يأبى الله إلا أن يتم نوره ويرفع شأن رسوله ﷺ، ولو بالرجل الفاجر؛ فما كان أحدٌ يتوقع أن يتردد اسم الحبيب ﷺ، وفى ذكرى مولده، بهذه الصورة التى أشعلت مواقع التواصل الاجتماعى على مستوى الدنيا حتى بثت الرعب فى قلوب من عابوه وأساءوا إليه، وحتى تصدَّر اسمه ودينه والكتاب الذى جاء به قائمة البحث فى ديار شانئيه.
وهذا ليس جديدًا، بل هو موعود الله -تعالى- له: أن يعلى ذكره (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح: 4]، وأن يكفيه الكائدين (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ..) [البقرة: 137]، ويمنعه الهازئين (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر: 95]، وقد أوجب –سبحانه- اللعن، فى الدنيا والآخرة، لكل من أساء إليه وآذاه ﷺ (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) [الأحزاب: 57].
يعلم هذا المأفون مَنْ محمد ﷺ وما شرعه وما كتابه، عَلِمَ هذا من تاريخ آبائه وأجداده الطافح بالعداوة والحقد على الدين الخاتم والرسول الكريم، ولكن الكبر ملأ قلوبهم فاستنكفوا عن الاعتراف بالحق، وتمادوا فى باطلهم حتى أوقعهم الله فى شَرَكِ غبائهم فارتفع بذلك صيتُ الإسلام، وعلا ذكر محمد ﷺ (وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت… أتاح لها لسان حسود)، بُليتْ عظام سلف هذا المسىء الذين حاربوا دين الله بكل ما أوتوا، وبقى المعصوم ﷺ ودينه عظيمين جليلين، فلم يتعظ المسىء ولم يمتنع عن التردى فى وحل الأجداد.
سيبقى اسم محمد مخلدًا فى العالمين أبد الدهر رغم أنف الكافرين، وقد اقترن اسمه باسم الخالق فصار يتردد فى كل يوم مليارات المرات، مع كل صلاة وأذان وإقامة، وفى كل تشهد وذكر. وسيظل هكذا متربعًا على هذه القمة إلى أن تفنى السماوات والأراضين؛ لأنه مؤيد من السماء، خليل الله (إن صاحبكم خليل الرحمن)، إمام الأنبياء، أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، وأول شفيع، وأكثر الناس تبيعًا.
لقد أخذ الله الميثاق على أنبيائه ورسله بالإيمان بهذا النبى ﷺ، ونصرته فلا يعاديه الآن إلا فاسد العقل مختل النفس (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81]، إنه أول المسلمين (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163]، «إنى عند الله مكتوب خاتم النبيين وإن آدم منجدلٌ فى طينته»، وخاتم النبيين (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب: 40]، فهل يستحق هذا العنت وتلك الإساءة يا مسىء؟
وما بقى القرآن الكريم، وهو محفوظ إلى أن يشاء الله، سيبقى اسم محمد ﷺ يتردد؛ توكيدًا لكرامة الله له، وتذكيرًا لكل تالٍ وسامع بمكانة هذا الرسول العظيم الذى ربط المولى –سبحانه- طاعته بطاعته (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 132]، (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) [النساء: 80].
بل سيظل محمد ﷺ، رغم أنف من كره، قدوة الجميع، الشاهد على كل الأمم يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه؛ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) [النساء: 41]، وسيبقى رمزًا للعفو والرحمة ما بقى البشر على نهجه وسنته (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].