من يترددون على وسط البلد عمان، ويعرفون شوارعها جيدا، ويحفظون تفاصيلها عن ظهر قلب، يحملون في جعبتها مئات القصص التي تصلح أن تسقط على أي مشهد سياسي.
لتقريب الصورة سأعطي مثلا، يقوم بائع، أي بائع، على رصيف في شارع طلال بين سوق اليمنية والجامع الحسيني غالبا، بحمل 15 كيس بلاستيك، داخل كل كيس قطعة ملابس مختلفة عن الأخرى، ينادي بأعلى صوته: الله يعوضك يا صاحب المال، 15 قطعة ملابس (أواعي) بدينار، ويبدأ في تعداد القطع وهي مغلفة: بنطلون، بلوزة، قميص، كمان بنطلون، بجامة.. يواصل التعداد.
ثم بكل قوة وثقة ينادي بأعلى صوته :”كل هذا المال على دينار.. مين قال أنا؟
يقف أمامه ثلاثة أشخاص متباعدين ومتجهمين، يرفع أحدهم يده ويقول: دينار ونص، يرفع يديه الآخر ويقول: دينارين. هنا، وبعد أن يرى البائع “صاحب المزاد” أن ثمة من توقفوا للمشاهدة بدافع الفضول، يصرخ بصوت أعلى: كل هالمال على دينارين، الله يعوضك يا صاحب المال، خذوهم أحسن ما توخذهم الأمانة. ويعود لتعدد القطع وبصوت أعلى.
أول شخص زاود يعود من جديد ويرفع يده: دينارين ونص، الشخص الثالث يرفع المزاودة إلى 3 دنانير، هنا يتحرك أحد المواطنين الذي توقف بدافع الفضول ويقول ثلاثة ونص، يدخل مواطن جديد ويرفع المزاد إلى 4 دنانير.
هنا يبدأ السعر بالارتفاع، فينسحب بشكل غير مكشوف أول ثلاثة قاموا بالمزاودة، ويبدأ المارة بالمشاركة، وعندما يصل السعر إلى 15 دينارا مثلا ينهي المزاودة ويلقي بـ15 كيسا على آخر مزاود ويقول له: “مبروك عليك، والله يعوض عليك يا صاحب المال”.
وينفض المولد، يقوم البائع (صاحب المزاد) بإعطاء شركائه الثلاثة نصيبهم من العملية. بعد دقائق قليلة يعود المزاد من جديد، على بضاعة جديدة.. طبعا أحيانا تبدأ المزاودة وتتوقف عند مبلغ معين لا يعجب البائع فيفتعل أي قصة حتى ينهي المزاد والعودة من جديد للمناداة.
بالمناسبة، أصبحت أعرف توجه الحكومة مسبقا من خلال متابعتي لبعض الصفحات، يقوم “ناشط ما” بنشر بوست خارج السياق، يدعمه بوست آخر من قبل “ناشط” جديد، وهكذا، ثم يدخل أشخاص سنطلق عليهم اسم “الأبرياء” على الخط دون قصد، فيعلقون ويشاركون ويساندون ما طرح من اقتراحات، في المساء يكون القرار الحكومي قد صدر بشكل مختلف قليلا عما قدمه “المزاود” الأول والثلاثة الآخرين، لكن من يدفع ثمن القرار هم “الأبرياء”!
بالمناسبة أيضا هكذا تطبخ الحكومة كل شيء!