في حين تنشغل القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية بقضية «كورونا» على نحو أكثر تشدّداً من الدول الأخرى (عقدة الدولة قبل تحرير الأرض هي أصل المصائب!)؛ فإن سؤال القضية الأساسية للشعب الفلسطيني يتأخر قليلاً، لولا أن الصهاينة لا يسمحون بذلك بطريقتهم المتغطرسة التقليدية.
كان الوضع الطبيعي أن يكون الكيان الصهيوني هو الأكثر انشغالاً بـ «كورونا»، في ظل الأرقام الكبيرة؛ إذ نكتب هذه السطور بينما تجاوز عدد الإصابات 16 ألفاً، مع وفيات جاوزت المئتين.
لكن ذلك لم يحدث على النحو المتوقّع، وبقي الجانب السياسي والأمني هو المسيطر، ورأينا كيف لم يصل نتنياهو إلى اتفاق مع غانتس، قبل أن يوافق الأخير على سياسة الضمّ، ولم يكن هناك غير تأجيل القرار إلى تموز المقبل.
على أن المشهد في القيادة الفلسطينية شيء، ونظيره في المجتمع الفلسطيني شيء آخر، ذلك أن قضية «كورونا» لم تُخرج جوهر القضية من وعيه؛ هو الذي راقب المفاوضات بين القادة الصهاينة، في الوقت ذاته الذي قرأ المشهد بعناية وعلى حقيقته، ممثلاً في أن «كورونا» ليس سوى محطة عابرة، وأن عملية التصفية ستتواصل بدأب بعد ذلك.
ولأن الصهاينة لا يتركون الأمر للمفاجآت، ويراقبون المجتمع الفلسطيني، ولا يركنون فقط إلى القيادة التي تتعاون معهم، وإن لم توقف الخطابة ضدهم؛ فهم يواصلون مراقبة المجتمع الفلسطيني ومطاردة كل أشكال الحسّ المقاوم، مع أن السلطة وقيادتها لا تقصّر في ذلك؛ ليس مع حماس (العدو الأول)، بل حتى مع فصيل أصغر وأقل أهمية مثل الجبهة الشعبية التي اتهمت قيادتها السلطة بتصعيد التعاون مع الغزاة في كل ما يتعلّق بالجبهة وقيادتها وبرامجها.
في هذا السياق؛ قال الكاتب الصهيوني آوري بارزيل -وهو باحث في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا- في مقال له على موقع «زمن إسرائيل»: «إن المعطيات الفلسطينية الأخيرة المتوفرة لدى الدوائر الأمنية والسياسية الإسرائيلية تفيد بزيادة دعم العمل المسلّح ضد إسرائيل، وليس بإجراء مزيد من المفاوضات معها، ورفض الفلسطينيين بشكل حاسم صفقة القرن الأميركية، ورؤية غالبيتهم بأن الرد على الصفقة يكون عبر عمليات مسلّحة وانتفاضة ثالثة».
ورأى أن «تحدياً آخر يُضاف لتلك التحديات يتمثّل بالتراجع الراهن في الاقتصاد الفلسطيني؛ لأن 60% من واردات الفلسطينيين تأتي من إسرائيل، و83% من صادراتهم تذهب إليها».
واعتبر أن «مثل هذه الخطوة كفيلة بالقضاء على الاتفاقيات السياسية، فضلاً عن تدهور العلاقة مع الأردن. وكل ذلك من شأنه أن يُسفر عن اندلاع موجة أعمال مسلّحة فلسطينية، فضلاً عن ضرورة استعداد إسرائيل لسيناريو -ولو لم يكن قريباً- يتمثّل في أن تُلقي السلطة الفلسطينية بمفاتيح الأمور في الضفة الغربية إلى إسرائيل».
قد يبدو كلام الكاتب الصهيوني بمثابة تبشير ضمني بما نتحدّث عنه هنا دائماً، ممثلاً في أن الردّ الحقيقي على صفقة القرن ومتعلقاتها القادمة لا يمكن أن يتم إلا من خلال انتفاضة شاملة تهيل التراب على زمن طويل من التيه، بدأ مع القيادة الفلسطينية الحالية.
والحال أن تلويح قيادة السلطة بهذا الأمر لم يتوقّف مع كل خطوة كبيرة ينفّذها الاحتلال؛ من القدس إلى اللاجئين والاستيطان، وآخر ذلك تهديد عباس بوقف العمل بكل الاتفاقيات إذا تم تنفيذ وعد الضمّ الذي اتفق عليه نتنياهو مع غانتس، وهو التهديد الذي نسبه إلى قرارات «المجلسين المركزي والوطني ذات الصلة»، مع أنها قرارات سابقة على قضية الضم.
المصيبة التي نحن بصددها هي أن لا أحد يثق بتهديدات قيادة السلطة، ولا بوعودها، في الوقت ذاته الذي لا يتوافر ما يشير إلى حراك في «فتح» ضدها؛ إذ يردّد أغلب كوادرها المعزوفات ذاتها ضد «حماس» من أجل تجييش «القبيلة الحزبية» ضد عدو آخر غير الاحتلال.
الكارثة السياسية على القضية تتحرّك تباعاً أمام الأعين، لكن قيادة العجز والجبن في رام الله لا تفعل شيئاً؛ الأمر الذي يعني أن الأمل المتبقّي يتمثّل في انتفاضة يفرضها الشعب على قيادة عباس وتقلب الطاولة في وجه الجميع، أو يتدخّل القدر، وتتبلور في «فتح» والمنظمة والسلطة قيادة أخرى بنهج آخر.