مذكرات جولدا مائير (4)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : د. علي العتوم

أُفرِد هذا المقال من مذكرات جولدا مائير للحديث عن حربَيْ: 1956م، 1967م، وحيثياتهما والتعليق عليهما، إذ يبدو – كما تشير جولدا هنا وكما تُشير معلوماتٌ أُخرى – أنَّ حرب الخمسينيات كان دافِعَها بالنسبة لليهود غاراتُ الفدائيِّين على أطراف كيانهم الوليد وبالنسبة للآخرين: تأميم مصر لقناة السويس. تقول: لقد بدأتْ هذه الحرب مساء يوم 29 تشرين أول (وقدِ استغرق الأمرُ من قوات الدفاع الإسرائيلية مئةَ ساعةٍ لكي يعبروا ويستولوا من المصريين على قطاع غزّة وشبه جزيرة سيناء).
وتصفُ المرأةُ الطريقةَ التي تَمَّ بها  كَسْبُ الجولة على المصريين وتحطيمُ قواتهم بالاعتماد على المفاجأة، والسرعة الخاطفة، واستغلال الفوضى بين هذه القوات مُحطَّمةً في سينا وشرم الشيخ، وكذلك مخابئ الفدائيِّين في غزّة مُدمَّرةً، كما تصف منظر اللاجئين العرب في القطاع بشيءٍ من التهكُّم كبيرٍ على زعماءِ العرب وسياستِهم البائسة في التعامل مع قضية هؤلاء اللاجئين. أمّا في وصف الخُطّة في هذا الشأن، فتقول: (تَمَّ قطْعُ الاتصال بين الفِرَق المصرية الموجودة في الصحراء، ومن ثَمَّ تطهير مخابئ الفدائيِّين، وأصبحت مئات الآلاف من الأسلحة وملايين القطع من الذخيرة عديمةَ القيمة، وتَمَّ تحطيمُ ثُلث الجيش المصري، كذلك أَسَرْنا (50،000) جندي مصري، واستبدلناهم طبعاً بالأسير الإسرائيلي الوحيد الذي تمكّنَ منه المصريُّون)!!
وتُردِف وهي تَصِفُ الأماكن التي زارتْها في سيناء وغزّة وما يملؤُها من الزهو بانتصارهم على العرب والتندُّر على حُكامهم، فتقول: (وهنا رأيتُ المدفعية البحرية الجبّارة التي تسبَّبتْ في شلل ميناء إيلات، ثُمَّ طُفْتُ بقطاع غزّة الذي كان الفدائيُّون يشنُّون منه هجماتهم. وهناكَ رأيتُ اللاجئين العرب في حالةٍ مُؤسِفة من الفقر والحاجة، أولئكَ الذين أصرَّ القادةُ العربُ على إبقائهم في خيامهم وحياتهم المَهِينة لكي يجعلوا منهم قضيةً سياسيةً في حين كان الواجبُ إعادةُ توطينهم في أيٍّ من دول الشرق الأوسط. وهي دول يتكلّمون لغتها ويشتركون معها في التقاليد والدين، ثُمَّ يستمرُّ العربُ في شجارهم معنا)!!
قلتُ: ولْننظُرْ إلى ما في كلام هذه المرأة الحاقدة من رقاعةٍ، بل لُؤمٍ ووقاحةٍ وهي تقترح توطين العرب المُشرَّدين من ديارهم في أيٍّ من أقطار العرب الأُخرى، إذْ يشتركون مع أهلها في الجنس والمُعتَقَد والعادات، دون أنْ تُقِرَّ هي بالجرائم التي ارتكبَها اليهود ودول الغرب بحقِّ هؤلاء العرب الذين تسبَّبوا بطردهم من ديارهم الأصلية ظُلْماً وعُدواناً، مُتغافلةً عن حقِّهم الطبيعي في العودة إليها، ودونَ أنْ تعترف بشيءٍ من الحقيقة، فتقول لنفسها وبني جنسها أنْ يعودوا هم إلى البلاد التي خرجوا منها طَوْعاً لاغتصاب بلاد هؤلاء العرب بمساعدة المجتمع الدولي الظالم، وهم يشتركون مع أهل البلاد التي خرجوا منها – عامّةً – باللغة والجنس والمُعتَقَد والعادات!!
ومعلومٌ هنا أنَّ العُدوانَ الثلاثي هذا سنة 1956م بقيادة بريطانيا وفرنسا واليهود فَعَلَ الأفاعيل في مصر كما رأينا والمخفي أعظم، دون أنْ يَجِدَ المقاوَمَةَ الحقيقيّةَ من العساكر المصرية، كما أنَّ أهلَ هذا العدوان لم يخرجوا من مصر، إلاّ بطلب من القُطبَيْن الأعظمَيْن آنذاك: روسيا وأمريكا لمصالِحَ لهما في المنطقة، وبعدَ أنْ وافَقَ عبد الناصر حينئذٍ مقابلَ ذلك، على شرطَيْن قاتِلَيْن هما: فتح مضائق تيران لأول مرّة أمام الملاحة اليهودية، ووضع قوّات طوارئ دولية بينه وبين اليهود، مما كان لهما أثرٌ كبيرٌ في بعث حرب 1967م، وما نَتَجَ عنها من آثار مُدمِّرة للقوات العربية كافّةً.
