يحيي الفلسطينيون في جميع أماكن تواجدهم، الثلاثاء، الذكرى السنوية الـ104 لصدور “وعد بلفور” الذي منحت بريطانيا بموجبه أرض فلسطين “التي لا تملكها”، للحركة الصهيونية “التي لا تستحقّها”، لإقامة “وطن قومي لهم”.
هذا الوعد الذي صدر عام 1917، كان عاملا رئيسيا في إقامة الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية عام 1948، بينما ما زال الفلسطينيون ينتظرون إقامة دولتهم المستقلّة، التي يرى محللون سياسيون، أنها “بعيدة المنال”.
وكان رئيس الوزراء الصهيوني نفتالي بينيت، قال في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن “إقامة دولة فلسطينية يعني جلب دولة إرهابية على بعد 7 دقائق من بيتي (بمدينة رعنانا) ومن أي نقطة في الكيان الصهيوني تقريبا”.
كما أدخل “وعد بلفور”، العرب والفلسطينيين في صراع ممتد مع العدو، لم ينته بعد، على الرغم من توجّه عدد من الدول لتطبيع علاقاتها مع الأخيرة.
ويرى محللون سياسيون، في حوارات منفصلة مع الأناضول، أن الشعب العربي ما زال رافضا لحالة التطبيع، بخلاف بعض حكوماته، ما يقوّض من فرص تغلغل الاحتلال في المنطقة.
ووقعت أربع دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، في العام الماضي 2020، اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، لتنضم إلى مصر والأردن من أصل 22 دولة عربية.
** وعد بلفور
في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني لعام 1917، بعث وزير خارجية بريطانيا آنذاك، آرثر جيمس بَلفور، رسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية، عُرفت فيما بعد باسم “وعد بلفور”.
وجاء في نص الرسالة، إن “حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل عظيم جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”.
وزعم بلفور في رسالته، أن بريطانيا ستحافظ على حقوق القوميات الأخرى المقيمة في فلسطين، وهو ما لم تلتزم به.
وتزامن الوعد، مع احتلال بريطانيا، لكامل أراضي فلسطين التاريخية خلال الحرب العالمية الأولى.
وبعد مرور عام، أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا موافقتها عليه، لتتبعها موافقة أمريكية رسمية عام 1919، ثم لحقت اليابان بالركب في ذات العام.
وخلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين (1917- 1948)، عملت لندن على استجلاب اليهود من كافة دول العالم، وتنظيمهم وتقديم الدعم لهم لتأسيس الكيان الصهيوني.
** “الغارديان” البريطانية
في الوقت الذي يصف فيه الفلسطينيون وعد بلفور، بأنه جريمة ارتكبتها بريطانيا بحقّهم، قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية في 7 مايو/ أيار الماضي، إن دعم إعلانها لهذا الوعد عام 1917، كان من “أسوأ أخطائها”.
وقالت الصحيفة، في مقال افتتاحي نشرته بمناسبة المئوية الثانية لتأسيسها، إن الصهيونية المعاصرة “ليست الدولة التي توقعتها أو كانت تريدها”.
وأوضحت الصحيفة أن تأييدها لهذا الوعد واحتفائها به “ساعد في تسهيله (تنفيذه)”، ولفتت إلى أن رئاسة تحريرها “ناصرت (آنذاك) الصهيونية، الأمر الذي أعماها عن حقوق الفلسطينيين”.
** الجريمة مستمرة
بدوره، يقول محمد أبو هاشم، الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن بريطانيا والعدو تتحملان “المسؤولية المباشرة عن كل المجازر التي ارتكبت ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة”.
وأضاف، في حديثه للأناضول، إن “وعد بلفور، تُرجم، من خلال مساعدة العصابات الصهيونية، وإمدادها بالسلاح، ما تسبب بالعشرات من المذابح بحق الفلسطينيين”.
وأوضح أن “وجود الاحتلال يعتبر جريمة مستمرة، والعدوان الصهيوني أحد الجرائم الدولية التي يدينها القانون الدولي”.
وذكر أن هذا الوعد يتناقض “مع كل مبادئ القانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول، خاصة مبدأ عدم جواز ضم أراضي دول أخرى، أو الاعتداء عليها”.
وأردف: “في الحقيقة هذا الوعد صدر قبل صدور ميثاق الأمم المتحدة (عام 1945)، ولو صدر الوعد في هذه الأيام، لصُنّف – بحسب القانون الدولي – من الأفعال التي تهدد الأمن والسلم الدولييْن”.
وطالب “أبو هاشم” بتنظيم حملة للضغط على بريطانيا “للاعتذار عن هذا الوعد”.
** مجموعة مخاطر
ويرى مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أن الذكرى السنوية لوعد بلفور، تأتي في ظل تعرض القضية الفلسطينية لمجموعة من المخاطر.
وقال في حديث للأناضول، إن “اختلاف موازين القوى بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، وتعنّت الأخير فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية، والحالة العربية المتراجعة، كلّها تشكل عوامل خطر، تحدق بالقضية”.
وأشار إلى أن حالة التراجع العربي الكبير، بعد انخراط عدد من الدول في تطبيع علاقته مع الاحتلال، أضعف الموقف الفلسطيني.
وأردف قائلا: “التطبيع مع مع الكيان الصهيوني أمر خطير على صعيد القضية، خاصة وأنه يُعطي الاحتلال شرعية ويضعف الموقف الفلسطيني”.
ويرى الكاتب أن أفضل سبل خروج الفلسطينيين من هذه الأزمة تتمثل في “إنهاء الانقسام (بين حركتي فتح وحماس) ، وصولا إلى مصالحة حقيقية، لمواجهة هذه المخاطر بشكل موحّد”.
ولفت إلى أن كل الظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية “تسبب بانعدام وجود أي بارقة أمل في اتجاه إقامة الدولة المستقلة، سيما في ظل عدم رغبة الاحتلال في التوصل إلى تسوية لحل الصراع”.