في عام ١٩٢٢ اعتدى الهندوس على مسجد بابري وهدمه، واليوم تقوم حكومتهم المتطرفة بقيادة “مودي” الهندوسي بوضع حجر الأساس لبناء معبد وثني على أنقاض المسجد؛ فأين استنكار الغرب والإعلام العربي وبيزنطيين العرب الذين تباكوا على إعادة آيا صوفيا لمسجد لم نسمع لهم ركزا!
عملية تجريد مسجد “آيا صوفيا” من صبغته الإسلامية قبل قرابة 100 عام، كانت حدثًا ذا رمزية للعالم الإسلامي بأسره لا للشعب التركي فقط، ولم يكن ممكنًا لأي شخص يهتم باستقلالية وكرامة المسلمين أن يقبل هذا التصرف الذي عُدَّ غير ملائم بالنسبة لصرح مثل آيا صوفيا، كما تُعدّ عملية تحويل آيا صوفيا إلى متحف في ذلك الوقت، مرتبطة بالأوضاع التي كان العالم الإسلامي يمر بها مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
بعض المسلمين يرون أن إقامة معبد هندوسي على أنقاض مسجد بابري بالهند أُخذ بالقوة أمر عادي، أما أرجاع آيا صوفيا إلى وضعه السابق كمسجد فهذه جريمه لا تغتفر، ومن الممكن تفهم ردود الفعل من أوروبا والمسيحيين، إذ إن هذا الحدث بالنسبة لهم حتى إن كان جزءًا من الماضي، فإنه على الصعيد النفسي يحيي لديهم الشعور بالهزيمة؛ لكن من غير الممكن تفهّم بعض ما نشرته وسائل إعلام الثورات المضادة خاصة الإمارات ومصر والسعودية.
الإمارات الهندوسية..!
في الحقيقة تنافس الإمارات تركيا في فتح بيوت العبادات، على غرار فتح مسجد آيا صوفيا لصلاة المسلمين في تركيا، تقوم الإمارات بفتح كنيس دبي لصلاة اليهود، وهي أول دار عبادة يهودية في جزيرة العرب، تأتي بعد فتح أول معبد للهندوس فيها، لا بأس ولكن لماذا الإمارات تحارب المساجد، على عكس تركيا؟
من المؤسف جدًا أن تكون وسائل الإعلام في هذه البلدان منقطعة عن شعوبها، التي تفاعلت بكل حماس وفرح مع هذا الحدث، وعبّرت وسائل الإعلام في بلاد الثورات المضادة عن حزنها بعد إعادة فتح مسجد آيا صوفيا، وتعمّدت تسييس المسألة والزج باسم أردوغان.
إلا أن الأمر اختلف عندما تجاهلت دول الثورات المضادة العربية إعلان الحكومة الهندوسية المتطرفة تحويل مسجد “بابري” التاريخي العتيق إلى معبد هندوسي، وبين الخامس من أغسطس 2019، الذي مثّل محطّة فاصلة في مسيرة صعود حزب مودي، “بهاراتيا جاناتا” أو حزب الشعب، والذكرى الأولى لضمّ إقليم كشمير، أحداث ستحفر عميقًا في ذاكرة مَن عايشوها مِن أهله.
أبَى رئيس الورزءار الهندوسي المتطرف “ناريندا مودي” إلّا أن يضيف إلى الذكرى نكهةً خاصة؛ فأطلق ورشة بناء معبدٍ هندوسي على أنقاض مسجد بابري الذي أدّى تدميره في عام 1992، إلى “بروفا” حربٍ أهلية راح ضحيّتها المئات.
ومع تشييد معبدٍ مخصّص لـ”رام” في موقع يرتدي طابعًا رمزيًا للتوتُّر الطائفي في مدينة أيوديا شمال البلاد، وتغيير وضع كشمير، يطلق رئيس الحكومة إشارتين قويّتين في شأن البناء الجاري لأمّة هندوسية شديدة التطرف في الهند.
وفي حفل نُقل عبر شاشات كبيرة في مدينة أيوديا شمالي الهند، وضع رئيس الحكومة نارندرا مودي حجر الأساس لمعبد هندوسي على أنقاض مسجد بابري في المدينة.
