة له، مما يدعوه إلى الكف عن تزيين هذا الخلق الرديء وعن نفث المبررات الباطلة له، فإذا خنس الشيطان أمكن لهذا العمل أن يزعزع كيان هذا الخلق الرديء أو يقضي عليه كما يقضي العلاج الفعال على المرض. ومما يدل على جودة هذا المسلك وأثره في تقويم الأخلاق ما ورد في الحديث أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلبه، فقال له رسول الله “امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين”.
ومن أمثلة أعمال التضادد والمراغمة علاج الحسد بأن يبادر الحاسد إلى الاستغفار والدعاء بالخير إلى المحسود فإنه سيشعر بزوال الحسد من قلبه، ومن علاج الكبر جلوس المتكبر مع الفقراء والمساكين والصعاليك والجلوس في آخر المجلس، والقيام بالأعمال التي يعدها الناس حقيرة لا تليق بالمتكبرين مثل حمل الحطب ونحو ذلك.
ومما يمكن اعتباره من أعمال هذه الوسيلة، ما جاء في الحديث الشريف “إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع”. وفي حديث آخر “إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء، فإنما الغضب من النار، وإنما تطفأ النار بالماء”.
8- مسلك التكلف، فيتكلف الإنسان الأخلاق التي يريد التخلق بها كما لو أراد أن يكون حليماً فإنه يأتي به تكلفاً مراراً حتى تألفه النفس وتعتاده ويصير لها كالطبع وكالسجية. ويؤيد جودة هذا المسلك، ما ورد في الحديث – وان روي بسند ضعيف – “إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم”. وهذا المسلك يحتاج إلى تكرار ودوام حتى ينتج أثره، وهذا الدوام يستلزم الصبر.
9- مخالطة المؤمنين ذوي الأخلاق الحسنة ومجالستهم والسماع منهم، لأن رؤية الرجل الصالح ذي الخلق الحسن ومجالسته والسماع منه يؤثر في جليسه فيدفعه إلى اقتباس بعض أخلاقه. وقد ورد في الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي” لأن المرء يقتدي بمن يعاشره ويصاحبه ويجالسه فيقتبس منه صفاته. ولهذا كان السلف الصالح يوصون أو يأمرون بهجر أصحاب البدع والمعاصي وذوي الأخلاق الرذيلة.
10- اتخاذ القدوة الحسنة، وخير القدوة على الإطلاق رسولنا صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾ فإذا فات المسلم الآن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره فلن تفوته رؤياه ببصيرته باستحضار سيرته العطرة. وشمائله الكريمة وأخلاقه العظيمة، ولذلك نوصي كل مسلم بقراءة سيرته مراراً واستحضار شخصه الكريم في ذهنه، وتصور نفسه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن القدوة الحسنة أيضاً استحضار سيرة أصحابه الكرام المملوءة بالخير وجليل الأعمال وكريم الأخلاق لا سيما سيرة الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرة بالجنة وأصحاب بدر وأصحاب بيعة الرضوان وسائر المهاجرين والأنصار.
11- ترك البيئة الفاسدة والفرار كما يفر المرء من المكان الموبوء، والتحول إلى البيئة الصالحة التي تضم الجماعة الصالحة من المؤمنين الطيبين فإن هذه البيئة الصالحة تقوي في المؤمن معاني الأخلاق الفاضلة وتقيه من الأخلاق الرديئة.
والبيئة الفاسدة كل ما يعرضك للمعصية وسوء الأخلاق، والبيئة الصالحة كل ما يعينك على طاعة الله وتقواه ومنها حسن الأخلاق.
12- الحرص على صفة جميلة واعتبارها كالجوهرة النفيسة التي يجب صونها وحفظها وعدم التفريط بها، وعدم الاستهانة بكل صفة قبيحة وإن بدت بسيطة قليلة الشأن، لأن المسلم لا يستقل أبداً أي خلق حسن ولا يستهين بأي خلق سيء فرب صفة طيبة ترفعه إلى درجات عالية ورب صفة خبيثة تدخله النار، وقد مدح الله تعالى رسوله إسماعيل عليه السلام بصفة صدق الوعد قال تعالى: ﴿واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد…﴾ وفي الحديث “اتقوا النار ولو بشق تمرة” كما أن الصفة الواحدة والمحافظة عليها والدوام عليها تؤدي إلى رسوخها فيه فإن كانت صفة خير كان ذلك خيراً له وإن كانت صفة شر كان ذلك شراً له والخير يؤدي إلى الخير والشر يؤدي إلى الشر، جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً”.
