قال الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة (حماس) خالد مشعل، إن الأمّة في حالة معركة وتدافع، وهذا دليل عافية وقوة وأنها حية؛ “أنا أقاوم إذن أنا حي”، مشدداً على أن الأعداء يعرفون أن الأمة العربية والإسلامية أمة عظيمة، لذلك لا يريدونها أمّة رائدة أو شريكة، وزرعوا فيها العدو الصهيوني، وحاولوا حرمانها من التنمية والديموقراطية والتقنية.
وأكد مشعل، في حوار مباشر “مع الشباب حول القضايا الراهنة”، نظمه الملتقى العلمي للشباب، عبر منصة الزوم الإلكترونية، اليوم السبت 22/8/2020، على أن التعليم جزء من إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، سواء داخل فلسطين أم خارجها، وأن الشباب هم أمل الأمة، وتُعقد عليهم الأمال والرهان، لتحقيق النصر والمنعة، وأن الأمة ستنجح في معركة مواجهة التطبيع، فالتطبيع ما زال محدوداً، وفي نخب معزولة، لافتاً النظر إلى أن الخطوة الإماراتية لم تكن مفاجئة، بل سبقتها خطوات تطبيعية، وهناك دول لديها التوجه ذاته.
وشدد مشعل على أننا ضدّ التطبيع بالمبدأ، وضد العلاقة مع “إسرائيل” من أي دولة كانت، صديقة أم غير صديقة، وأننا نميز ونفرق بين علاقة وأخرى من جهة دوافع ذلك، وبين من يدعم القضية الفلسطينية، وبين من يتنكر للقضية.
وفي تعامل حركة حماس مع بعض الدول، ومنهم إيران، شدد مشعل على أننا أصحاب قضية، وأمام محتل متفوق علينا، عندما نأخذ دعماً من أية دولة، لا يعني أننا متوافقون معها في كل شيء، مدحنا لها هو مدح لما تقدمه لنا في معركتنا مع الاحتلال، وليس مدحاً لما تفعله في أي بلد.
وفي التعامل مع قضايا الأمة، رأى مشعل أنه من المهم التركيز على الفهم، بناء الفهم، بناء الرؤية لأنها الأساس. فالأمة عانت من الاستعمار، والهجمات الاستعمارية، والأمة كانت في حالة تخلف، وعاشت مرحلة صعبة، ولكنها عبرتها. ضحت كثيراً، تخلصت من الاستعمار بكل أشكاله، وبدأت معركة النهضة، وبدأت الأمة تعود إلى ذاتها، إلى ماضيها، لتستحضر منه عوامل القوة والأصالة، وتنطلق بإبداع وتجديد وعصرنة ومعاصرة أصيلة.
وبالمقابل، أشار مشعل إلى أن القوى الاستعمارية أرادت إبقاء الأمة في حالة نزيف، فزرعت فيها الكيان الصهيوني، لتحقيق مطامعها الاستعمارية، وخدمة للمشروع الصهيوني. فأعداء الأمة لا يريدونها أمة رائدة أو شريكة، يريدونها أمة تابعة لها، مدركين أنها تملك مقومات النهوض، وبشكل خاص أنها تمتلك موقعاً استراتيجياً، وتمتلك ثروات طبيعية كبيرة، أرادوا لها أن تبقى محرومة من كل عوامل التقدم، والحرية، والديموقراطية، وحرمانها من الاستفادة من ثرواتها. ورأى أن المشكلة ليست فيما اخترناه في مسارات الخير والإصلاح، بل المشكلة في التحديات الداخلية والخارجية، ولا بدّ من تقييم الأداء وإدارة المعارك، لكن لا نخطّئ المسار.
وذكر القيادي في حماس أن لدى الأمة مشاكل ذاتية، لديها خلافات، وفروق في الاجتهاد، وأنماط فكرية وسياسية متعددة، ونشأت كيانات وأنظمة وحكام وتيارات وأحزاب ونخب تريد كسر الآخر، ولا تقبل الآخر، تريد لهذه الأمة أن تبقى رهناً لتطلعاتها الذاتية، فمن يحكم يستأثر بالحكم، وبالثروات، وبمقدرات شعبه؛ فنشأ الاستبداد السياسي، والفساد في كل أشكاله؛ السياسي والاقتصادي والثقافي. وأغرقوا الأمة بالخلافات الدموية، ومنعوا كل محاولات التغيير والنهضة، وليس آخرها ما حدث في الربيع العربي، مشدداً على أن القوى الخارجية معنية ببقاء الخلافات، وأنها لن تسمح لقوى التغيير بالنجاح.