وبالتزامن مع الحفل الذي جرى أقيمت حواجز في مختلف أنحاء أيوديا وسط وجود كثيف للشرطة، واستهلّ رئيس الحكومة الكلمة التي ألقاها بعد وقت قصير من وضعه حجر الأساس بالقول إن الموقع “قد تحرر”، وإنه سيتم تشييد “صرح عظيم للإله رام” فيه، مضيفا أن “الإله رام” كان يقيم في خيمة في السنوات العشر الأخيرة!
مسجد بابري
من جهته يقول الدكتور علي القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: ” رئيس الوزراء الهندي وضع حجر الأساس لتحويل مسجد بابري الذي ظل مسجدًا للمسلمين حوالي ٤٠٠ سنة إلى معبد هندوسي دون أي ضجيج أو إدانة! وعندما تم إعادة متحف آيا صوفيا إلى جامع حيث كان مسجدًا لأكثر من خمسة قرون تعالت الإدانات والتهديدات حتى من بعض المسلمين! حسبنا الله ونعم الوكيل!”.
ومنذ إعلان قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة فتح آيا صوفيا للصلاة كمسجد، بعدما قضى قرار قضائي بعدم قانونية تحويله إلى متحف، تتزايد التحليلات والتفسيرات لمبررات القرار ومدى قانونية هذه الخطوة، التي كان أبرزها مقولة أن السلطان محمد الفاتح اشترى آيا صوفيا من ماله الخاص عقب فتح إسطنبول، واعتبار ذلك مبررًا لإعادة الكنيسة التاريخية إلى مسجد.
وقال الرئيس التركي رجب أردوغان لا شك أنه من حق تركيا تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد بشكل يوافق ما جاء في سند الوقف، وعرض سند وقفية السلطان محمد الفاتح، مؤكدا أن “كل ما تضمه هذه الوقفية أساسٌ لنا”، ولفت النظر إلى أن هناك أكثر من 453 كنيسة في تركيا.
واعتبر الرئيس التركي فتح إسطنبول وتحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد من بين أنصع صفحات التاريخ التركي؛ فبعد حصار طويل يدخل السلطان محمد الفاتح مدينة إسطنبول فاتحا في 29 مايو 1453، ويتوجه مباشرة إلى آيا صوفيا. وعندها ساور السكان البيزنطيون الخوف والقلق بانتظار مصيرهم داخل آيا صوفيا، لكن الفاتح أعطاهم الأمان على حياتهم وحرياتهم.
صمت القبور
أما على الجهة الأخرى وبينما تصمت سعودية بن سلمان وإماراتية بن زايد وعصابة السفيه السيسي، أدانت باكستان بناء معبد هندوسي على أنقاض مسجد “بابري” التاريخي في الهند الذي يعود إلى القرن السادس عشر.
وقالت الخارجية الباكستانية إن بناء المعبد الذي شارك رئيس الوزراء الهندي في مراسم وضع حجر الأساس له “سيبقى وصمة عار على جبين الديمقراطية الهندية”، وأشارت إلى أن تزايد الاعتداءات ضد الأقليات وفي مقدمتهم المسلمون وأماكن عبادتهم، كشف عن مفهوم الأغلبية السائد.
وأضافت: “ستدرك الأجيال القادمة من المسلمين أن هذا المعبد غير القانوني، أنشأه حزب الشعب الهندي بتوجيه من القومية الهندوسية، لصبغ كامل الهند بصبغة هندوسية”.
وأكد البيان أن بناء المعبد بات رمزًا للضغط المتزايد ضد المسلمين في عهد مودي وحزبه.
وفي 6 ديسمبر 1992، هدم متشددون هندوس مسجد “بابري” التاريخي في مدينة “فايز أباد”، بولاية أتربرديش الهندية، المبني في القرن السادس عشر، من قبل الإمبراطور المغولي “ظهير الدين بابر” مؤسس الإمبراطورية المغولية في الهند، ويعتبر أكبر مساجد الولاية.
وفي نوفمبر 2019، قضت المحكمة العليا في الهند بمنح ملكية موقع مسجد “بابري” للهندوس، وتخصيص مكان آخر لبناء مسجد للمسلمين، على الرغم من أن جميع أعمال التنقيب الأثرية في موقع المسجد أظهرت تاريخه الإسلامي.