من المتوقع أن يكون لتفشي وباء كورونا في العالم وفي انتشاره في الكيان الصهيوني وبعض المناطق الفلسطينية تأثير على أنماط تعامل تل أبيب مع الصراع مع الشعب الفلسطيني ومستقبل علاقتها مع السلطة الفلسطينية.
مع العلم أن توجهات الكيان الصهيوني إزاء القضية الفلسطينية سيتأثر بعوامل أخرى، سيما انطلاق الحكومة الجديدة بمشاركة الليكود و”أزرق أبيض”.
وهناك سيناريوهان يمكن ان ينتهي إليهما نمط العلاقة بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية في أعقاب كورونا.
فالسيناريو الأول يمكن أن يتمظهر في استمرارية نمط العلاقة الحالي بدون تغيير جذري، حيث إن كورونا لن يحدث تحولا كبير على أنماط التوجهات الرئيسة لليمين الصهيوني الحاكم من القضية الفلسطينية، والمتمثلة في التصميم على ضم الضفة بغض النظر عن الثمن المدفوع مقابل ذلك.
فالحكومة الجديدة حددت بالفعل مطلع يوليو لتطبيق ضم مناطق واسعة من الضفة (غور الأردن والمستوطنات ومناطق أخرى) بواقع 40% من مساحة الضفة؛ مع العلم أن القرارسيكون مجرد خطوة أولى في مسلسل ضم أوسع، يشمل ضم كل مناطق (ج )، التي تمثل 60% من مساحة الضفة في مرحلة لاحقة.
خوف نتنياهو من إمكانية فشل ترامب في الانتخابات بسبب تداعيات كورونا تدفعه لاستعجال الأمور وإنجاز الضم؛ وفي الوقت ذاته، فإن حاجة ترامب لدعم التيار الإنجيلي، المتحالف مع اليمين الديني الصهيوني، لضمان فوزه في الانتخابات، يجعله مستعدا لتغطية أي قرار بالضم.
إلى جانب ذلك، فإن مشاركة حزبي “أزرق أبيض” والعمل في الحكومة الجديدة لن يؤثر على مخطط الضم، على اعتبار أن الحزبين يعيان أن نتنياهو عازم على الضم وقبلا بالأمر.
فضلا عن ذلك، فقد حدث تراجع على تحفظ القيادة العسكرية والاستخبارات الصهيونية السابق على مسألة الضم، حيث إن الجيش والمخابرات سبق أن حذرا من تأثير الضم على مستقبل التعاون الأمني وحذرا من إمكانية انهيار السلطة، لكن قوة التصميم داخل اليمين، سيما في الليكود جعلت الجيش يعد مخططات لمواجهة تداعيات الضم الأمنية وتم التدرب على أكثر من سيناريو.
من ناحية ثانية، فإن الكيان الصهيوني يقدر أنه بالإمكان التعايش مع الردود الفلسطينية على الضم.
فقد دلت التجربة على أن قيادة السلطة معنية بالتعايش مع سقوف كل السلوك الصهيوني على الرغم من خطورة خطوة الضم وتداعياتها.
فقط سبق للسلطة أن ضربت بعرض الحائط قرارات المركزي والوطني التي اتخذت بشأن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية لها، ورفضت وقف التعاون الأمني مع الاحتلال. ارتباط مصالح قطاعات واسعة داخل السلطة بنمط العلاقة القائم مع الكيان الصهيوني يجعلها قيادتها تصر على عدم اختبار أية محاولة يمكن أن تفضي للمس بشكل جذري لنسق العلاقة الحالي.
إلى جانب ذلك، فإن انتشار كورونا في الضفة يمكن أن يمنح مسوغا لقياد السلطة لتجاهل الضم ومواصلة دفع ضريبة كلامية، حيث أنها ستتذرع بانها بالحاجة للتعاون مع الصهاينة لمواجهة تبعات الوباء
لكن على الرغم من كل ما تقدم، فإن تحولا يمكن أن يطرأ على نمط العلاقة بين الكيان الصهيوني والسلطة، على الرغم من سلوك قيادة هذه السلطة الحالي.
فعلى الرغم من منظومة المصالح والاعتبارات التي تدفع قيادة السلطة للحفاظ على نمط العلاقة القائم مع الاحتلال رغم الضم، فإن هناك عوامل أخرى قد تفضي، مع ذلك، إلى إحداث تحول عليها وتغيير الواقع الأمني والسياسي في الضفة:
فضم حوالي 40% من الضفة الغربية يعني عمليا نسف الوجود السياسي للسلطة وينسف مصداقية البرنامج السياسي لقيادة السلطة، وسيكون على قيادة السلطة تبرير الحفاظ على نمط العلاقة القائم.
في الوقت ذاته، فإن إسرائيل تجاهر بانها لن تكتف بالضم، فوزير الحرب بنات شكل “منتدى منطقة ج” والمكلف بوضع المخطط الهادفة لتمكين المستوطنين من السيطرة على مناطق “ج” بشكل خاص، بمعنى أن الضم سيترافق مع ضغوط كبيرة على الجمهور الفلسطيني.
تراجع الأوضاع الاقتصادية للسلطة بسبب كورونا المحتمل، سيما في ظل توقعات تخلف الدول المانحة عن تقديم الدعم لها، يعني تقلص عدد القطاعات التي تستفيد من وجود السلطة مما يزيد من فرص الانفجار.
في الوقت ذاته، فإن حقيقة أن اتفاق تشكيل الحكومة الصهيونية قد نص على تمكين اليمين من السيطرة على الجهاز القضائي، يعني أن هذا لا يهدف فقط إلى تحسين فرص نتنياهو من الإفلات من المحاكمة، بل أيصا يهدف إلى توفير بييئة قضائية تحسن من قدرة الحكومة على السيطرة على الأرض الفلسطينية، وضمن ذلك التوسع في تدمير المنازل ومصادرة الأراضي في ظل أقل قدر من تدخل القضاء، وهذا ما يعاظم من فرص انفجار الأوضاع.
من هنا، فإن السيناريو الثاني الذي يمكن أن يتكرس في أعقاب كورونا وتشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة يمكن أن يتمثل في اضطرار السلطة إلى وقف التعاون الأمني وانفجار الأوضاع المحتمل والرد الصهيوني عليها قد يدفع إلى انهيار السلطة.
ومما لا شك فيه أن انفجار الأوضاع في الضفة الغربية سيؤثر على قطاع غزة على عدة مستويات