أمّا الحرب التالية حرب حزيران 1967م، فتقول جولدا: إنَّ باعِثَها الأوَّلَ اتِّهامُ الروس فجأةً الإسرائيليِّين بحشد قواتهم على حدود سورية لمهاجمتها، وتصفُ هذا الاتّهام بالسُّخف، لأنَّ الأمم المتحدة كما تقول أكَّدتْ بعد التحقيق (أنّه لا يقومُ على أساسٍ)!!. وتُتابِعُ بأنَّ عبد الناصر تفاعل مع هذا الاتهام الذي أسماه ورطة سورية، وحَشَدَ قواتِه في سيناء، وأعلنتْ إذاعتُه بوضوح (أنَّ مصر بكُلِّ موارِدها مُستعدةٌ للدخول بحربٍ تكون فيها نهايةُ إسرائيل)!! وبناءً عليه كما تقول، طلبَ عبد الناصر انسحاب قوات الطوارئ الدولية من شرم الشيخ وقطاع غزة. وتستأنِفُ القولَ: إنَّ عبد الناصر قد أعلنَ للشعب المصري ولمجلس الأُمّة عنده، أنَّ الأمرَ ليس أمنَ العقبة (إيلات) أو قوات الطوارئ، إنّما (هو تدمير دولة إسرائيل والثأر لفلسطين نتيجة ما أصابها في حرب 1948م). وتُعلِّق على ذلك باقتناع اليهود (أنَّ الحرب المُرتَقَبَة هي الحرب النهائية للعرب ضدَّ إسرائيل، وكان عبد الناصر مُقتنعاً بأنّه سيربحها)!!
وتستمرُّ الكاتبة بالقول: لقد انضمَّ إلى عبد الناصر في هذه الحرب الملك حسين الذي وَقَفَ حائراً كما تقول بين خيارَيْن: أحدهما من إسرائيل بأنَّ جانبه لن يُمَسّ إذا لم يشترِك في الحرب وثانيهما من عبد الناصر (برسالةٍ وصلَتْ إليه صباحَ الحرب تُبلِّغُه أنَّ المصريِّين يقصفون تل أبيب في الوقت الذي لم يكنْ فيه لدى عبد الناصر قاذِفَة واحدة)!! وكذلك العراق الذي كما تقول (وَقَّعَ مع مصر اتفاقيّةً للدفاع المُشترَك قبل الحرب بيومٍ واحد)!! والبادي لذي عينَيْن هنا ودونما كبير تمعُّنٍ أو تأمُّل، أنَّ هذه الحرب مُفتعلةٌ من حيث أتى، إنْ لم تكن مؤامرةً من جانب الدول الكبرى، وخيانةً من جانب بعض زعماء العرب، إذْ كانت استجابةً لادّعاءاتٍ سوفييتية غيرمؤكّدة، ودونما أيِّ استعدادٍ بالمعنى الصحيح، فأينَ الاستعدادُ والعراقُ يعقِد اتفاقية دفاع مشترك مع مصر قبلَ يومٍ واحد من الحرب، والأردنّ يشترك فيها إثر وصول رسالة إليه من عبد الناصر صباح يوم الحرب، بأنّه سيقصف عاصمة اليهود بصواريخه، وهو كما تقول جولدا لم يكنْ لديه قاذفة واحدة، بينما كان اليهود في قمّة الاستعداد الذي تُسمِّيه مائير بالعبرية (كونينات)؟!
غيرَ أنَّ اللافت للنظر هنا كذلك، بل العجيب أنْ تُدافعَ جولدا عن مواقف عبد الناصر في هذه الحرب فتعدَّه مُحقّاً في إغلاق مضائق تيران وطَلَبِه رحيلَ قوّات الطوارئ من مواقعها، لأنّها كما تقول كانت أصلاً بموافقة مصر وأنَّ عبد الناصر – وقد سَكَتَ الغربُ عن تصرُّفاته، وأبدى الروسُ مساندته –: (لم يكن ملوماً عندما افترضَ أنْ قد وصلَ أخيراً إلى وضعٍ يُمكِّنه من توجيه ضربة قاضية إلى إسرائيل)!! وأنّه – كما تُضيف –: (لم يكن يتوقَّع فعلاً أنْ تستجيبَ الأُمم المتّحدة لأوامره بسحب قوّات الطوارئ بهذا الخنوع)!! قلتُ: صحيحٌ أنّ قوات الطوارئ والمرور من المضائق كانت بموافقة مصر، ولكنّهما كانا شرطَيْن لانسحاب قوى العدوان الثلاثي منها، وأنَّ سحبهما لا شكَّ له تداعياته الخطيرة، وخاصّةً إذا كانت مصر غير مستعدّة لمواجهتها. أمّا سكوت الغرب ومساندة الروس له، فلا تعنيان حتى مع إحسان الظنّ، إلاّ أنْ يكون فَخّاً نُصِبَ لوقوع الحرب والعرب غيرُ مستعدّين لها، وعندها تُرَجَّح المؤامرة قَصْدَ احتلال بقية فلسطين وغيرها من بلاد العرب. وأمّا استجابة الأُمم المتحدة الذي تسميه جولدا خنوعاً، فلعله من جنس الأمر الأول ويترجّح في رأيي المؤامرة، وبالتالي فما هذا التنويه بعبد الناصر والاعتذار عنه، إلاّ أنْ يقع في خانة الدفاع عن الأصدقاء!! وخاصّةً أنَّ في كلامها عنه تعارضاً يناقض اعتذارها عنه.

اكتب تعليقك على المقال :