وما يعلمُ جنودَ ربِّكَ إلاّ هو!!

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : د. علي العتوم

حقّاً وصدقاً. إنّه تقريرٌ أكيدٌ وحُكْمٌ وطيدٌ أنْ لا يعلمَ جنودَ اللهِ إلاّ الله, ولكنّه تقريرٌ رهيبٌ. فمَنْ هُم هؤلاء الجنود, أين هم, ما طبيعتهم, ما عددهم, ولِمَنْ يُرسلون, ومتى يُرسَلون؟! أليسَ من جنودِه – جلّت عظمته – البعوضُ والذبابُ والجرادُ والضفادعُ والقُمَّلُ والبَقُّ وما إلى ذلك وهي أدناها, مع أنّها فتّاكة وهي في اعتبارنا أضعف خلقِ اللهِ, بالنسبة للجند الذين نعرفهم مُدجَّجينَ بالأسلحة من حِراب وسيوفٍ وبنادق وقِسِيّ إلى ما هو أعظم من صواريخ وطائرات, ومدافع ودبّابات, وبوارج وغوّاصات؟! ومع ذلك فهي أقوى بكثيرٍ مما صنعه الإنسان على وجه هذه الأرض ليقتُلَ بها أخاه الإنسان, لأنّها بيدِ اللهِ وهو الذي يرمي بها كما يشاء وأيَّ وقتٍ يشاء!!

ألم يقتلْ بالبعوض النمرودَ الذي قال – ادّعاءً وتنفُّجاً -: أنا أُحيي وأُميت!! وبالقُمَّل والضفادع فرعونَ الذي قال: أنا ربُّكم الأعلى!! وهما أعظم طاغيتَيْن بشريَّيْن؟! ألم يقتلِ الطَّيْرُ الأبابيل وهو كالسّنونو وبمنقاره قدْرَ حبة العدس أو الحمص من الطين المشوي أبرهةَ الأشرم وجيشه العرمرم الذي جاء به ليهدِمَ الكعبة, أول بيتٍ وُضِعَ للناسِ لعبادة الله؟! ألم يقلْ سبحانه وتعالى: ﭐﱡﭐﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﱠ؟! ألم يُهلِك فرعونَ بالطوفان وهو هَيْجُ البحر الذي لا يَدرِي متى يَهيجُ, إلاّ اللهُ؟! ألم يقتل عاداً بالريح الصرصر وثمودَ بالصيحة, وفرعون وهامان بالإغراق في اليَمِّ, وقارون بالخسف, فهو يتجلجل فيها إلى يومِ القيامة؟!

وما من ريبٍ أنَّ اللهَ عزّوجلّ من صفاته – تسامَتْ وتعالتْ – أنّ رحمته تسبقُ عذابَه, وأنّه أرحمُ بعباده من الأُمّ الرؤوم بولدها والأبِ الحنون بأبنائه, وأنّه لَيَفْرَح بتوبة عبده حينَ يتوبُ إليه من ذنبه أشدَّ من فرح إنسانٍ فَقَدَ أعزَّ متاعه ووجدَه فُجأةً!! فلماذا يغضبُ هذا الغضبَ الشديد ويثورُ هذه الثورة الباطِشة, ويُعذِّبُ هذا العذابَ الأليم, ويبعث بهذه الجنود من خلقه لتفعلَ بالنفوس الآدمية أشنعَ من فعل الذئب الساغب سطا على قطيعٍ غابَ عنه رعاتُه وحُرّاسُه؟! إنّه بلا ريبٍ كذلك لأمرٍ أغضبَه وأثارَه, حتى لم يبقَ منزعٌ للعفو والصفح, لأنَّ هؤلاءِ العِبادَ بالَغُوا في العصيان واستمرؤوه وأغلقوا كُلَّ أبواب الرجعة إلى الله, فارتكبوا الجريمةَ جَهاراً نَهاراً, وعن قصدٍ وسبق إصرارٍ.

إنّني لأُدرِكُ أنَّ الحياةَ البشريةَ ليست كُلُّها خيراً ورَغَداً أو سعادةً وسروراً أو صحّةً وعافيةً, وأنَّ المصائِبَ والكوارِثَ والأمراضَ والأوجاعَ على مختلفِ أنواعها هي من طبيعة هذه الحياة التي هي مزيجٌ من الحلوِ والمُرّ والشرِّ والخيرِ والألمِ والسرورِ, ولكنْ يجب أنْ نضعَ في أذهاننا ولا محيصَ أنَّ بعضَ هذه المصائب نوعٌ من العذاب وصورٌ من صورِ العقاب يصيبُ بها اللهُ بني الإنسان.

