في منطقة عبدون غرب عمان، استقبلتنا عائلة الشهيد الأردني جمعة الطحلة أبو مجاهد بالفخر والفرح الممزوج بألم الفراق، يتقبلون التهاني بشهادة والدهم، فـ”الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون” كما تقول زوجته، ورغم مرور أكثر من 10 أيام على استشهاده فما زالت الوفود تُقدم لعائلته التهاني.
وتقول الزوجة أم مجاهد للجزيرة نت “عاش حياته مولعا بالجهاد والمجاهدين”، وتضيف أن زوجها شارك في شبابه في الحرب بعد اجتياح إسرائيل لبنان عام 1982، لينتقل بعدها للمشاركة مع المجاهدين العرب في حرب أفغانستان حتى عام 1989، وصولا للتصنيع العسكري والأمن السيبراني والحرب الإلكترونية في كتائب القسام.
تعود أصول الطحلة (59 عاما) لمدينة الرملة الساحلية التي تم تهجير عائلته منها عام 1948، فعاش حياته لاجئا بالأردن، وبقي متمسكا بحقه في العودة لأرض آبائه، حتى لقي الله شهيدا في معركة “سيف القدس” في آخر يوم من أيام شهر رمضان المبارك.
تعرض الطحلة -وفق زوجته التي رافقته في غزة لسنوات- لعدة محاولات اغتيال من قوات الاحتلال، حيث كان حتى استشهاده المسؤول عن جهاز الأمن السيبراني والتطوير الإلكتروني في الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
حرب اجتياح لبنان
ولد الشهيد الطحلة عام 1962، ودرس الهندسة في الجامعة الأردنية، ويقول مجاهد ابن الشهيد للجزيرة نت إن والده “نشأ في مدرسة الإخوان المسلمين، وتربى على يد القادة يوسف العظم وعبد الله عزام ومحمد أبو فارس، وتعلم منهم حب الجهاد والاستشهاد، وزاد من تعلقه بالجهاد تأثره بقصص والديه حول النكبة واللجوء، واستشهاد شقيقه الأكبر في ستينيات القرن الماضي بعد انضمامه للثورة الفلسطينية”.
وتابع “أول معركة شارك بها كانت في التصدي للاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982، حيث شارك مع المقاتلين هناك واكتسب من المشاركة في المواجهات خبرات قتالية في مواجهة العدو، ومعرفة باستخدام الأسلحة المتنوعة”.
دفعه حبه للجهاد -وفق زوجته- للسفر إلى باكستان عام 1983 للمشاركة مع المجاهدين العرب في حرب أفغانستان بقيادة الشهيد عبد الله عزام، وبقي هناك عدة سنوات ليعود بعدها للأردن، ويتخصص في مجال البناء لعدة سنوات، وانتقل بعدها للعمل في دولة الإمارات وأسس شركة للمقاولات هناك.
التصنيع العسكري
في عام 2005، عاد الطحلة للجهاد تاركا شركته وأعماله، ولكن هذه المرة في التصنيع العسكري -حسب أم مجاهد- وسافر إلى سوريا للمشاركة في تطوير أسلحة كتائب عز الدين القسام وأساليبها القتالية.
وتتابع “طلبت قيادة حركة حماس في سوريا منه العمل في قسم التصنيع العسكري للحركة في دمشق، فقرر ترك عمله بالإمارات والمغادرة إلى هناك في 2005 للعمل في مجالات التصميم والتصنيع والبرامج الإلكترونية وغيرها.
استمر في العمل هناك عدة سنوات -حسب أم مجاهد- وفي عام 2009 طلبت منه قيادة الحركة السفر إلى قطاع غزة، وفي طريقه إلى هناك اعتقله الأمن المصري وأودعه سجن أبو زعبل، قبل أن يخرج من السجن بعد سقوط نظام مبارك عام 2011 إثر “ثورة يناير”.
تمكّن الطحلة من إكمال طريقه نحو قطاع غزة ليستقر هناك، “ويبدأ مرحلة جديدة من الجهاد”، وفقا لزوجته أم مجاهد.
الأمن السيبراني
استقر الطحلة في غزة منذ عام 2011، واستكمل هناك مشواره في الأمن السيبراني والتصنيع العسكري.
يقول ابنه فارس “عمل والدي في تصنيع وتطوير الصواريخ وقوتها التدميرية، وتصنيع طائرات الاستطلاع والمراقبة، وصولا إلى تطوير البرامج المتعلقة بالحرب الإلكترونية والأمن السيبراني والتطوير العلمي في كتائب القسام”.
شاركته عائلته السكن مدة من الزمن في قطاع غزة، وتقول زوجته “حضرنا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، وتم استهداف البيت الذي كنا نسكنه بصاروخ دخل لغرفة النوم لكنه لم ينفجر، وكنا نتنقل بسيارات يتم استهدافها بعد مغادرتنا منها”.
أم مجاهد ومحطات زوجها الشهيد
رافقت أم مجاهد زوجها لباكستان خلال مشاركته مع المجاهدين العرب في الحرب بأفغانستان، وشغل الطحلة منصب رئيس مكتب خدمات المجاهدين العرب في باكستان، وبقي هناك حتى عام 1992.
كما رافقته عندما انتقل لدمشق للمشاركة في تطوير قدرات كتائب القسام، كما رافقته في رحلته إلى قطاع غزة لوقت من الزمن، وحضرت معه حرب 2014، وكانت شاهدة على محاولة لاغتياله.
تتكون عائلة الشهيد الطحلة -إضافة إلى زوجته- من 4 أولاد وبنت واحدة، وتقول إنها تلقت نبأ استشهاده بـ”الفخر والفرح المخلوط بالحزن على فراقه وعدم وداعه والمشاركة في تشييع جنازته”، وفقا لابنه فارس، الذي يضيف “ومما يخفف عني ألم الفراق، أنه والمقاتلين معه استطاعوا زلزلة أمن الكيان الصهيوني، ودك المستوطنات على بعد 250 كيلومترا، من شمال فلسطين وحتى جنوبها، فقد استطاعت المقاومة مواجهة هذا الكيان الغاصب وجيشه الهش، في حين تعجز دول عن مواجهته”.
وخلال مهرجان نظمته الحركة الإسلامية الجمعة الماضي في منطقة الأغوار الحدودية مع فلسطين، احتفالا بانتصار المقاومة، كرّم المنظمون عائلة الشهيد جمعة الطحلة.