بين حين وآخر، يعود الإسرائيليون للحديث عما يصفونها بـ”خطيئة” الانسحاب من قطاع غزة، لأن الفصائل الفلسطينية المسلحة استفادت منه أيما استفادة، باعتبار أن الانسحاب شكَّل توازنًا من الرعب لصالح المقاومة الفلسطينية، وزاد من تكثيفها العسكري، وفشل كليًّا في تحقيق الأهداف المرسومة له.
اليوم وبعد مرور 15 سنة على هذا القرار، لا يتردد الإسرائيليون في الاعتراف بأن رئيس حكومتهم حينها آريئيل شارون كان مخطئًا، حين اعتقد أن القرار سيسهم في تحسين واقعهم الأمني، بعد ظنه بأن الانسحاب سيفيدهم سياسيًّا واقتصاديًّا وديموغرافيًّا وأمنيًّا، ويخفف احتكاكهم مع الفلسطينيين، ويعفيهم من المسؤولية التي أنيطت بهم للاعتناء بهم.
رغم انقضاء هذه المدة الزمنية الطويلة على انسحاب غزة، فلا يزال الجدل الإسرائيلي على حاله بشأن مدى ضرورة هذه خطوة، أو اعتبارها خطأ جسيمًا، لكن القاسم المشترك بين الرأيين أن الهجمات الفلسطينية الصعبة كانفجار الدبابات بعبوات كبيرة، التي قُتل فيها الجنود، أمثلة على ذلك، وبقيت “كارثة المدرعة” صورتها محفورة في الوعي الإسرائيلي، حين انتشرت أشلاء الجنود بكل مكان نتيجة كثافة الانفجار.
الصورة التي ظهر فيها الجنود الإسرائيليون يركعون، ويبحثون عن أجزاء من أجساد رفاقهم تحت نيران المسلحين الفلسطينيين، تركت أثرًا كبيرًا على الجمهور الإسرائيلي، رغم أنه من الناحية السياسية كان يفترض أن يؤدي فك الارتباط إلى تحسين الوضع السياسي لـ”إسرائيل” أمام المجتمع الدولي، وكسر الجمود السياسي الذي عاشته في ذلك الوقت، دون جدوى.
العكس هو ما حصل فعلًا، فقد جلبت الحروب الثلاث الأخيرة على غزة 2008، 2012، 2014 ضغوطًا دولية شديدة على (إسرائيل)، وتسبب تقرير غولدستون بأضرار سياسية كبيرة لها، لأنه اتهمها بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في القطاع.
على الصعيد العسكري، فقد أدى الانسحاب من غزة إلى واقع أمني إسرائيلي معقد، فقد كثفت الفصائل الفلسطينية تسلحها، وتحولت إلى “جيش مسلح”، وبنت لنفسها كيانًا سياديًّا ومستقلًا يُشكل مصدر قلق مزمن لـ(إسرائيل).
إن حقيقة عدم سيطرة (إسرائيل) على القطاع، قابله استخدام حماس له لتعزيز جيشها، فقبل تنفيذ الخطة، اعتقدت (إسرائيل) أنها ستسيطر بالكامل على المجال الجوي لغزة، وتراقب كل شيء على الأرض، وتصل إلى وضع مثالي تكون فيه غزة منزوعة السلاح، وحينها نظرت للتهديد الصاروخي على أنه ضئيل وهامشي، لأنها تسببت حينها بأضرار طفيفة، وتسببت بعدد قليل من الضحايا.
الخلاصة اليوم، أن (إسرائيل)، التي تحاول تلخيص الواقع الأمني والعسكري القائم في غزة بعد 15 عامًا على الانسحاب منها، عن طريق القول إن حماس نجحت في خلق نوع من الردع المتبادل بمواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفي النهاية فإنها لم تحقق أهداف خطتها من فك الارتباط، بل إنها ربما خسرت المناطق التي انسحبت منها في غزة!