الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد؛ فعقيدتُنا التي لا شكَّ فيها أن المقاديرَ تجري بأمر الله، ونحن نردِّدُ دائما ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
ولهذا فمع اهتمامنا بالعمل والحشد وتنظيم الفعاليات، وحسن إدارة الأمور، واتخاذ كل الأسباب المادية للنصر؛ فإنَّ يقينَنا الذي لا يَهْتَزُّ أنَّ الأمرَ بيد الله وحده، ولهذا نلجأُ إليه بالدعاء لِرَفْعِ البلاءِ وكشْفِ الضُّرِّ واستنزالِ النصر، فالدعاءُ سلاحٌ من أمْضَى الأسلحةِ التي يغفَلُ عنها الظالمون، بل هُم يستهزِئون بها
إنْ مسَّنا الضُّرُّ أو ضاقتْ بنا الحِيَلُ فلَنْ يخيبَ لنا في ربّنا أملُ
اللهُ في كُلِّ خَطْبٍ حَسْبُنا وكَفَى إليه نرفعُ شَكْوَانا ونَبْتَهِلُ
ومع يقين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوعد الله في نصره للمسلمين في بدرٍ فإنَّه اجتهد في الدعاء وبالغ فيه، حتى أشفق عليه أبو بكر رضي الله عنه، وما أحوَجَنا إلى تطبيقِ هذه السُّنَّةِ النبويَّةِ الكريمةِ وصِدْقِ اللُّجُوءِ إلى الله لكَشْفِ الغُمَّة عن الأمة، ودفْعِ الضُّرِّ عنها، وإسقاطِ الظلمِ والظالمين، خصوصا في هذا الشهر الكريم، ومن الملفت للنظر أن الآية التي تتحدث عن قرب الله تعالى وإجابته للداعي جاءت في سياق آيات الصوم، وهي قوله تعالى ﴿وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
وعلينا أن نتحرَّى أفضلَ أوقاتِ الإجابة، وهي: أدبار الصلوات، وبخاصَّةٍ صلاة الفجر وصلاة العصر، قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وعند الإفطار، وفي جوفِ الليل، وفي الأسحار قبل الفجر، وعقب قراءة القرآن، وفي السجود.
وعلينا أن ندعو بقلوبٍ للهِ خاشعةٍ، ونفوسٍ في رحمةِ الله طامعةٍ وبنصره واثقة: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ» .
وثمة أسباب متعددة لقبول الدعاء في هذه الأيام:
منها: جلال الشهر الكريم وإقبال الله تعالى فيه على العباد الذين يقبلون عليه بالعبادة والقرآن والذكر والقيام بقلوب خاشعة غير غافلة ولا لاهية.
ومنها: الصيام، فالصائم مستجاب الدعوة حتى يفطر، وله عند فطره دعوة لا ترد.
ومنها: العدوان على مساجد الله بمنع صلاة القيام والذكر في بعضها، وذلك من أكبر الظلم فقد قال تعالى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
ومنها: الظلم الكبير الواقع علينا وعلى الأمة من الانقلابيين الذين صارتْ قلوبُهم كالحجارةِ أو أشدَّ قسوةً.
ودعوةُ المظلوم–وبخاصةٍ عند الإفطار وفي جوفِ اللَّيْل- مستجابة، حتى لو كان فاجرا، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”، وقَالَ أيضًا: “دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ”، فالإجابةُ لدعوتِه؛ لأنه مظلومٌ، لا لشخصِه، فكيف إذا كان المظلومُ من أهلِ التَّقْوَى والخيرِ والإصلاحِ؟! فكيفَ إذا كان المظلومُ يتيمًا قُتِل أبوه أو أمُّه أو ابنُه أو ابنتُه أو أخوه أو أختُه أو زوجُه أو عائلُه، بغير حقٍّ؟ فكيف إذا حُبِست أمُّ اليتيمِ المظلومةُ بعدَ استشهادِ أبيهِ علَى يَدِ الظَّلَمَة؟! إنَّ دعوةَ هذا المظلومِ تُفْتَحُ لها أبوابُ السماءِ، وتصعدُ إلى اللهِ بأسرعَ من البرق، ويتعهد الله تعالى بإجابتها، فقد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي؛ لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ”.
ولا يتغير صدرك لما قد تراه تأخيرا في إجابة الدعاء، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ” ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.
