د. علي العتوم
دروس مسجدية (للتربية والتوجيه)(207)
قال تعالى: (يُرِيدونَ ليُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأفْواهِهِمْ, واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولو كَرِهَ الكافِرُونَ * هُوَ الذي أرْسَلَ رسولَهُ بالهُدَى ودِينِ الحَقِّ ليُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّه, ولو كَرِهَ المُشرِكونَ).
الصف 61/ 8 , 9.
تعليقات:
1. التعريف:
نور الله: هو الإسلام العظيم وكتابه الكريم, والرسول صلى الله عليه وسلم نورٌ وكُلُّ هذه الأنوار, من نور الله جلّ وعلا الذي يقول عن نفسه تقدّست أسماؤُه: (اللهُ نورُ السماواتِ والأرضِ, مَثَلُ نورِهِ كمِشْكاةٍ فيها مصباحٌ, المصباحُ في زجاجةٍ, الزجاجةُ كأنّها كوكبٌ دُرِّيٌّ, يوقَدُ من شجرةٍ مبارَكةٍ, زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ, يكادُ زيتُها يُضيءُ ولو لم تمسَسْهُ نارٌ, نورٌ على نورٍ يهدِي اللهُ لنورِهِ مَنْ يشاءُ, ويضربُ اللهُ الأمثالَ للنّاسِ, واللهُ بكُلِّ شيءٍ عليم).
2. المعاني:
يريدون: يسعون جاهدين. نور الله: دينُه وهدْيُه. أفواههم: أفمامهم. مُتِمُّ نوره: ناشِرُه ومُبلِّغُه الآفاقَ. الهُدَى: الحنيفية السَّمْحة. ليُظهره على الدين كُلِّه: ليجعله متفوِّقاً على كُلِّ الأديان في الأرض جميعاً.
3. ما يستفاد من الآيتَيْن:
أ. سعيُ الكفّار الحثيث للقضاء على الإسلام بأيّة وسيلة وبأيِّ أسلوبٍ, يتألَّبون عليه من كُلِّ حدبٍ وصَوْبٍ, ويتكالبونَ على فَرْسِه واقتسامه بكُلِّ وسلةٍ, وسيُنفقونَ في سبيلِ ذلك الأموالَ الطائلة ويستعملونَ لحربه أفتكَ الأسلحة وأقواها, ولا يدّخرونَ في سبيل الوصول إلى هذه الغاية وُسْعاً.
ب. إنَّ محاولات أعداء الإسلام للقضاء عليه محاولاتٌ سخيفةٌ ومُضحكةٌ من ناحيةٍ وخائبةٌ ومُخفقةٌ من ناحية ثانية, لأنّها كمَنْ يُحاوِل أنْ يُطفِئَ الشمسَ بنفخةٍ من فِيهِ, أو يكسِرَ الصخرة بضربةٍ من يده, أو يُعكِّرَ البحرَ برميِ حصاةٍ فيه!!
ج. كَتَبَ اللهُ جلَّ وعلا نصرَ هذا الدين وغَلَبَتَه على كُلِّ أعدائه, وظهوره على كُلِّ ما عداه من أديانٍ, ولو كره أعداؤُه الكافرون, أو سَخِطَ مناوِئُوه المشركون, وصدق الله العظيم: (كَتَبَ اللهُ لأغلِبَنَّ أنا ورُسُلِي, إنَّ اللهَ قويٌّ عزيزٌ), وصدق رسوله الكريم: (واللهِ لَيُتِمَنَّ اللهُ هذا الدِّينَ حتَّى تسيرَ الظَّعِينةُ من صنعاءَ إلى حضرموت لا تخشى على نفسِها إلاّ اللهَ والذِّئبَ).
د. أثبتَتِ الأيام أنّ كُلَّ محاولات دول الغرب والشرق الصليبي والملحد, والماسوني الصهيوني في معارك مادية بالأسلحة الفتّاكة أو معارك معنوية في التشكيك بهذا الدين العظيم, باءَت بالفشل والخذلان. وصدق الله العظيم: (إنَّ الذينَ يُنفقونَ أموالهم ليَصُدُّوا عن سبيلِ الله, فسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تكونُ عليهم حسرةً ثُمَّ يُغلَبونَ, والذينَ كَفرُوا إلى جهنَّمَ يُحشرونَ * لِيَمِيزَ اللهُ الخبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ويجعلِ الخبيثَ بعضه على بعض, فيركُمَه جميعاً فيجعلَه في جهنَّم أولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ).
ه. قد سبقَ هذه الآية أختٌ لها في سورة التوبة بالمعنى نفسه والألفاظ ذاتها تقريباً, وهي قوله تعالى: (يُرِيدونَ أنْ يُطفِئُوا نورَ اللهِ بأفواهِهِمْ, ويأبَى اللهُ إلاّ أنْ يُتِمَّ نورَهُ, ولو كَرِهَ الكافِرونَ * هُوَ الذي أرسلَ رسولَهُ بالهُدَى ودينِ الحَقِّ ليُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّه, ولو كَرِهَ المُشرِكونَ).
و. من صفات العلم المُفيد أنّه نور, لأنّه يهدي المرءَ إلى الخيرِ ويدلُّه على الطريق المستقيم ليصِلَ إلى غايته بنُجْحٍ وسلامةٍ, ومن أهمِّ أنواع هذا العلم معرفةُ الله عزّوجلّ بأسمائه وصفاته وتنزيهه وتقديسه وهذه لا يُحصِّلها إلاّ كُلُّ مؤمنٍ متَّبعٍ لأوامر الله بعيدٍ عن عصيانه ومخالفة أمره, وفي هذا قال الشافعي يحكي عن نفسه لشيخه وكيع بن الجرّاح, بقوله:
شكوتُ إلى وَكيعٍ سُوءَ حِفْظِي
فأرشَدَنِي إلى تَرْكِ المعاصِي
وعلَّمَنِي بأنَّ العِلْمَ نُورٌ
ونُورُ اللهِ لا يُهدَى لعاصِي