ونتيجة لذلك، برأي مشعل، وجدت القوى الاستبدادية نفسها معنية بتحالفات، ولو كانت مع أعداء الأمة مثل الكيان الصهيوني، بحجج كثيرة، وبدأت بالتماهي مع الصهاينة والتخلي عن واجباتها تجاه قضية فلسطين، معلنة أن فلسطين لم تعد قضيتي. وشدد على أن فلسطين لا تشرف إلا برجالها الحقيقيين، أصحاب الرسالة والأمانة والقدرة، والذين يضحون.
وبحسب مشعل، كل هذه الأمور جاءت فرصة للصهاينة، وكل من والاهم، وإدارة ترامب الأمريكية، التي تُعدّ الأكثر صهيونية في تاريخ الإدارات الأمريكية، لتصفية القضية الفلسطينية، وفرض حلّ من خلال “صفقة القرن”، وتقدم “إسرائيل” على أنها جزء من الحل، وليست هي المشكلة، وليست هي العدو، وإنما هي حليف لبعض الدول في معاركها المصطنعة. ولفت مشعل النظر إلى أنهم أرادوا التضحية بفلسطين من أجل أجنداته، مشدداً على أن “فلسطين ليست بنكاً لكي يحلوا مشاكلهم على حسابها”.
وذكر أن مستغلي الثروات حاولوا إبقاء المنطقة في أزماتها، وفي مشاكلها، دون حلول، لتيئيس الناس وقتل آمالهم. مشدداً على أن أعداء الأمة لا يحتملون أن تكون هناك نماذج ناجحة، يُقتدى بها، تكون عوناً للشعوب وللشباب والنخب والمصلحين. فلا تفوق بالسلاح التقليدي أو التكنولوجي أو النووي إلا للكيان الصهيوني، ولا أحد يلعب دوراً مؤثراً إلا “إسرائيل”، حتى تشعر الأمة بالعجز وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً.
وأمام كل هذه التحديات تساءل مشعل عن ما هو المطلوب منا، وما هي الاتجاهات المطلوبة ومسارها؟ فعددها قائلاً:
1. معركة الوعي والفكر والمفاهيم، وهي الأساس، وهي غاية في الأهمية، حيث يجب ضرب المصطلحات والمفاهيم التي يُراد ترويجها، ولا ينبغي أن نقع بمستنقع العرقية أو الطائفية.
2. رسم الرؤية الكلية، تكون معارك الأمة ضمن رؤية كاملة، تصبّ في كل مساراتها ضمن هذه الرؤية، والتي تُبنى من خلال الوعي، وحُسن التشخيص.
3. تقديم نماذج ناجحة في كل معاركنا المختلفة، فلا نخوض معاركنا دون جاهزية، أو استعداد، لأن التجارب الفاشة تحبط، وتجعل الناس في حالة من التردد، والإحجام.
وفي السياق نفسه، أكد القيادي الفلسطيني على أن صمود الشعب الفلسطيني، ونجاح مقاومته، والإجماع الفلسطيني على رفض “صفقة القرن”، وقرار الضمّ، والتطبيع، هي عناصر قوة، ستقودنا إلى التحرير والنهضة، وبشكل خاص إذا ما تمّ تقديم الدعم لها من الجهات الرسمية والحزبية والنخبوية في العالمين العربي والإسلامي.
ووجه مشعل نداءً للشباب على أن لا يتخلوا عن روح المبادرة والإيجابية، وأن يكونوا على قدر الرهان، الأمل المعقود عليهم، فصفة الإقدام هي صفة الشباب. وشدد على أن الأمة بشبابها تستطيع أن تفعل الكثير، مع عقل نير، والثقة بالله، والثقة بالنفس، والارتباط بالأمة والفكر والمنهج، والغيرة على الأمة وأهدافها الكبرى، مذكراً الشباب بالرسالة التي من أجلها وجدوا، وبأهمية أن يكون لكل واحد منا بصمته.
وفي حديث عن دور الشباب في التعامل مع الفضاء الإلكتروني، أشاد مشعل بدورهم في معركة مناهضة التطبيع إلكترونياً، حيث كان جيداً وأصيلاً، ويصدر عن وعي وإصرار، مؤكداً أن الفضاء الإلكتروني مهم، وإبداعات الشباب مفرحة، لكن لا بدّ من إنزال ذلك على الأرض، في الميادين كافة.
وفي الختام تقدم مشعل بالشكر من القائمين على الملتقى العلمي للشباب، بعد أن أتاحوا له الفرصة لحوار مباشر مع “الشباب حول القضايا الراهنة”، وشكر هيئة علماء فلسطين في الخارج، والشباب المشاركين في اللقاء.