13- على المسلم أن يروض نفسه على قبول نصيحة المتدين الكيس الورع الصادق، فإن المؤمن يرى من عيوب غيره ما لا يرى الغير من عيوب نفسه، ومن هنا حسنت صحبة الأخيار، وكان عمر رضي الله عنه يقول: رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي. إن الناصح الصادق الذي يدلك على عيوبك وسوء بعض أخلاقك يستحق منك الشكر والتقدير. إنك تشكر من يدلك على عقرب تدب على جسمك أو تختفي تحت ثيابك وتسارع إلى إلقائها بعيداً عنك، فكذلك يجب أن تفعل نحو من ينصحك ويدلك على عيوب أخلاقك، لأن الأخلاق الرذيلة عقارب ولكنها تؤذي القلب وتفرغ فيه سمومها..
ذوقيات للداعية المسلم
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ “ .
حديث عظيم يدلنا المعلم المعصوم صلى الله عليه وسلم فيه على سبب من أسباب تآلف الأرواح: التعارف وما يدخل في نطاقه من قول المعروف وفعل المعروف ما عظم منهما وما كان دقيقا لا يأبه له.
فلا جهاد بلا تآلف ولا تآلف بلا تعارف مبناه ومعناه الخلق الحسن والأدب الرفيع، قال الله تعالى يخاطب عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بلسان المنة والنعمة: هو الذي أيدك بنصره وبالمومنين وألف بين قلوبهم .
يطول علينا أمد الأخوة، فنُنَسى قداستها ونتعود على خرمها بما يسيء إليها ويبخسها حقها، وشيئا فشيئا تغدو علاقاتنا مجاملات جوفاء وصبرا مرا، لا ينتج عنه إلا النزاع والفشل وذهاب الريح.
الخلق الحسن والأدب ضرورة إحسانية لمن يروم القرب من الله ومن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “”إن من أحَبكم إليَّ وأقرَبكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسِنكم أخلاقا. وإن أبغضكم إلي وأبعدَكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون”. قالوا: يا رسول الله! قد علمنا الثرثارون والمتشدقون. فما المتفيقهون؟ قال: “المتكبرون”.
وجمال الحال والمقال ضرورة جهادية لمن ينشد دولة العدل والشورى، يراقب المجاهد باطنه كما يراقب ظاهره، ليكون شامة بين الناس يحبب إليهم دين الله ويرغبهم في دولة القرآن، دولة الرحمة والحكمة، دولة الجلال والجمال. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “إن رسالتنا، معشر خير أمة أخرجت للناس، أن نحمـل للعالمين بلاغ الإسلام وبيانه. وأولُ هدفٍ ذو مغزىً رسالي للتنمية والقوة في حقنا هو أن نكونَ حاملي رسالة نموذجيِّين، من كمال سِفارتنا وشروط نجاحها أن نتقدم إلى الناس في حلة العافية والغِنى والنظافة والجمال لا في أسمال متسولين جائعين مهزولين “
غاية المؤمنين الأرضية بناء دولة مؤمنة عادلة عزيزة، من سمات عزتها شهادتها على الأمم، ومن تمام شهادتها نموذجيتها في كل جانب من جوانب الحياة الفردية: حسن خلق وجمال سمت ولياقة ولباقة وحضارة. “جمالُ النفس المومنة وطمأنينتُها يتجلى في سيما الوجوه الساجدة المنورَةِ، وفي جمال السلوك الخلُقِيِّ من صبر جميل، وصفح جميل، وسَرَاح جميل، وهجر جميل كما جاء في القرآن. وينبغي للمجتمع الإيمانيِّ أن يكتسي بالسَمْتِ الجميل والمظهر الكريم النظيف. لا تَرَفَ ولا زخرفة، لكن المظهرُ اللائقُ البسيطُ، الجميلُ ببساطته وبما ينِمُّ عنه من جمالٍ في الباطن. في الحديث: “إن الله جميلٌ يجب الجمال”. فيرَبَى النشءُ على دوام الطهارة والنظافة، والسواك، والتطيب، والعناية بخصال الفطرة من شعر وأظفار. ويُرَبَوْنَ على لُبس اللباس البسيط الأنيق بلا ترف ولا تَشَبّه بالكفار ولا تكبر، وعلى ترك الزينة الحرام، وعلى الكلمة الطيبة، والحياء والوقار، والبِشْرِ الدائم والابتسامة المشرقة، وكلمة السلام عليكم، وتشميت العاطس إلى سائر ما فصلته السنة النبوية من جماليات وآداب… روى أبو داود رحمه الله بسند حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: “إنكم قادمون على إخوانكم. فأصْلِحوا رِحالَكم، وأصلِحوا لباسكم حتى تكونوا شامةً بين الناس. وإنَّ الله لا يُحب الفُحْشَ ولا التَفَحُّشَ”.