وهذا التاريخُ على مرِّ عصورِه يشهدُ بهذا. فبعضُ الأنبياء مَرِضَ وأُوذِيَ, وبعضهم سُجِنَ, وبعضهم أُوقِدَتْ له النيران ليُقذَفَ فيها, وبعضهم قُتِلَ, ولكنْ لا يعني هذا أنّه عقابٌ لهم وعذابٌ حاشاه وحاشاهم, إنّما هو ابتلاءٌ منه لهم ولأتباعهم من الصالحين ليكونَ الأجرُ أعظمَ والمنزلة أسمى.

غيرَ أنّه إذا أبصرْنا أمراضاً شديدةً تنتشرُ في هذا العالَم, وأدواءً قاتِلة تفتك بآدميِّيه وهم يُقيمون على المنكرات, يعبُّونَ منها كما تشاء لهم أهواؤُهم, ويقتلونَ بعضهم بعضاً بأشدِّ أسلحةِ الدمار الشامل, ودونما أدنى رحمة وعلى أتفه الأسباب, وأخطر ما يرتكبونَ أو يُقارِفونَ من مناكِرٍ ومآثِمٍ إعراضُهم عن دينِ الله الحقّ, ومجاهرتهم بالجُحُودِ والكُفرانِ والتجافي عن شرعه, بل طردِه من نهجِ سياساتِهم, والاستبدال به شرائِعهم الفاسدة ومناهِجهم الباطلة, فلا بُدَّ أنْ نعدَّ ذلك عِقاباً منه جلَّ وعلا لهذه البشرية. وصدقَ الله العظيم: ﭐﱡﭐﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ  ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ  ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﱠ.

ومن هذا القبيل ولا شكّ ما يُصيبُ اليومَ ناسَ الكرة الأرضية من شرقها إلى غربها, من مرض (كورونا). هذه الكرة التي تجبَّرتْ فيها بعض دولها متّخذةً من نفسها بقواها المختلفة من مادية وعسكرية وعلمية وتقنية طاغوتَ العالم الأوحد, بل ربَّه الذي لا يُعجِزه شيءٌ عمّا يُريد أنْ يوقعه بأيِّ قومٍ وفي أيِّ مكانٍ أو أيِّ زمان, ظُلماً وعدواناً. فهذه أمريكا ودول الغرب, وهذه روسيا والصين كُلٌّ يدّعي الزعامةَ الكبرى على وجه هذه البسيطة, بل الألوهية والربوبية, ولاسيّما فيمَنْ يُسمَّوْنَ دولَ الفيتو. فكم أزهقوا من أرواحٍ بريئة وتآمروا على حقوقٍ مُكتسبة وقتلوا وذبحوا ومثَّلوا بأهلها بكُلِّ لا أُباليّةٍ, وكأنَّ أرواح الناس عندهم أقلُّ قيمةً من أرواح الحشرات والهوامّ!!

إنّه إنذارٌ من الله صاحِب الأمر لهذا العالَم الجاهلي حقّاً والكافر حقّاً ودوله المتفرعنة المتنمردة صدقاً, ومثلُها – وإنْ كان بدناءَةٍ – الدولُ السائرة في فلكها سيرَ العبدِ في رِكابِ سيِّده. هذه الدول التي تَهُزُّ العصا في وجه دول العالم الثالث. أجل, إنّه إنذارٌ من الله لهؤلاء وقد تفرعنوا وتنمَّروا. فمَنْ هم حتى يُعالِنوا اللهَ بالمعصية ويضرِبوا عُرْضَ الحائط – وبكُلِّ تجبُّرٍ وتكبُّرٍ – بأمره وشريعته, وهم يجلدون بسياط ظلمهم أجلادَ البشر. والأنكى في الأمر أنَّ هذا الوباء (الفيروس) الذي لا يَكادُ يُرَى يُهاجِم بكل قوة واقتحامٍ كُلّ دول هذا العالَم الفاسِد وعلى رأسه دولُه الكُبرَى متحدِّياً لها بكُلِّ ما تملك من أسلحة, وقد وَقَفَتْ جميعُها عاجِزة عن حربِه, وهو لا يملك من الأسلحة شيئاً, إلاّ أنّه جُندٌ من جندِ الله مُرْسَلٌ من لدنْه, وحقّاً (وما يعلمُ جنودَ ربِّكَ إلاّ هو).

