من غل يد مدعي عام المحكمة الجنائية عن ملاحقة قادة الكيان الصهيوني؟

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : مصطفى نصر الله

يستمر قادة الكيان الصهيوني بارتكاب جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني مستخدمين أشد الأسلحة فتكاً والأسلحة المحرمة دولياً، فيقتلون الأطفال والنساء وكبار السن ويهدمون البيوت فوق رؤوس ساكنيها ويقصفون دور العبادة والمدارس والجامعات ويقتلعون الأشجار وينتهكون حقوق الإنسان الأساسية عبر محاصرة المدن الفلسطينية سواء في الضفة بواسطة جدار الفصل العنصري وفي غزة بإغلاق كل المنافذ البرية والبحرية والجوية المؤدية إليها.

منذ عهد عصبة الأمم واصلت دول الاستكبار دعم الكيان الصهيوني، وبدوره قام هذا الكيان بتكريس نظامه العنصري بهالة من الحجج القانونية المغلوطة ويصر على التنصل من الالتزام بالقانون الدولي الإنساني في كل حروبه وعدوانه على الشعب الفلسطيني، وبشكل خاص يجاهر هذا الكيان بانتهاكِ اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.

يعلم مدعي عام المحكمة الجنائية بنظام روما والمادة (5) منه التي ذكرت الجرائم الأشد خطورة على الإنسانية، وكذلك قواعد القانون الدولي الإنساني التي جاءت للحد من معاناة المدنيين اثناء النزاعات المسلحة والحروب التي تشن وتفتك بالبشرية دون هوادة، فقد ورد في المادة (5) من نظام روما تنظيمٌ للجرائم التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بنظرها ووصفتها بكونها أشد الجرائم خطورة وموضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وحددتها بالجرائم: (جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة العدوان)، ويلاحظ عدم إجراء أي تحقيق جدي في الانتهاكات التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بالرغم من علم مدعي عام المحكمة الجنائية بما ورد في هذه المادة واطلاعه على الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها قادة الكيان الصهيوني كل يوم منذ (74) عاماً وحتى أمس القريب من قتلٍ للأطفال وهدمٍ للبيوت في العدوان على غزة، وهي ما تؤكد ارتكاب الكيان الصهيوني لجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، وعرّف نظام روما الجرائم ضد الإنسانية في المادة (7) بوصفها أي فعل من الأفعال متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم، ويكون من خلال عدد من الممارسات منها: القتل العمد وإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان والسجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.

إن قادة الكيان الصهيوني ارتكبوا على مرأى ومسمع مدعي عام المحكمة الجنائية  الجرائم التي نص عليها نظام روما وفق احكام المادة الخامسة ومنها جريمة الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وسجل قادة الاحتلال الصهيوني حافل بانتهاكات مماثلة في فلسطين ويكرر جرائمه في كل حرب يشنها ضد الشعب الفلسطيني على امتداد خارطة فلسطين.

وكذلك يتجاهل المدعي العام للمحكمة عن قصد او لأسباب أخرى بعيدة عن العدالة، جرائم الحرب التي ترتكب يومياً من قبل قادة الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وفقاً لما ورد في المــادة (8) والمتعلقة بجرائم الحرب:
1.”يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.
2. لغرض هذا النظام الأساسي تعني (جرائم الحرب):
أ‌. الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب / أغسطس 1949، أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص، أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:
1. القتل العمد.
3. تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.
6. تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية.
7. الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع”.

وهنا لا بدّ من التساؤل والتوقف مطولاً حول سبب تجاهل مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية وتخلفه عن القيام بواجبه بالتحقيق في هذه الجرائم والانتهاكات مع علمه بالجرائم المرتكبة من قبل قادة الكيان الصهيوني وانتهاكها لنظام روما، ويجدر التساؤل حول مدى إمكانية وجود أطرف تساهم من غلَّ يد المدعي العام عن ممارسة صلاحياته وفق احكام المادة (13) الفقرة (ج) والتي نظمت ممارسة اختصاص المحكمة بالنظر في الجرائم، ونصت: “للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة (5) وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:
ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة 15″.

حيث منحت المادة (15) المدعي العام صلاحية مباشرة التحقيق من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة، ونصت في فقرتها الأولى: ” للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة”.

ولا يمكن التغافل عن الاستهداف المفرط للمدنيين من قبل جيش الكيان الصهيوني في الحروب التي يشنها على (غزة) بذريعة قصف بيوت (مقاومين) ويبيح لنفسه القصف رغم توقعه لنتيجة فعل القصف مما يجعل العنصر الجرمي متوافراً حيث اتجهت نيته إلى قتل مدنين لاحتمال وجود (محاربين) في البيوت وقت قصفها وهذا ما يحصل وحصل في العدوان الأخير عندما وجه نيران طائراته لقصف منازل (تيسير الجعبري وخالد منصور) رحمهم الله رغم تيقن الجيش من وجود مدنيين حول تلك المنازل التي تم استهدفها وأدت إلى إحداث خسائر في الأرواح والأعيان المدنية وهذه جريمة الحرب بعينها.

ويجدر الإشارة إلى أن عدم تحرك المدعي العام وإغفاله لواجبه ومهامه وفق أحكام نظام روما لا يعفيه من المسؤولية بل إن تركه لواجبه والتخلي عن ملاحقة قادة الكيان قد يجعله شريكاً في الجرائم بما يعرف في قواعد القانون الجنائي (بجريمة الترك) أو الإهمال أو التقصير في أداء واجباته.

وحتى يدفع المدعى العام عن نفسه شبهة الإهمال والتقصير يجب عليه تطبيق العدالة الدولية ضد قادة الكيان الصهيوني – مثلما يراقب بشكل كبير ملفت للنظر الأفعال التي ترتكب بالحرب الروسية الأوكرانية- وعليه تشكيل لجان التحقيق من أجل تحقيق العدالة وإنفاذ القانون على الجميع وعدم  التعامل بطريقة مزدوجة، وهو ما يؤدي بالنتيجة لأن تبقى مؤسسات المجتمع الدولي ذات حضور وفاعلية في ملاحقة من يرتكب الجرائم الأشد خطورة ضد الإنسانية، وانتصاراً للعدالة الدولية ومحافظةً على مكانة هذه المؤسسات التي كانت الجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الأولى والثانية سبباً مباشراً لإنشائها أملاً في ملاحقة المجرمين والحدّ من هذه الجرائم، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع من تخلّف مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية عن القيام بواجبات وظيفته هو تمييز واضح بين الضحايا، كما يستدعي منه التحرك الفوري للتحقيق في الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني مثلما يقوم بتوثيق الجرائم التي ترتكب في بعض المناطق الأوروبية وإحالة مرتكبيها إلى المحكمة الجنائية انتصاراً للمظلومين وتطبيقاً لقواعد القانون.

اكتب تعليقك على المقال :