والفحش هنا بمعنى الغِلظة والجفاء في المظهر. ألا وإننا حَمَلَةُ رسالة سماوية، فلنَبْرُزْ لِلناس بصورة جذابة، ولنَكُن شامةً بين الأمَم نُلْفِتُ الأنظارَ بجمال خُلُقِنا وأفعالنا ومظهرنا” .
من أحكم الجزئيات ملك الكليات :
يتحدث الأستاذ محمد أحمد الراشد عن الخلق الحسن وأولويته في سلم الشروط المطلوب تحققها في الدعاة، بل في كل مسلم ومسلمة، فنحن أحوج ما نكون إلى جزئيات التربية الجمالية وصغائرها تقربا إلى الله وتحببا إلى العالمين. “وتجب على الداعية المسلم سلسلة طويلة من الذوقيات ينبغي أن يضعها في حسابه، وأن يكون بالغ الحساسية إذ هو يتصرف ويخالط ويشافه ويأكل ويشرب ويزور ويستعمل الآلات، فيحرص على أن يظهر الرقة والنظام والنظافة والحفاظ على حقوق الآخرين.
– ففي نظافة البدن والملبس: نحب للداعية، أن يكون كثير الاغتسال وخاصة أيام الحر حيث يعرق البدن، بحيث لا تشم منه رائحة العرق ولا من قميصه ولا من جوربه حين ينزع حذاءه في المساجد والمجالس.
– وأن ينظف أسنانه بالسواك أو الفرشاة أو بهما معا عدة مرات في اليوم، وخاصة عند التوجه إلى المسجد أو إلى النوم، وأن يقص شعره عند الحلاق ولا يتركه ليكون جمه، وأن يحجر أسفل كعب قدمه كل أسبوع.
– وفي مجالسة الآخرين والحضور الاجتماعي: نكره للداعية أن يقص أظافره في مجلس، أو يضع رجلا على رجل أمام من هو أكبر منه سنا أو مقاماً، إلا أن يكون بين أقران، وهذه العادة ما زالت تعتبر عند الأتراك أشبه بالكبائر، ولو فعلها داعية لترك مجلسه الناس، وأنكر من ذلك أن يرفع قدمه ويضعها على ركبته الأخرى بحيث تكون أفقيه ويتوجه أسفل كعب حذائه إلى وجه أحد الجلساء.
– وفرقعة الأصابع أو عظام الرقبة في المساجد والمجالس قبيحة، وكذا كثرة التنخم والنحنحة، أو التمخط بصوت عال، ولو استطاع أن يقوم ليتمخط في بيت الخلاء، أو الحمام لكان أجمل، وليكن المنديل معه دائماً، ومناديل الورق، وليكتم التجشؤ قدر استطاعته، فإن تساهله فيه إنما هو من العيب الشديد.
– وليحذر المؤمن أن يشفط الحساء أو غيره بصوت عال، فإنه عيب، أو أن يصدر صوتاً من شفتيه بعد بلع اللقمة، أو أن يبالغ في مص أصابعه.
– وليكن طرق الباب برفق، ولمسة الجرس قصيرة، ليست متصلة مجفلة ويكون الوقوف بعد الطرق جانبا لا أمام الباب.
– ومن الظلم أن يستهين زائر بأوقات الناس فيتأخر كثيراً عن الموعد ولا يأبه، وأظلم منه من يتشبه بالغربيين فيحاسب على تأخر دقائق قليلة.
– وبيوت المؤمنين مساجد، ولذلك نكره أن يدخل الزائر بحذائه إلى الغرف، بل يخلعه عند الباب وليعلم امرأته وأولاده ذلك أيضا.
– وفي السلام والتحية: نكره أن يصافح بيد مرتخيه، ولا بيد حديدية، والسلام الجاف بكلمة واحدة بدعة وجفاء، وأشد ابتداعا منه تكرار السلام حتى يضجر المقابل، ونكره القبلة بين الرجال، مع أنها عرف قوي، ونتمنى أن يسود عرف بديل عنها فيه مجرد التعانق أو الاكتفاء بوضع اليد اليسرى على كتف المقابل.
– وفي استعمال السيارة: نلتزم نحن دعاة الإسلام بقواعد المرور، ونحب أن تكون سيارة المؤمن نظيفة مثل داره وثوبه.
– ولا يليق أن تقف أمام بيت صاحبك وتنادي عليه بمزمار السيارة، لئلا تزعج جيرانه.
– وإذا سقت سيارتك في طريق ترابي وقاربت أحدا يمشي فاخفض السرعة إلى أدنى ما تستطيع، لئلا تؤذيه بالغبار.
– وإذا سبقك سائق بجهل منه وأخذ دورك في المرور أو في احتلال موقف فلا تسابقه، بل اصبر وكن أرفع منه.
