سيطر سؤال الجدوى على بعض تعليقات مؤيدي الثورة على تقرير الأمم المتحدة المهم حول وفاة الرئيس محمد مرسي، والذي أشار بشكل واضح إلى أن موته يرقى إلى درجة القتل التعسفي من قبل الدولة، بفعل الظروف الوحشية التي سجن فيها الرئيس المنتخب، وهي نفس الظروف التي حذر التقرير من أنها قد تتسبب بقتل آلاف المعتقلين في سجون نظام الانقلاب في مصر.
وعلى الرغم من تفهم حالة “الإحباط” لدى كثير من معارضي الانقلاب، وهي
الحالة التي بدت واضحة في ردة فعل البعض على التقرير، إلا أن أي ثورة لا
يمكن أن تنتصر إلا بإدمان الأمل، وبالبحث عن كل انتصار ووضعه في سياق
المعركة مع الاستبداد، للبناء عليه لتحقيق انتصارات أكبر وأكثر تأثيرا،
فكيف إذا كان ما تحقق هو انتصار مهم في حد ذاته؟!
يمكن النظر إلى تقرير الأمم المتحدة عن اغتيال الرئيس مرسي تعسفيا من قبل
السلطة، باعتباره انتصارا حقيقيا، وليس مجرد محاولة للتشبث بالأمل،
لاعتبارات كثيرة، بعضها معنوي، وبعضها سيكون لها تأثيرات عملية مباشرة،
وبعضها الآخر سيكون له تأثيرات عملية على المدى البعيد في الصراع مع السلطة
الانقلابية الحاكمة في مصر.
انتصار معنوي.. ولكنه مهم
على الصعيد المعنوي، يمثل التقرير أكبر إدانة لنظام الانقلاب من أعلى هيئة دولية، هي الأمم المتحدة، وبعبارات واضحة، وإدانة لا تحمل الشك للنظام، باعتباره قاتلا للرئيس المنتخب قتلا تعسفيا، وبشكل وحشي.
هذه الإدانة لم يسبق أن تعرض النظام في مصر لمثلها حتى من منظمات أقل أهمية
من الأمم المتحدة، وهي لذلك ستشكل وثيقة يمكن استخدامها لتنسيق حملة
إعلامية دولية ضد النظام، ولدعم حقوق المعتقلين بالاستناد إلى تقرير عالي
المستوى من الأمم المتحدة.
لقد صرف النظام عشرات الملايين من الدولارات لتوقيع عقود مع شركات العلاقات
العامة في الغرب لاكتساب بعض الشرعية، كما دفع مئات الملايين أو حتى
المليارات على شكل صفقات أسلحة للحفاظ على علاقات جيدة مع بعض الحكومات
الأوروبية، ولا شك أن مثل هذا التقرير سيمثل ضربة لكل جهوده لتلميع صورته،
وسيصعب أيضا من تعامل الحكومات الغربية وخصوصا الأوروبية معه بشكل طبيعي في
ظل إدانته من الأمم المتحدة.
سيقول البعض: وهل سيؤدي هذا إلى قطع علاقات الغرب مع نظام السيسي؟ والجواب
قطعا هو لا، ولكنه سيقلل من شرعيته وسيفقد حملات العلاقات العامة التي
يخوضها منذ ست سنوات مضمونها.
التأثيرات العملية للتقرير
على أهمية الجانب المعنوي والإعلامي في تقرير الأمم المتحدة ضد نظام الانقلاب، إلا أن هذا التقرير يمكن أن يكون له تأثيرات عملية أيضا. وأول هذه التأثيرات هو إمكانية تحسين ظروف المعتقلين، وتخفيف الأوضاع الوحشية التي يعيشونها في السجن، وذلك في محاولة من النظام لتلميع صورته خارجيا وداخليا، خصوصا وأن تقرير الأمم المتحدة أكد أن المعتقلين يتعرضون لخطر القتل التعسفي الذي أودى بحياة الرئيس مرسي.
وفي هذا الإطار، يمكن فهم إعلان هيئة الاستعلامات التابعة للانقلاب عن
تنظيم زيارات للصحفيين من أنحاء العالم للسجون، بهدف الاطلاع على أوضاع
المعتقلين. إن مثل هذا الإجراء لا يمكن فهمه إلا في سياق الرد على تقرير
الأمم المتحدة، ومن الممكن إذا تم تنفيذ حملات إعلامية وسياسية وشعبية
ناجحة أن تعمد سلطات الانقلاب فعلا لتحسين ظروف الاعتقال لمواجهة تداعيات
التقرير.
ثمة تأثيرات أخرى مباشرة ولكنها تعتمد على ردة فعل المعارضة والقوى
الثورية، بحيث يمكن أن يكون هذا التقرير محركا لاحتجاجات شعبية ولو رمزية
تركز على قضية المعتقلين، وهو ما سيؤدي إلى تحقيق انتصارات في هذه القضية.
إن تحقيق هذه الانتصارات لا يمكن بالطبع أن يتم إلا بوجود معارضة فاعلة
تفكر خارج مربعها المعتاد، فإذا كانت السلطة الانقلابية قد استطاعت منع أي
تظاهرات شعبية باستخدام القبضة الأمنية، فإن المعارضة يمكن أن تواجه هذه
السلطة من خلال الفعاليات الرمزية أمام المؤسسات الدولية، والتركيز حصرا
على قضية المعتقلين، بالاستناد إلى تقرير الأمم المتحدة حول قتل مرسي.
قضايا ومحاكم دولية
وإضافة للتأثيرات المباشرة للتقرير على الوضع المصري، فإنه يمثل وثيقة يمكن استخدامها مستقبلا لمحاكمة المجرمين في حال تغير الأحوال في مصر، وهو أمر ممكن ووارد، لكن الأهم أن هذا التقرير يمكن أن يستخدم في الوقت الراهن لرفع قضايا على قيادات النظام العسكرية والسياسية في بعض الدول الأوروبية التي تسمح قوانينها بملاحقة مسؤولين من دول أخرى إذا ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، وقد نجحت مؤسسات فلسطينية سابقا في ملاحقة مسؤولين إسرائيليين في دول أوروبية، واضطر مسؤولون من بينهم وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني للهرب خشية تعرضها للاعتقال في لندن باستخدام هذه القوانين.
ويبقى القول، إن أهمية تقرير الأمم المتحدة لا يمكن أن تقاس وفق حسابات
اللحظة الراهنة البائسة في مصر، بل هو مجرد فصل من معركة طويلة مع
الاستبداد، والمعارك مع الاستبداد لا تحسم بالضربة القاضية فقط، ولكنها
تحسم بتراكم النقاط في غالب الأحيان. لقد قتل الرئيس مرسي دفاعا عن
الديمقراطية والشرعية الانتخابية في مصر، وإذا كان تقرير الأمم المتحدة قد
أشار بيده للقاتل، فإن المعارضة المصرية مطالبة بأن تواصل كفاحها ضد هذا
القاتل، لإنصاف الرئيس الذي دفع حياته ثمنا لحرية مصر وشعبها.