غزة “سفينة نوح” من لم يركب كان من المغرقين

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : علي سعادة

غزة سفينة نوح لكل الصالحين والطيبين، من لم يركب فيها كان من المغرقين، لا عاصم اليوم إلا الله، وغزة يعصمها الله ورجال قدموا أنفسهم وأرواحهم وأموالهم في سبيل الله، مقابل وعد بأن لهم الجنة.
وربح البيع، فكانت تجارة لن تبور أبدا، معطرة بالريحان، مغلفة بالياقوت والمرجان.
غزة تجري وسط موج كالجبال، تسير إلى مستقر كتبه الله لها منذ الأزل، فيما يقودها رجال أقرب إلى الأساطير، أعادوا إنتاج كل رموز البطولة والفداء والشجاعة التي عرفها تاريخنا العربي والإسلامي.
صنعوا ثقافة البطولة والصمود، ثقافة أعادت للأمة روحها وكرامتها المهدورة على مدى 76 عاما، فإذا استوت السفينة على الجودي وكان باسم الله مجراها ومرساها، كان المرسى لسفينة غزة، شاطئ واحد، المسافة صفر، فساء مطر المرجفين.
غزة الكاشفة التي كشفت الجميع وأسقطت الأقنعة عن الوجوه الزائفة، فسقط القناع عن القناع، فبدت عورة الكثيرين الذين اكتفوا بالصمت أمام أكبر مذبحة في التاريخ تبث على الهواء مباشرة، لا تحتاج إلى شهود، المشاهد هو الشاهد، والشاهد يكون أحيانا هو الشهيد، والمقاتل والصامد والمرابط هو الشهيد والشاهد في آن واحد.
تلك غزة التي كانت أمنية إسحاق رابين أن يستيقظ ذات يوم من النوم فيرى غزة “وقد ابتلعها البحر”. لكن البحر لم يبتلعها، وابتلعت غزة “الجيش الذي لا يقهر” وأسقطت الأسطورة وبددت الوهم، وكشفت حقيقة هذا الكيان المصطنع الهش الذي لا يقوى على الوقوف على قديمه لوحده دون أن تضع له الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ساقين من قش، نمر من ورق مزقته صواريخ المقاومة التي صنعت بأيدي فلسطينية.
غزة بقعة ضيقة من الأرض مثقلة ومشبعة بالذكريات المريرة والموجعة، لكنها أيضا صنعت رمزا جديدا للعالم بأن الإرادة والإيمان والاستعداد والوعي كافية لأن تضع القاتل في الزاوية المعتمة وتواصل لكمه حتى يقع مضرجا بالخيبة والهزيمة والذل.
غزة لم يبتلعها البحر ولن يبتلعها، فهي الأمل لنا جميعا بالانعتاق من قيود العبودية والمهانة والأساطير التي صنعت حول هذا الكيان الهش.

اكتب تعليقك على المقال :