ومما يُوحِي بأنَّ هذا الفيروس جُندٌ من جُندِ الله ومُرسَلٌ لِعقابِ البشرية التي تُجمِعُ بأكمَلها وخاصّةً على مستوى الزعامات على حربِ دِينِ الله, ولاسيّما الإسلام وأهله, أنَّ أكبرَ دولِ العالَم تطوراً علميّاً وتقدُّماً تقنيّاً وأكثرَها أسلحةَ دمارٍ وأملأَها خزائنَ مالٍ, عجِزَتْ حتى الآن عن مواجهة هذا (العزرائيل) الذي يزيدُ كُلَّ يومٍ تحدياً لها, ويبثُّ فيها فَزَعاً حتّى أخفقتْ في ردِّه عن ساحاتها, وعن إيجادِ علاجٍ ناجِعٍ يقضي عليه, بعدَ أنْ عَجِزَتْ أصلاً عن رصدِه والتنبُّؤ به, ومن ثَمَّ أخذِ الأبوابِ عليه, فقد فاجَأَها ودَقَّ عليها أبوابَها, فأقضَّ مضاجعها وهو يهزأُ بها, ولسان حاله يقول لدولها: أين قُواكم وعلومكم وأسلحتكم؟! لأُكسِّدَنَّ عليكم تجاراتكم, ولأُفسِدَنَّ عليكم مخطّطاتكم, ولأُبَوِّرَنَّ عليكم علومَكم!! بل إنّه نَشَرَ مِنَ الفَزَعِ في قلوبِ الناسِ أنْ شَلَّ حركتهم, وشَكَّلَ في أوساطِهم حتّى بينَ الأرحامِ قطيعةً اجتماعيةً ورِيبَةً في التواصل والتلاقي!!

أيها القومُ أيها العرب والعجم أيتها الإنسانية المنكودة, عودي إلى الله, عودي إلى بابه متضرِّعةً متخشِّعةً, وباكيةً متذلِّلةً, فهو ربكِ ولا ربَّ لكِ سِواه. وأنتم أيها الزعماءُ الغَشَمَة اتَّعِظوا بمصير فرعونَ, إذْ أخذَه الطوفانُ أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ, وأنتم أيها المؤازرونَ لهم في أعمالهم وسياساتهم, اتّعظوا بهامانَ وأشباهه الذي أصابَه ما أصابَ سيِّدَه الذي كان له عبداً, إذْ أرسلَ عليهم قبلَ الطوفان الجرادَ والقُمَّل والضفادع آياتٍ مشهوراتٍ. وأنتم يا أصحابَ خزائن المالِ اعتَبِروا بقارون الذي قالَ عنه سبحانه: ﱡﭐﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ  ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶﱠ  يعني اذْكُرِ اللهَ ولا تبطَرْ بالمالِ, وأَدِّ حَقَّ اللهِ فيه بشكرِه والتصدُّق منه على عباده المحتاجين, ولا تقولُوا كما قال: ﱡﭐﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇﱠ!! فكانت النتيجة: ﭐﱡﭐﲈ  ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ  ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﱠ.

وأنتِ أيتها الشعوب المغلوبة على أمرها, اعلموا أنّكم أقوى من طغاتكم المُستبدِّينَ بكم لو رجعتم إلى الله وأدركتُم أنّكم مُكرَّمونَ عليه, وقد خَلَقَكم أحراراً وأرادَ لكم أنْ تكونوا عبيدَه لا عبيدَ سادتكمُ الطغاة, فهم – لو عَلِمْتم – ضعاف ضعاف, فلا تُصِيخُوا لهم بالباطل وتتخذوهم أرباباً من دونِ اللهِ, حتّى تتفادَوْا غداً وأنتم تَرَوْنَ العذابَ وتُعايِنُونَ العقاب أنْ تقولوا: ﭐﱡﭐﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼ ﱽﱾﱿﲀﲁﲂﱠ. ولن ينفعكم هذا, إذْ ستكونونَ وإياهم إنْ لم تهتبلوها فرصةً للتوبة, كما وصفَهم اللهُ: ﭐﱡﭐﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﱠ. ولن يُفيدكم يومَها كذلك وأنتم في سَخَطِ اللهِ أنْ تُلْقُوا أمام الله بالتُّهمة عليهم, لأنَّ الجوابَ سيكونُ أمامكم: ﭐﱡﭐﱶﱷﱸﱹﱺﱻ ﱼﱽﱾﱿﱠ!!

وأنتِ أيتها البشرية عامّةً عُودي إلى اللهِ عودي إلى دِينِ الإسلام خاصّةً لتتخلّصي من الأدواء المادية والمعنوية, من كورونا وغيرِ كورونا. واعلمي أنّنا لا نُمانع أبداً أنْ تُفتِّشي لعلاجه عن أيّة وسيلةٍ ناجعةٍ لتُعافي نفسكِ منه ومن أمثاله, ولكنْ أيقني أنْ لا دواءَ لكِ ناجِعاً, إلاّ بالرجوع إلى اللهِ وعبادته حقَّ عبادته. واقرئي على الدوام قولَ الله مُحاذِرَةً خائفةً من غضبه ومن مهاجمة جند الله التي لا يعلمها إلاّ هو: ﭐﱡﭐﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺ ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﱠ. حمانا اللهُ والبشرية عامّة من كُلِّ داءٍ ووباءٍ, ومن كُلِّ بلاءٍ وغلاءٍ. ولله وحده الأمر من قبلُ ومن بعدُ.

اكتب تعليقك على المقال :