انتهت معركة “سيف القدس” بتسجيل أكبر وأوضح هزيمة في تاريخ الاحتلال الاسرائيلي، إذ لم يسبق أن مني المشروع الصهيوني بمثل هذه الانتكاسة منذ العام 1948. وخلاصة المعركة أن اسرائيل تراجعت ولم تحقق أياً من أهدافها بينما نجحت المقاومة من مكانها في غزة بحماية المسجد الأقصى والمرابطين فيه وصد اعتداءات الاحتلال.
ثمة مشهد فلسطيني جديد كلياً، وثمة معادلة مختلفة تماماً عن السابق في الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال، فقد أصبحت القدس ولأول مرة تحت وصاية فصائل المقاومة وبات المسجد الأقصى في حمايتها، ولم يعد قطاع غزة معزولاً عن محيطه الفلسطيني بل أصبح يتولى مهمة حماية الكل الفلسطيني.
ما حدث أن اسرائيل استنزفت طوال الـ11 يوماً من حربها على غزة كل ما لديها من وسائل وإمكانات من أجل الوصول الى شبكات الأنفاق أو مخازن الأسلحة أو توجيه ضربة كبيرة لحركة حماس، لكنها فشلت ومنيت بخسائر أكبر بكثير من تلك التي تكبدها الفلسطينيون، فقد اندلعت انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية بما فيها داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وهذه تحدث لأول مرة، وانتفض الرأي العام العالمي ضد الاحتلال، وفي المقابل تبين أن الاحتلال ليس لديه أية أهداف في غزة ولم يتمكن من الوصول الى أحد سوى الى النساء والأطفال والمدنيين الأبرياء ومبانٍ تستخدمها وسائل الاعلام.
تنتهي هذه المعركة والمسجد الأقصى لا يزال مغلقاً أمام المستوطنين الاسرائيليين وأمام قوات الاحتلال، بينما أدى فيه الفلسطينيون صلاتهم واحتفلوا بانتصاراتهم وصمودهم، وهو ما يعني أن الحرب وضعت أوزارها على هذه المعادلة الجديدة التي تُفيد بأن الاعتداء على المصلين في الأقصى سيأتي الرد عليه من غزة.. ولأول مرة فانه كما أن السلاح الاسرائيلي يطال كل الفلسطينيين فصواريخ الفصائل كذلك باتت قادرة على الوصول الى كل التجمعات الاسرائيلية.. إنها معادلة جديدة بامتياز ولم يسبق أن حدثت منذ العام 1948.
أما النتيجة الثانية المهمة التي انتهت اليها معركة “سيف القدس” فهي أنها وحدت كل الفلسطينيين، وأنهت الانقسام الداخلي عملياً، وهذا لا ينطبق على الضفة والقطاع وحدهما، بل وحدت من هم داخل الخط الأخضر بمن هم خارجه، وجمعت كلمة اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، وأعادت القضية الفلسطينية الى واجهة الاهتمام العربي، وهذا فشل استراتيجي كبير لمشروع الاحتلال الذي يقوم على تقسيم المنطقة وتفتيت الفلسطينيين، وبدأ بزرع بذور الانقسام بينهم وبين محيطهم العربي أولاً، ثم الانقسام الداخلي ثانياً، سواء بين الفصائل أو بين الضفة والقطاع.
النتيجة الثالثة المهمة لهذه المعركة هو أن السلطة الفلسطينية غابت وتبخرت وأثبت الفلسطينيون -خاصة في الضفة الغربية- أن من الممكن تجاوزها، وأنها ليست قدراً محتوماً للحيلولة دون الاشتباك مع الاحتلال، وما المطلوب من القيادة الفلسطينية سوى إعادة ترميم منظمة التحرير وحركة فتح والعودة للالتحام مع الشارع، وعدم التمترس وراء “سلطة تحت الاحتلال” قامت على أساس “التنسيق الأمني”.
ثمة الكثير من النتائج والانجازات لهذه المعركة، والمهم الان هو البناء عليها والتعامل مع المشهد الفلسطيني الجديد على أساسها.