على مدى 6 سنوات كاملة، تعرّض الرئيس المصري الراحل محمد مرسي داخل محبسه للعديد من الانتهاكات الجسدية والنفسية التي أفضت لوفاته يوم 17 حزيران/ يونيو 2019.
بعض تلك الانتهاكات كشف عنها “مرسي” قبل وفاته، وبعضها وثقته منظمات حقوقية دولية ومحلية، فضلا عمّا روته أسرته ومحاموه من معلومات عن تلك الظروف “القاسية” التي مر بها أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر.
قضى “مرسي” قرابة ست سنوات في حبس انفرادي سيّئ السمعة، يعود بذاكرة الإنسانية إلى “العصور الوسطى”، كما وصف سابقا حقوقيون ومعارضون.
وأدان تقرير المقرّرين الخواص في الأمم المتحدة طريقة احتجاز “مرسي” وبعض أفراد فريقه الرئاسي، واصفا الاعتقال بأنه تعسّفي.
“إخفاء قسري”
وفي أعقاب الانقلاب مباشرة في 3 تموز/ يوليو 2013، أخفى المجلس العسكري “مرسي” قسريا، وعيّن رئيسا مؤقتا للبلاد، ولم يُستدل على مكان احتجازه لمدة أربعة أشهر كاملة، دون أي زيارة أو معرفة مكانه، باستثناء زيارة منسّقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاترين أشتون، في 30 تموز/ يوليو 2013، مع جهود الوساطة الدولية، ولم تتعرف “أشتون” على مكان “مرسي” وظروف وملابسات اعتقاله، لكنها تحدثت عن تفاوض معه، وأنه في صحة جيدة.
وأدانت العديد من المنظمات الحقوقية الإخفاء القسري الذي تعرض له “مرسي” وعدد من أفراد فريقه الرئاسي لمدة أربعة أشهر متتالية.
“أول ظهور”
وكان أول ظهور لـ “مرسي” في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، خلال أول جلسة لمحاكمته في أكاديمية الشرطة بمدينة نصر بالقاهرة مُعلنا بإصرار أنه لا يزال رئيس مصر الشرعي، وذلك بعد أن تم إخفائه قسرا، دون عرضه على النيابة، ولا لقاء محاميه، في محاكمة وصفها حقوقيون بالمُسيّسة المخالفة للدستور الذي ينص على مثوله أمام محكمة خاصة. وقد رفض “مرسي” إجراءات المحاكمة، وطعن فيها ولائيا، بالمخالفة للمادة رقم 152 من الدستور المصري.
ومن بين الاتهامات الأولى التي تم توجيهها لـ “مرسي”، التحريض على العنف أمام قصر الاتحادية الرئاسي في منطقة مصر الجديدة في كانون الأول/ ديسمبر 2012.
ورغم وجود زيارات ومفاوضات، كانت تقوم بها وساطات دولية تعرض على “مرسي” الخروج سالما مقابل التنازل عن سلطته “الشرعية”، إلا أن مكان احتجازه ظل غير معروف في ظل منع الزيارة، حتى تم كشفه في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2014، حيث أذاعت قناة “مكملين” الفضائية تسريبات صوتية لمحادثات من داخل مكتب وزير الدفاع آنذاك، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، شملت محادثات لأبرز مساعديه، وهم: مدير مكتبه اللواء عباس كامل، والمستشار القانوني للمجلس العسكري اللواء ممدوح شاهين، وقائد القوات البحرية الفريق أسامة الجندي، ووزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، والنائب العام المتوفي المستشار هشام بركات.
وتضمّنت هذه التسريبات محادثات تتعلق بأن النائب العام السابق هشام بركات، أرسل إلى اللواء ممدوح شاهين اثنين من رؤساء النيابة (مصطفى خاطر، وإبراهيم صالح) هما مَن مثّلا الادّعاء في محاكمات “مرسي”.
وحقّقوا مع “مرسي” داخل قاعدة عسكرية، بالمخالفة لإجراءات محاكمة رؤساء الجمهورية المنصوص عليها في الدستور، وقانون المحاكمات القانونية.
وتناولت التسريبات اعترافا بـ “تلفيق وتزييف” مكان احتجازه، لجعله قانونيا من حيث الشكل.
كما تناولت -أيضا- أوامر من الجهة العسكرية، ببناء قفص زجاجي داخل المحكمة، يمنع صوت “مرسي”، بتوجيه مباشر للنائب العام، وتعاون واضح من القضاء.
وتناولت التسجيلات -كذلك- الحديث في تلفيق القضايا، وحيازة المكان الذي يتم إخفاء “مرسي” داخله.