تعليقًا على المقال التحليلي المنشور في مجلة نيو إنجلاند للطب (the New England Journal of Medicine (NEJM حول فاعلية عقار رامدزفير (remdesivir) لعلاج مرضى “كوفيد- 19″، نشر الموقع الرسمي لشركة جلعاد للعلوم (Gilead Sciences) رسالة مفتوحة للمدير التنفيذي للشركة دانيال أوداي Daniel O’Day تحدث فيه عن حقيقة النتائج المتعلقة بتجارب شركته لعقار “إيبولا رامدزفير” على مرضى “كوفيد- 19”.
الرسالة أفصحت عن إجراء شركة جلعاد تجارب للدواء على 53 مريضًا، استجاب أغلبهم للعلاج في 7 ايام، وبعضهم في 5 ايام فقط، كما أعلن “أوداي” عن تجارب جديدة تجريها الشركة، وتنتظر نتائجها نهاية ابريل نيسان الحالي.
الرسالة المشار اليها نُشرت في 10 نيسان ابريل الحالي، إلا أنها لم تؤثر في أسهم الشركة التي قفزت يوم امس الجمعة 17 نيسان ابريل الى 15% من قيمتها؛ فما الذي استدعى هذه القفزة الكبيرة؟ إنه اعلان مستشفى شيكاغو عن نجاح العقار المخصص لمرضى فايروس “إيبولا” في علاج 123 من المرضى الشديدي الاصابة من اصل 125 أجريت التجارب عليهم.
التاريخ المعلن يتوافق تقريبًا مع التوقيت الذي اشار اليه المدير التنفيذي دانيال اوداي في نهاية شهر نيسان، أي بعد 7 ايام من رسالته المفتوحة التوضيحية لما ورد في مجلة “نيوانجلاند”؛ فالنتائج تسربت سريعا الى اسواق الاسهم، وتحولت الى نقود ودولارات؛ نظرًا لحالة الترقب والتحفز الكبيرة للمستثمرين من جراء نتائج التجارب التي كشف عنها المدير التنفيذي.
ما كشفه المدير التنفيذي -والذي يمكن الاطلاع عليه من الرابط الآتي: (https://www.gilead.com/stories/articles/an-open-letter-from-our-chairman-and-ceo-april-10)- في رسالته كان مذهلًا؛ ذلك أن العلاج قُدم إلى الحكومة الصينية في اوائل فبراير شباط الماضي لتجربته على مرضى شديدي الاصابة، وآخرين متوسطي الإصابة، وهو حصيلة دراستين منفصلتين؛ حيث البحوث كانت نشطة، والنتائج واعدة، وخصوصًا ان الدراسات التي بدأت في الصين تبعتها خمس دراسات أخرى في اكثر من مكان في العالم؛ ما يعني ان التجارب قطعت شوطا طويلا وواعدا.
لكنَّ المفارقة الأولى تجلت في توقف الصين عن تقديم المعلومات عن العلاج؛ بحجة أن الاصابات الشديدة تراجعت، ولم يعد لديها مرضى لتجري عليهم التجارب -بحسب المدير التنفيذي- فالعالم مليء بالصراعات المولدة للمفارقات. صراعاتٌ لم يمنع الشركة من التعاون مع الصين، وسط اعتراض الحكومة الامريكية لتغييبها عن المشهد.
وفي موازاة المواجهة الاعلامية بين امريكا والصين منعت الحكومة الصينية من نشر المعلومات حول مصدر المرض والدراسات المتعلقة بذلك، رغم استثمار الحكومة الامريكية ما يقارب 3 ملايين دولار مع المختبر الصيني المشهور في ووهان، لتتبع المرض ومصدره؛ فالتعاون في تراجع وتثاقل كبير، ويسوده الشك وانعدام الثقة والنوايا السيئة المخفية.
فالصين تخشى من فخ سياسي وقانوي يستثمر في نتائج الدراسات المتعلقة بالمصدر لتضاف الى الشكوك المتعلقة بإخفائها معلومات عن الوباء وتباطؤها في التعامل مع المرض. مخاوفُ تصاعدت بعد رفع دعاوى قضائية من الممكن ان تعيق النشاط التجاري الصيني في امريكا واوروبا كحد ادنى؛ فوباء “كورونا” مَهَّد الطريق لصراع سياسي وقانوني وتجاري واسع بين القوى الاقتصادية أداته الفعالة ستكون “كورونا”.
رغم كل المعيقات والصراعات، أعلنت شركة جلعاد توسيع دائرة نشاطها لتشمل اكثر من 150 دولة ومؤسسة لتجربة العلاج على المستوى العالمي في اوروبا وامريكا، وانها على ابواب فتح كبير سينهي على الارجح المخاوف حول مواجهة موجة شديدة من الوباء الخريف المقبل، بيد أن الخطر الحقيقي الخريف المقبل لم يعد الوباء بل الصراعات السياسية والتجارية المتولدة عن الوباء، وطريقة التعامل معه.
“كوفيد- 19” أطلق سلسلة من المفارقات المتتابعة حول أداء شركات الادوية والحكومات والمنظومة الدولية؛ مفارقاتٌ ستشعل ازمات وصراعات دولية تعكس انعدام التعاون وغياب الثقة والنوايا السيئة. أزماتٌ لها ارتدادات قوية على العلاقات الدولية، خصوصًا بين الصين وامريكا والقوى الاقتصادية الكبرى.
فالتباطؤ في إجراءات الحجر والتهوين من خطورة الفايروس، واتباع “سياسة القطيع”، تطرح تساؤلًا كبيرًا عن جدوى التضحية بآلاف الضحايا الذين كان بالإمكان إنقاذهم؛ من خلال إبطاء انتشار الوباء. معركةٌ سيواجهها ترمب وجونسون -على الارجح- في الوقت ذاته الذي ستندلع فيها مواجهة أوسع على المستوى العالمي حول المسؤولية الاخلاقية التي تتحملها الصين والقوى الكبرى في ادارة الازمة، لتطلق حربًا تجارية أوسع من سابقتها، قوامها العقوبات وليس الرسوم والتعرفات الجمركية فقط.