أعلنت حكومة الوفاق عن قبولها مبادرة وقف اطلاق النار الروسية التركية التي اعلن عنها في اسطنبول الاربعاء الماضي 8 كانون الثاني بعيد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لافتتاح سيل الغاز التركي؛ اتفاق سرعان ما انصاع له الجنرال حفتر ليعلن بدوره وقف اطلاق النار.
اعلان حفتر جاء بعد مطالبة وزير الخارجية التركي مولود أوغلو الروس ممثلين بالرئيس بوتين الزام الجنرال المتقاعد حفتر بوقف اطلاق النار… اعلان وبغض النظر عن مدى التزام اطراف الصراع به الا انه يحمل دلالات ومغزى كبيرا؛ فكيف نجحت موسكو وانقرة في اقناع الاطراف بوقف اطلاق النار في حين فشلت باريس وروما وبرلين ومن ورائها الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية.
السؤال الاهم كيف تجاوز الجنرال المتقاعد خليفة حفتر داعميه وحلفائه الأساسين خصوصا القاهرة التي استضافت رئيس البرلمان عقيلة صالح ليلقي خطابا في البرلمان المصري؛ وكيف تعاملت الجزائر وتونس مع دعوات الوقف اطلاق النار الروسية التركية.
وقف اطلاق النار وتراجع الدور المصري
رغم سرعة استجابة حكومة الوفاق في طرابلس وقف اطلاق النار على لسان العقيد محمد قنونو الناطق باسم الجيش التابع لحكومة الوفاق الا ان قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لم تستجب للمبادرة الروسية التركية بالسرعة ذاتها؛ اذ جاءت الالتزام بعد طلب تركي مباشر وعلى لسان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش اوغلو بان تلزم روسيا الجنرال حفتر وقف اطلاق النار بقوله: “ننتظر من أصدقائنا الروس إقناع حفتر وقف إطلاق”؛ تدخل روسي سرعان ما انصاع له الجنرال المتقاعد ليعلن اللواء احمد المسماري الناطق باسم قوات الجنرال حفتر التزام قواته بوقف اطلاق النار”.
التحركات الروسية والتركية اكدت قوة وفاعلية الدور الروسي والتركي في ضبط المشهد في الساحة الليبية ليتجاوز ادوار القوى الاوروبية الفاعلة وعلى راسها باريس وبرلين وروما والقوى الاقليمية وعلى راسها القاهرة؛ فرغم الممانعة المصرية التي عبر عنها من خلال استضافت القاهرة لرئيس البرلمان الليبي في عقيلة صالح المقيم في طبرق ليلقي كلمة في البرلمان المصري معلنا فيها رفضه وقف اطلاق النار وامكانية طلبه تدخل الجيش المصري في الصراع الليبي؛ الا ان الممانعة المصرية لم تمنع الجنرال حفتر من تجاوز حليفة عقيلة صلاح والاعلان عن الالتزام بوقف اطلاق النار.
المناورة المصرية لم تقف عائق امام روسيا وتركيا لوقف اطلاق النار والدفع نحو انعقاد مؤتمر برلين؛ فموسكو وانقرة قطعا اشواطا طويلة وتحول البلدان الى الفاعل الاهم في ليبيا الى حد كبير يشبه بفاعليته مؤتمر استانا الذي قدم مسارا موازيا ومتكاملا مع مسار جنيف لحل الازمة السورية.
تحركات تركية روسية
فاعليه بات بالإمكان ملاحظتها من خلال مراقبة الاتصالات الكثيفة بين انقرة وموسكو لوقف اطلاق النار والدفع نحو انعقاد مؤتمر برلين؛ فالمستشارة الالمانية باتت تعتمد بشكل لافت على الرئيس بوتين والرئيس أردوغان لإقناع الاطراف الاساسية المشاركة في مؤتمر برلين لمناقشة الازمة الليبية .
اتصالات لم تقتصر على المستشارة ميركل التي التقت الرئيس بوتين في موسكو وتواصلت مع الرئيس أردوغان في انقرة بل امتدت نحو رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي الذي اتصل هاتفيا مع الرئيس بوتين لمناقشة الملف الليبي الى جانب مسؤول ملف السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي .
تأثير موسكو وانقرة برز بشكل واضح من خلال النشاط الملحوظ لانقرة شمال افريقيا اذ التقى الرئيس التركي الرئيس الجزائري تبون والرئيس التونسي سعيد في الايام القليلة الماضية من شهر كانون ثاني الحالي؛ واتبع ذلك مولود اوغلو وزير الخارجية بزيارة الى العاصمة الجزائر تحركات ونشاط دبلوماسي عكسه تبني الجزائر وتونس لدعوات وقف اطلاق النار خلافا للقاهرة التي باتت وحيدة وبفاعلية محدودة لم تتجاوز الاستعانة بعقيلة صالح من خلال القاء خطاب في البرلمان المصري.
ختاما: من الواضح ان موسكو وانقرة تؤثران في اكثر من 80 % من ملفات الصراع الليبي ورغم اعتراف فلاديمير بوتين بوجود مرتزقة روس في ليبيا الانه قال انهم لا يمثلون الموقف الروسي من الصراع؛ رسالة تحمل مغزى كبير دفع حفتر للقبول بوقف اطلاق النار ودفع القاهرة الى محاولة الاستثمار بالوقت الضائع بالإعلان على لسان عقيلة صلاح امكانية ارسال قوات الى ليبيا للتعويض عن دورها المتراجع والذي عكسه قبول حفتر بوقف اطلاق النار؛ فالقاهرة تسعى الى استعادة مكانتها المتراجعة نتيجة التقارب الروسي التركي.