كتب: الشيخ محمد الغزالي
نظرت يوما إلى نفر يقيمون في أحد الفنادق، وخُيّل إليّ من ملامحهم أنهم أجانب، ولكني عرفت بعد زمن ليس بقصير أن هذا مسلم، وهذا كاثولیکي، وهذا شیوعي، ما يوجد شيء يميز أحدهم عن الآخر، ولو بقوا سنين ما عرفت إلى أين ينتمون؟
•إن الشيوعي يتعصب لزملائه في شتى القارات، ويتحدث عن الألوهية بسوء، ومن هنا عرفت نزعته.
•والنصراني يحترم يوم الأحد ويشرب الخمر ويرقص في عيد الميلاد المسيحي، وبذلك عرفت هويته.
•أما المسلم المزعوم فحيوان مستأنس يشارك هذا وذاك، ويحيا وسط ضباب فکري محيط، ولا يعي عن محمد شيئا. كيف يحسب هذا المخلوق من المسلمين؟
وهناك ألوف مؤلفة ولدت في وصاية الاستعمار وسيطرته المادية والأدبية، ومائلة مع توجيهاته القانونية والخلقية والسياسية والاقتصادية. ربما ربطها بالإسلام أنها تسمع القرآن يتلى.. ربما دخلت المساجد يوما أو حينا بعد حين..! ربما وصل إليها من عظة عابرة أن الإسلام عقيدة وشريعة، بيد أنها اكتفت بما سمعت، ورأت تجميد هذه المعلومات، لأن هناك ما هو أهم! هناك البحث عن المستقبل، عن العمل الرابح، عن الاستقرار الاجتماعي والمكانة المرموقة وحسب.
أذلك يحسب من جمهور المسلمين، ویزید به عددهم كما يحسب في عداد اليهود ذلك الأمريكي الذي جاء من «سان فرانسيسكو» مهاجرا إلى فلسطين، ملبيا نداء العقيدة حتى بلغ مدينة «الخليل» وهناك نزل مقاتلاً العرب ليقيم بين ظهرانيهم مستعمرة تضمه وإخوانه الوافدين!!.
•نريد أن نعرف من له دين ينتسب إليه حقا، ويحامي عنه في الضائقات، ومن فرض عليه وصف لا يقدره قدره.
وحاشايا أن أكفر مسلما أو أفسق مخلصا، ولكنه الحساب الذي لا بد منه أمام هجوم متتابع لا يغني في رده الادعاء ولا يسد ثغراته الكذب..
كان الفرار من الزحف كبيرة تعاقب بالموت، فكيف الحال إذا وجد من يفلسف فراره ويمجد عاره؟ أنترك هذه الفوضى لتأتي على ديننا وأمتنا من القواعد؟
أريد في تلك السطور أن أبين من هو المسلم؟
•المسلم الذي ينطق الشهادتين يعلن بهذا النطق أنه يعرف الله، ويحيا على ضوء تلك المعرفة. لو قال لك شخص: إنه يعرف الكهرباء ثم مد يده إلى سلك مكشوف مشحون بالتيار فهلك، أكان صادقا حين قال إنه يعرف الكهرباء؟!
كذلك المسلم الذي يعلن أنه مؤمن بالله، إن كان صادق الإيمان لم يجز له أن يخشی الناس ولا يخشى الله، وأن يدعو الناس ويرجوهم، ولا يدعو الله ويرجوه.
إن للإسلام أخلاقا لا يمكن أن تنفك عن المسلم، إنها تصبغ سريرته، وتحد مسيرته، وتجعله يتوكل على الله، ويفوض إليه أمره، ويتعلق برفده، ويوجل من غضبه، ويتشبث بحبله، ويثق بما عنده، ويحب ويبغض فيه، ويعطى من أجله ويمنع، ويخاصم ويسالم.
وإن لمعرفة الله آثارا حاسمة في الأخلاق والأعمال، وفي هذه الأيام التي يتعرض الإسلام فيها للموت، لا نقبل عالما يتملق الظلمة بالفتوى الضالة، ولا مداهنا يبيع دينه بعرض من الدنيا، ولا خائنا يسوغ الهزيمة قبولا للأمر الواقع، ولا أنانيا تهمه نفسه ولاتهمه أمته.