لقد حرص الإمام البنا ومن بعد سائر المرشدين على الحديث في كل المناسبات الإسلامية وتوضيح المعاني الحية التي تنطوي عليها هذه المناسبات.
فقد كتب الإمام حسن البنا تحت عنوان (متى عيدنا) يقول:
(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
أما عيدنا الشرعى فهو عيد الفطر غرة شوال، بعد أن تتم فريضة الصوم التى هى ركن من أركان الدين، وحق من حقوق رب العالمين، وصدق الله العظيم (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
ولهذا العيد شعائر يجب أن نتعرفها ونعلنها، ونحافظ عليها ونقوم بها (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
فمن شعائره زكاة الفطر التى شرعها الإسلام برًا بالفقراء والمساكين، وتدعيمًا لروح التكافل الاجتماعي بين الأمة الواحدة بمناسبة هذا الموسم المبارك، وأنسب أوقاتها قبيل العيد وليلة العيد، وأفضلها شرعًا بعد صلاة الفجر من يوم العيد إلى الصلاة، ويجوز إخراج قيمتها نقودًا إذا كان ذلك أنفع للفقراء، والكيلة من الحبوب تجزئ عن أربعة أو ستة؛ فمن كان فى يسر فليأخذ بالأول وهو الأحفظ، ومن قدر عليه رزقه فليأخذ بالثانى، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، ويخرجها الإنسان عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم، وتجب على كل قادر عليها مستطيع لها، ومن تطوع خيرًا فهو خير له.
ومن شعائر العيد إحياء ليلته بذكر الله تبارك وتعالى، وشكره على ما وفق إليه من إتمام شهر الصوم، وتجديد التوبة، والاستعداد لما بعد رمضان بالعزم الأكيد على المحافظة على طاعة الله -تبارك وتعالى-، والبعد عن معصيته؛ فإن الله -تبارك وتعالى- باق لا يفنى، ولا يزول، ولا تغيره الأيام ولا الشهور، وهو المعبود المقصود فى كل آن؛ فعلينا أن نجدَّ فى طاعته فى غير رمضان، كما كنا نجدُّ فى رمضان.
ومن شعائره أن تؤدى صلاته فى وقتها، وأن يشترك المسلمون فى إحيائها وحضورها، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج النساء والفتيات وذوات الخدور إليها حتى الحائض منهن يشهدن الخير وجماعة المسلمين.
ومن شعائره بعد ذلك التزاور والتواد، ونسيان الشحناء والبغضاء والحزازات، وصلة الأرحام، وتفقد الأقارب، والإكثار من الصدقة على الضعفاء والأيتام.
ومن شعائره التحرز من معصية الله؛ فإن شكره -تبارك وتعالى- لا يكون بمعصية، ولكن يكون بطاعته، وما درج عليه الناس وخاصة الشباب من التحلل من القيود والانطلاق من حدود الفضيلة والخلق بدعوى أنه يوم عيد ليعوضوا ما فاتهم فى رمضان وسوسة شيطانية، وإغراء وفساد، والأولى بهم والأخلق أن ينصرفوا إلى الطاعة والشكر لا إلى العربدة والسكر، والقلوب بيد الله، ونسأله تعالى صلاح الحال.
ذلك عيدنا الشرعى نقوم بشعائره امتثالا لأمر الله، واحتسابًا لما عنده، وإحياء لشعائره، ولكن عيدنا الحقيقى ليس اليوم أيها المسلمون؛ فإن دعوتنا وبها حياة أرواحنا، وأرضنا وفيها صلاح أمرنا.. كل ذلك اليوم فى الميزان؛ فإن انتصرت دعوة الإسلام، وسادت غيرَها من الدعوات الفاسدة الطائشة الضالة المضلة التى لا حق فيها ولا خير، وتحررت أرضنا من براثن الغاصبين الظالمين المعتدين؛ فانتصرت إندونيسيا على الغاصبين، وتحررت الباكستان من الهندوسيين والبريطانيين، وتجمعت حرية العرب حول لواء القرآن المبين.
وقذفت بالصهيونية الغاشمة إلى الهاوية، واستكمل وادى النيل حريته واستقلاله ووحدته، وانجلب عن ليبيا شبح الإدارة البريطانية العسكرية، وأجليت فرنسا عن أفريقية الشمالية، وارتفعت الحواجز بين هذه الأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط؛ فحينئذ ننعم بالعيد الحقيقى إلى جوار العيد الشرعى، وسيكون إن شاء الله (وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ) [التوبة: 32].
والله أكبر ولله الحمد