دخل ملف الصراع في ليبيا عدد غير محدود من المنعطفات خلال الاشهر الثلاث الاخيرة ؛ اذ ارتفعت وتيرة القتال في الغرب الليبي مع قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر وطفى الى السطح عدد غير محدود من المتغيرات واللاعبين خصوصا بعد ان كشفت التقارير الاممية قائمة بالدول المتهمة بخرق حظر تصدير السلاح الى ليبيا.
اشتد الجدل بالكشف عن النشاط الروسي خصوصا شركة” فاغنر” ما دفع الناطق باسم قوات حفتر المسماري الى الاعتراف بوجود تعاون مع روسيا في دعم وصيانة منظومة المدفعية والدروع في ليبيا دون الاشارة المباشرة لدور الشركة الروسية في تفعيل منظومة الدفاع الجوي روسية الصنع.
اشتد التصارع ليتحول الى مواجهة جوية دامية امتدت نيرانها نحو طائرات الاستطلاع الامريكية بدون طيار لتسقط طائرتين امريكيتان ؛ اعلن بعدها الجنرال حفتر فرض منطقة حظر جوي مشعلا حرب المطارات بين طرابلس وقوات الجنرال المتقاعد حفتر .
التصعيد ارتبط اكثر من مرة بالمواعيد المؤجلة لانعقاد الانتخابات البرلمانية 2018 تطبيقا لبنود اتفاق الصخيرات ؛ وللمواعيد المؤجلة لعقد مؤتمر برلين منذ تشرين اول اكتوبر ثم نوفمبر كانون اول ديسمبر 2019 ؛و انتهاءا بـــكانون ثلتي يناير الحالي ؛ لتبلغ المواجهة الدبلوماسية والسياسية والعسكرية ذروتها بتوقيع اتفاقات بن حكومة الوفاق في طرابلس وانقرة ترمي لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا ولعقد اتفاق للتعاون الامني انتهى بطلب حكومة الوفاق المساعدة العسكرية من تركيا تحرك تسارعت خطاه على وقع هجوم الجنرال حفتر على مدينة سرت وسيطرته على اجزاء واسعة من المدينة .
السردية الليبية لم تنقطع او تتوقف عن التفاعل لتجذب المزيد من الفاعليين ترجمة على شكل مبادرة لوقف اطلاق النار اطلقتها موسكو وانقرة عرفت بمبادرة (2+2 ) ترافقت مع مفاوضات (غير مباشرة) بين الجنرال المتقاعد حفتر وحكومة الوفاق في موسكو لتبدا اول مناورة وجولة فعلية من المفاوضات بين اطراف الصراع في ليبيا ما سرع انعقاد في دفع المستشارة الالمانية ميركل للإعلان عن تحديد موعد جديد لمؤتمر برلين يوافق اليوم الاحد 19 كانون الثاني يناير ؛ مؤتمر يشهد حضورا رفيع المستوى بعد ان اعلن عدد كبير من القادة نيتهم المشاركة على راسهم كان يصعب جمعهم على طاولة واحدة ؛ رؤساء كل من تركيا والجزائر ومصر والامارات وروسيا وبريطانيا وفرنسا ليتحول مؤتمر برلين الى مؤتمر دولي يحمل ثقلا ووزنا سياسي غير اعتيادي خصوصا أن الساحة الليبية باتت ساحة توتر وصراع اقليمي ودولي هدد بشكل مباشر امن غرب المتوسط ومنطقة شمال افريقيا و الساحل والصحراء الافريقية .
ما يحدث في برلين لن تقتصر تداعياته على رسم التوازنات في الساحة الليبية ؛ فتداعياته تمتد الى غرب المتوسط وشرقة والى عمق القارة السمراء في منطقة الساحل والصحراء بل والى الخليج العربي الذي تقل جزء من صراعاته الى ليبيا وشمال افريقيا .
رغم ذلك لا يتوقع ان يحسم مؤتمر برلين الصراع الاقليمي في شمال افريقيا ومنطقة الصحراء والساحل وغرب المتوسط او ان يثبت التوازنات وخطوط التماس المتوترة والتفاهمات الهشة بسب طبيعة المتصارعين وتباين مصالحهم وتشابك تحالفاتهم بشكل يفاقم ويعقد المساومات بين اطراف الصراع والقوى المتنافسة .
مؤتمر برلين يتوقع ان يرسم خطوط تماس جديدة و ان يعمل على اعادة فك وتركيب التحالفات السياسية و العسكرية على اسس جديدة في المنطقة ؛ توازنات تتوافر على كافة العناصر والمعطيات التي تشكلت في عقاب الربيع العربي كالهجرة واللجوء والنفط والطاقة والتجارة والديموقراطية والاستبداد والتطرف والارهاب وسؤال الهوية العربية الاسلامية وغيرها من المتغيرات التي التب جعلت الصين غائب حاضر والتيار الاسلامي لاعب فاعل سبب حضوره القوي في تونس وليبيا والجزائر والمملكة المغربية كقوى سياسية ديموقراطية الى جانب اعتباره طرف مهم من اطراف الصراع في منطقة الساحل والصحراء كقوى تطرف ممتزج بالصراع القبلي في مالي واقليم ازواد وطموحات قبائل التبو والطوارق .
ختاما :ما يحدث في ليبيا يعد بداية لمرحلة جدية بداية فعلية لهندسة المنطقة غرب المتوسط وشمال افريقيا ؛ عملية ستتواصل ما بعد مؤتمر برلين الذي اكد على محورية الصراع في ليبيا وثاثيره في رسم السياسة غرب المتوسط لعقود قادمة؛ اذ ستتعاظم ادوار اللاعبين الاقليمين والدوليين فاتحة الباب لمزيد من اللاعبين الجدد ومن ضمنهم الصين المختبئة خلف الطموحات الروسية الجيوسياسية وهو ما تحاول دول القارة الاوربية استباقة بايجاد حل يوقف التفاعلات قبل فوات الاوان.