جو ليهي وستيفانيا بالما من بانكوك فاينانشل تايمز
عندما دخل مهاتير محمد أكبر رئيس حكومة في العالم عمرا إلى الغرفة التي يحيط بها حراس الأمن، كانت خطواته واسعة كما لو كان شابا.
في عمر 94 عاما، ما يزال رئيس الوزراء الماليزي الذي كان يعرف بأنه رجل قوي
مثير للجدل خلال فترة ولايته الأولى في المنصب عام 1981 إلى عام 2003 ما
يزال سياسيا بارعا.
ومن بين أساليب مهاتير التي يعرف بها هي إبقاء منافسيه حائرين، ولا سيما أنور إبراهيم نائبه السابق الذي هو الآن حليفه في الائتلاف.
بعد أن قلب الثنائي التوقعات وفاز في الانتخابات العام الماضي وعد مهاتير
بتسليم السلطة إلى أنور بعد “عام أو عامين”. لكنه الآن يسحب كلمته بشأن
التوقيت.
ويخشى بعض المحللين من أن ما يحدث الآن ما هو إلا الجولة الثانية من صراع
التسعينيات، عندما تم سجن أنور بتهمة الشذوذ بعد أن هدد حكم مهاتير.
قال مهاتير لـ”فاينانشيال تايمز” في مقابلة أجريت معه في بانكوك، حيث كان
يحضر مؤتمرا تجاريا إقليميا: “لم يرد ذكر تاريخ أو وقت فعلي. ما ذكرته في
ذلك الوقت عندما عينوني (…) هو أني (…) لن أشغل المنصب بشكل دائم، وهذا
يعني أنني لن أنهي فترة كاملة”.
تكرار الصراع الملحمي سيكون كارثيا بالنسبة لماليزيا في الوقت الذي تحاول
فيه التعافي من فضيحة صندوق الاستثمار الحكومي 1MDB التي اشتملت على 4.5
مليارات دولار، وتعد أكبر عملية احتيال في تاريخ البلاد.
تحالفهما السياسي اليوم له أهمية أكبر نظرا إلى تاريخهما الصعب. كان أنور
نائبا لرئيس الوزراء مهاتير، ووليا للعهد عام 1998 عندما تم اعتقاله وضربه
من قبل قائد شرطة البلاد، ووضع في الحبس الانفرادي. لكن في نهاية المطاف تم
إسقاط التهمة الموجهة إليه، لكن الجدل الذي خلفه ذلك إلى استبعاد أنور من
السياسة لمدة عقد من الزمان.
الآن يحذر محللون من أن احتمال بقاء مهاتير في السلطة فترة أطول من المتوقع
سيزيد المخاطر السياسية. بيتر مومفورد، من “يوريشيا جروب”Eurasia Group،
قال: “هذا يحدث حالة من عدم اليقين السياسي على مدار العامين المقبلين سواء
من حيث موعد تسليم مهاتير للسلطة أو الشخص الذي سيسلمها له، فضلا عن خطر
أن يضطر مهاتير إلى التنحي قبل أن يتم ترتيب الخلافة، ما قد يحدث وضعا
سياسيا فوضويا”.
حقق مهاتير واحدة من أعظم حالات العودة إلى عالم السياسة العام الماضي، بعد
أن انشق عن المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة، الحزب الحاكم السابق الذي
قاد ماليزيا لمدة 61 عاما، وأعاد تصوير نفسه مصلحا.
جنبا إلى جنب مع أنور، أطاح بنجيب رزاق رئيس الوزراء آنذاك وأحد المخلصين
للمنظمة الوطنية الماليزية المتحدة الذي تورط في فضيحة 1MDB.
ووعد التحالف الجديد، المسمى “كاتان هارابان”، أو تحالف الأمل، بإنهاء
الفساد واستعادة النمو الاقتصادي المرتفع الذي حول ماليزيا إلى “نمر آسيوي”
خلال ولاية مهاتير الأولى.
أخبر مهاتير “فاينانشيال تايمز” أنه سيظل في منصب رئيس الوزراء إلى أن يحل
المشكلات التي تواجهها البلاد. ومن بينها استرداد المليارات التي خسرتها
بسبب فضيحة 1MDB، وإيجاد جو لو الممول الهارب الذي يقال إنه من خطط عملية
الاحتيال ومحاكمته، وتطهير الخدمة العامة من الفساد.
وهو يسعى إلى الحصول على تعويض قدره 7.5 مليارات دولار من “جولدمان ساكس”
الذي ساعد 1MDB على جمع أموال تقول ماليزيا ووزارة العدل الأمريكية إنها
سرقت لاحقا.
ذكر مهاتير أن الاتفاق بشأن تسليم السلطة إلى أنور ما زال قائما، مستبعدا
تكهنات بأنه يفضل مرشحين آخرين، مثل ابنه، أو محمد عزمين علي، وزير الشؤون
الاقتصادية.
قال: “ارتكبت عديدا من الأخطاء في تعيين خلفائي، لذا لا أريد ارتكاب خطأ آخر هذه المرة”.
وأعرب عن خيبة أمله في عبدالله أحمد بدوي خليفته المباشر الذي تولى السلطة
عام 2003، وكذلك نجيب، وكلاهما صعد تحت إشرافه. قال: “المرء يشعر بالقلق
الشديد من مجرد ترك البلاد لخلفائه”.
من جانبه، قلل أنور من أي تلميح إلى صراع على القيادة. قال للصحافيين الأسبوع الماضي: “لا أعتقد أن هذه مشكلة”.
الخلافة ليست هي المجال الوحيد الذي غير فيه مهاتير الاتجاه السائد منذ
توليه السلطة. عندما حصل على المنصب في العام الماضي، تحدث بلهجة قوية مع
بكين على عكس حكومة نجيب التي تماشت مع مشاريع البنية التحتية الصينية
باهظة الثمن.
على وجه الخصوص، حذر مهاتير من “نسخة جديدة من الاستعمار”، ودعا إلى إعادة
التفاوض حول “المعاهدات غير المتكافئة”، مثل مشروع السكك الحديدية الذي
تدعمه الصين “إيست كوست ريل لينك”.
لكن موقفه من الصين، الشريك التجاري الأكبر لماليزيا والمصدر الحيوي
للاستثمار الأجنبي المباشر، خفت حدته بعد أن وافقت بكين هذا العام على خفض
تكلفة مشروع السكك الحديدية بمقدار النصف تقريبا، من نحو 81 مليار رينجيت
ماليزي (19.6 مليار دولار). وقالت وزارة المالية الماليزية إن هذه هي
التكلفة الحقيقية للمشروع.
قد تكون أبرز علامة على تحسن العلاقات الصينية الماليزية هي عدم رغبة
مهاتير الذي يعد نفسه مدافعا عن المسلمين في إدانة سجن بكين لما يقدر
بمليون شخص من الإيجور في شينجيانج.
قال إن محنة الروهينجيا، أقلية مسلمة طردت من ميانمار بعد حملة عسكرية،
كانت “مشكلة أكبر بكثير من الإيجور”، مضيفا أن الإيجور “على الأقل ما زالوا
في البلد الذي ولدوا وترعرعوا فيه”.
لكن مهاتير أقل تحفظا حين يتعلق الأمر بانتقاد الغرب. عندما يتحول الحديث
إلى صعود الشعبوية والانحطاط الغربي، فإن بعضا من الرجل القوي الكبير
السابق يعود. قال: “لقد توقعت ذلك -صعود الشعبوية- لأن القيم الأخلاقية
تتدهور في الغرب”.