ما علينا نحن المظلومين ونحنُ نقوم بثورتِنا الرائعةِ وفعالياتِنا السلميةِ المبدِعةِ إلا أن نستمِدَّ النصرَ بالدُّعاءِ والابتهالِ والتضرُّعِ بين يدي الله أن يُعجِّل نصرَنا، وأن يَخْذلَ ظالِمَنا.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، والعِزَّةِ الَّتِي لا تُضَام، عَلَيْكَ بِالظَّالِمِينَ الانْقِلَابِيِّينَ، وبِمَنْ حَمَى لَهُمْ ظَهْرًا، وبِمَنْ أَطَاعَ لَهُمْ فِي البَاطِلِ أَمْرًا، وبِمَنْ سَوَّغَ لَهُمْ مُنْكَرًا، وبمنْ أَمَدَّهُمْ في غَيِّهِمْ، وبمنْ أَعَانَهم على ظُلْمِهِمْ، وعَلَيْكَ بِمَنْ قَتَلَ الأبْرِيَاءَ بغَيْرِ حَقٍّ، وبِمَن اعتَقَلَ الشُّرَفَاءَ بغَيْرِ حَقٍّ، وبِمَنْ آذَى الْمُسْلِمينَ والسِّلْمِيِّينَ بغَيْرِ حَقٍّ، اللَّهُمَّ لَا تَهْدِ لَهُمْ كيْدًا فإنَّهُمْ خَائِنُون، ولَا تُصْلِحْ لَهُمْ عَمَلًا فإنَّهُم مُفْسِدُون، ولَا تُحَقِّقْ لَهُمْ رَغْبَةً ولَا أَمَلًا فإنَّهُم ظَالِمُون، وحُلْ بَيْنَهُمْ وبيْنَ ما يشْتَهُون وما يُرِيدُون، وَلا تزِدْهُمْ يَا رَبَّنَا إلا سُقُوطًا وفَشَلًا فإنَّهُمْ مُبْطِلُون، ولَا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ هَدَفًا ولَا غَايَةً، وأَخْزِهِمْ واجْعَلْهُمْ للنَّاسِ عِبْرَةً وآيَة.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، اكْشِفْ عَنَّا الْغُمَّةَ، واجْمَعْ لَنَا الْكَلِمَة، وَأّتِمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَة، وعَجِّلْ لَنَا النَّصْرَ علَى الظَّالِمِينَ، وَخُذْ بِثَأْرِنَا ممَّنْ ظَلَمَنَا، وأَرِنَا فيهم ثَأْرَنا، وأَقِرَّ بِذَلكَ عُيُونَنا، وخُذْ بِثَأْرِ الشُّهَدَاءِ والْمُصَابِينَ، واقْطَعْ دَابِرَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ، وخُذْ بِثَأْرِ الأَرَامِلِ والثَّكَالَى واليَتَامَى مِمَّنْ قَتَلَ أوْ أَمَرَ بِقَتْلِ أَوْ حَرَّضَ عَلَى قَتْلِ ذَوِيهِمْ بغَيْرِ حَقٍّ، واحْفَظْ بِلَادَنَا آمِنَةً مُطْمِئَّنَة يا رَبَّ العَالَمِين، وافتَحْ بَيْنَنَا وبيْنَ الانْقِلابِيِّينَ بالحَقِّ وأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِين.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، مَنْ ضَيَّقَ عَلَى عِبَادِكَ، ومَنَعَ مَسَاجِدَكَ أنْ يُصَلَّى فِيهَا القِيَامُ ويُذْكَرَ فِيهَا اسمُكَ فامْلَأْ قُلُوبَهُمْ خَوْفًا، وامْلَأْ نفُوسَهُم فَزَعًا، وضَيِّقْ علَيْهمُ الأَرْضُ بما رَحُبَتْ، وضَيِّقْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُم، وأَذِقْهُم فِي الدُّنْيَا الخِزْيَ والْهَوَان، وعَجِّلْ لَهُم الفَشَلَ والخُسْرَان، واجْعَلْهُمْ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَار.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، ابْسُطْ رَحْمَتَكَ علَى الشُّرَفاءِ والحَرَائِرِ المحبُوسِين ظُلْمًا وعَجِّلْ فَرَجَهُم، وأَحْسِنْ خَلَاصَهُم، وَوَسِّعْ رِزْقَهُم، وَزِدْ إِيمَانَهُمْ وَعَظِّمْ يقِينَهُم، واقطَعْ كُلَّ يَدٍ تَمْتَدُّ بالسُّوءِ إلَيْهِمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ مَنْصُورِين، وانتقِمْ ممَّنْ ظلمَهم، ومِنْ قُضَاةِ السُّوءِ الذينَ حبسُوهُم بغيرِ حقٍّ، يا ربَّ العالمين.