– ولا تحرص على إيقاف سيارتك في ظل بيتك أو بيت جارك بحيث تمنع مرور السابلة -الراجلين- قرب الحائط، فترتضي لسيارتك الظل، وللناس الحر.
– وقم في الحافلة للمرأة وأعطها مكانك، ولا تزاحم عند الركون، ولا تضايق قارئ الجريدة الجالس إلى جنبك بالنظر في جريدته.
– وفي استعمال الهاتف: لا تطل الكلام ولا ترفع صوتك تظن أن المكالمة يقتضيها ذلك، ما لم يكن الجهاز رديئا، ودع صاحبك ينام إذا انتصف الليل أو قارب، لا تزعجه بمكالمة، ولا بعد الفجر.
– واذكر اسمك لمن تكلمه إن لم يعرفك، لا تتشبه بمن يطلب من المجيب أن يعرف من هو.
– وإذا اتصلت ببيت أخ لك ولم تجده وأردت إخبار أهله باسمك فلا تذكر كنيتك فقط إذا شاركك أخرون بها، فيلتبس الأمر عليه .
– وإذا خرجت من الصلاة وبيدك نعلك فلا ترمه على الأرض وأنت واقف، لأنه سيحدث ضوضاء، ويثير وسخا في وجه من انحنى للبس حذائه، ولكن اقترب بيدك من الأرض بالانحناء، وضعه برفق.
– وإذا سرت عند جدار وقاربت نهايته عند زاوية يتعطف فيها الطريق فابتعد عن الجدار، إذ ربما فاجأتك عند الانعطاف امرأة، بل أي سائر، وقد يكون ما تكره، من وسخ أو غيره.
– والمؤمن أجل من أن يبصق في الشارع، إلا في ناحية فيها تراب عند الضرورة واستعمال المناديل واجب، ولا نلقي زجاجة فارغة في الشارع أو علبة أو منديلا مستعملا.
– ونعبر من عند الأماكن المخططة ما استطعنا..
– وفي اللغة والتعبير وعموم الكلام، لسنا نكثر أن نقول: يعني، يعني. أو نقول: ها، ها. بل نجزم ونعود ألسنتنا الاسترسال والطلاقة.
– وفي المطعم والسوق: نحب للداعية أن يمنح شيئا من المال لفتيان المطعم والمقهى إذا انتهى وأراد القيام، وأن يجزل أجرة الحمال والسائق.
– والمؤمن ليس ملحاحا في مساومة الباعة، ولا أن يضع نفسه في زحمة العامة من الناس إذا تقاتلوا في البلاد الفقيرة على طعام يباع بتخفيض.
– وفي استعمال الكتب: لا تضع خطوطا تحت الجمل المهمة إذا كان الكتاب ليس لك، ولا تجعله بين يدي أولادك ليمزقوا غلافه ويشوهوا صفحاته، وأرجع ما استعرت في وقت مناسب، فإنها حسرة دائمة يتحدث بها أصحاب المكتبات الشخصية الجيدة: أن إخوانهم أضاعوا كتابا نادرا لهم، أو أتلفوا بعض أجزاء الكتاب متعدد الأجزاء.
– ونكره لمن يستمع درسا أو ينصت لحديث أن يسبق المتكلم بذكر نهاية قصة يسردها، أو تسمية كتب يذكرها، كأنه يبرهن على أنه يعرف مثل معرفة المتكلم.
وكان السلف ينكرون الذوق النابي، كعطاء بن أبي رباح التابعي – رحمه الله فقد:
(حدث رجل بحديث فاعترضه رجل، فغضب عطاء، فقال: ما هذه الأخلاق، ما هذه الطباع؟ والله إن الرجل ليحدث بالحديث لأنا أعلم به منه، ولعسى أن يكون سمعه مني، فأنصت إليه وأُريه كأني لم أسمعه قبل ذلك).
وأخيرا، وليس آخرا، فالأمل في جمال القلب والقالب معقود بعد الله تعالى الرب الكريم على المراقبة الدائمة لأنفسنا، ثم على استعدادنا لتقبل نصائح من حولنا، فالمؤمن مرآة أخيه،كما أن طلب الكمال الخلقي مشروع حياتي نقطة نهايته لقاء الله تعالى بقلب سليم. يقول الإمام الشعراني:
“ومن آدابهم لا يغفلون عن تفتيش باطنهم، فان الأخلاق الردية كامنة في العبد، ومعلوم أن الفقراء إذا ترقوا في المقامات كان وقوعهم في المعاصي الظاهرة معدوما غالبا، فيقنع أحدهم بذلك وينسى تفتيش باطنه، وهو قصور عن درجة أهل العرفان. ومن ظن أن الأخلاق الردية زالت عنه فقد وهم. قال تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)” .