عقب تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المسيئة للإسلام مؤخرا، كتب المفكر المعروف الدكتور كمال القطوي مقالًا عن “أزمة فرنسا المزمنة”، أكد فيه أن القيادة الفرنسية مزيج نادر من الحماقة والتطرف، وسرد عشرات المواقف والوقائع التاريخية والحماقات التاريخية التي ارتكبتها قيادة فرنسا منذ قرون، إضافة الى التطرف الذي عشعش في أذهان القيادة والنخبة الفرنسية حتى اليوم.
يقول: “حين نشبت الحروب الصليبية، كانت الدول الأوروبية تجهز الحملات الصليبية بشكل جماعي لمهاجمة المشرق الإسلامي، باستثناء فرنسا الحمقاء التي أرسلت حملة فرنسية مستقلة، فكان مصيرها أن سقط ملك فرنسا لويس التاسع أسيراً في دار ابن لقمان بمنصورة مصر!”.
وحين تملص الإنجليز من الاستبداد المحلي بذكاء وفاتورة أقل من الدماء، كان الفرنسيون يقتلعون الملكية بوحشية مفرطة، وقطعت مقصلة الثورة الفرنسية أكثر من ٤٠ ألف رأس من الملكيين أولًا، ثم من الثوار!! رغم أن فرصة إقامة ملكية دستورية كانت قائمة، لكن العقل الأحمق رفض التعاطي معها.
وحين قاد نابليون فرنسا، اجتاح بهم معظم دول أوروبا ليخلف وراءه ١٢ مليون قتيل، ثم مني بهزيمة ساحقة أخرجت جيش فرنسا من المعادلة الأوروبية.
وحين اعتنق بعض سكان فرنسا المذهب البروتستانتي المسيحي ثار الشعب عليهم، وقاموا بتقطيع رؤوسهم بالفؤوس مع أطفالهم وأسرهم!
وبعد الثورة الفرنسية تركوا الدين بالكلية! وانتحلوا العلمانية المتوحشة؛ فصاروا النموذج الأكثر تطرفًا بين العلمانيات الغربية! في حين زاوجت بريطانيا بين العلمنة والدين دونما تجريف تام.
وفي تجربتهم الاستعمارية اهتم الإنجليز بامتصاص ثروات الشعوب، بينما أخذت الحماقة فرنسا لفرض لغتها وثقافتها على البشر، ومن ثم إبادة كل من يقاوم ذلك، فتركوا جروحًا عميقة لا تندمل مع الزمن.
وحين هزم الحلفاء ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، اقترح الإنجليز شروط استسلام معقولة يوقعها الألمان المنهزمون، ولكن فرنسا الحمقاء أبت إلا أن تذل ألمانيا بـ”اتفاقية فرساي” المخزية؛
مما خلق غضباً ألمانيا فتح الطريق أمام صعود النازية التي احتلت فرنسا في أيام معدودة، وتسببت بمقتل ٦٠ مليونًا.
ما سبق مجرد مقتطفات من هذا المقال الهام الذي نشرته صفحة “الملتقى اليمني” في الفيسبوك، وهو طرح يدعو للتأمل، ويؤكد ضمن معطيات كثيرة أن فرنسا تعيش فعلًا أزمة كبيرة، وأن قيادتها مقبلة على حماقات كبيرة، واستهداف ممنهج لما يقارب 6 ملايين فرنسي مسلم؛ حيث تم إعداد قانون “الانفصال الشعوري” على مدى أشهر لاستهدافهم، وبشكل رسمي تحت لافتة: «مواجهة التطرف الديني وحماية قيم الجمهورية الفرنسية»، في حين أن هذا القانون هو في الحقيقة يهدف إلى فرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية والمساجد، وحظر أغلب الأنشطة والفعاليات الإسلامية، ووضع المسلمين في فرنسا تحت مجهر الاستهداف والتحريض؛ فعلمانية فرنسا استوعبت كل الأديان إلا الإسلام!!! والبرلمان الفرنسي استقبل كل ممثلي الأديان باستثناء امرأة مسلمة محجبة!!
كما أن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دار مانان وهو يُحضر لقانون استهداف المسلمين قام يوم الأحد 27 أيلول سبتمبر الماضي بزيارة للمعبد اليهودي في بولونيه – بيانكور قرب باريس، بمناسبة عيد الغفران اليهودي، وقال إنه “هنا لتذكير الفرنسيين بالواقع. نحن في وضع دقيق جداً، نحن في حرب ضد الإرهاب الإسلامي!!”.
وهو ما يؤكد أن استهداف الإسلام والمسلمين صارت سياسة فرنسية رسمية! وتستند إلى قوانين رسمية، وبدعم إسرائيلي وعربي واضح!
كما أن النخبة السياسية الفرنسية المعادية للإسلام ممثلة باليمين الفرنسي المتطرف، وزعيمته مارين لوبان، تحظى بتأييد كبير في الشارع الفرنسي حتى إن استطلاعات الرأي تشير إلى أن لوبان ستكون المنافسة الرئيسية للرئيس الفرنسي ماكرون إذا أجريت الانتخابات الرئاسية الآن، بل إن لوبان حسب نتائج الاستطلاع أجري مؤخرا «ستكون الفائزة بالمركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية».
ولا يقتصر العداء للإسلام في اليمين المتطرف، بل تعداه إلى أحزاب اليسار والوسط التي صارت تتبنى أطروحات اليمين المتطرف تجاه الإسلام والمسلمين؛ وبمعنى أدق: إنها موجة ممنهجة من الحماقة الفرنسية ضد الإسلام والمسلمين.
الإشكالية أن الدول العربية والإسلامية لم تكتف بالصمت على هذه التصريحات، بل إن بعض الدول العربية صارت تتفهمها وتشجعها وتدعمها سياسيا وماديا واعلاميا؛ باعتبارها “فهمًا أفضل للإسلام” على حد تعبير صحيفة “الشرق الأوسط” التي عنونت تصريحات ماكرون بـ”دعوة إلى فهم أفضل للإسلام”؛ وهو ما يعني أن الحرب الفرنسية الرسمية على الإسلام والمسلمين ستجد لها دعمًا وتمويلًا من دول عربية صارت تتماهى مع الدعوات والتوجهات للأسف!
هذا التوجه الفرنسي الرسمي والحزبي المعادي للإسلام والمسلمين يفرض تحديات كبيرة على المسلمين في فرنسا الذين يجب ان يتوحدوا في كتلة واحدة تناهض هذا الاستهداف الممنهج، وتواجهه بشتى الطرق السلمية المشروعة.
كما يفرض هذا التوجه موقفًا قويًّا على الدول العربية والإسلامية ومؤسساتها ونخبها، موقفًا قويًّا وموحدًا يرفض ويدين هذا الخطاب العنصري ضد الإسلام والمسلمين، ويفرض على فرنسا إعادة النظر في موقفها وسياساتها المعادية للإسلام والمسلمين، وهو ما لم نره على أرض الواقع للأسف؛ مما يعني أننا صرنا في وضع خطير مهيأ للاستعمار! وصارت دولنا تتماهى مع التوجهات الدولية المناهضة الإسلام والمسلمين، وهو مؤشر خطير للغاية، يتوجب على الشعوب العربية التنبه على هذه المعطيات الخطيرة، وفرض رأي عام قوي وموحد يلزم الدول والحكومات والمؤسسات بالتصدي لهذا الخطاب العنصري، ومواجهته ورفضه واستنكاره، ودعوة ماكرون إلى الاعتذار للإسلام والمسلمين من هذه التصريحات المسيئة، وإيقاف هذه القوانين التي تستهدف التي تستهدف الإسلام والمسلمين في فرنسا، والدعوة إلى هذا التحرك هو واجب النخب العربية والإسلامية حتى لا نجد أنفسنا ضحية لحرب فرنسية ضد الإسلام والمسلمين، وبدعم وتمويل من ثروات وإمكانيات المسلمين، فهل نفعل؟!
(*) كاتب وصحفي يمني