لقد انطلقت جماعة الإخوان المسلمين فكرا وتنظيما من الإسلام بشموله وكماله، كما بين ذلك الإمام الشهيد حسن البنا في أول أصل من أصول الفهم، وهو الركن الأول من أركان البيعة، حيث قال: “الإسلام نظام كامل يتناول نظام الحياة جميعا، فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء“.
كما قامت هذه الدعوة على ردم الفجوة بين القرون الفاضلة الأولى وعصرنا الحاضر، حيث استأنفت فهم الإسلام على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن تبعهم من القرون الفاضلة. ليعود الإسلام غضا طريا كما بدأ.
وقد اعتمدت هذه الدعوة الأسلوب التربوي في العمل بما فيه من تدرج في الخطوات وتكامل في البناء وصبر على مشاق الطريق.
يقول الإمام الشهيد في رسالة المؤتمر الخامس ص 338: “إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده. ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها. إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات. ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة”.
إن هذا النظام الإسلامي الكامل الشامل الذي قامت الجماعة للدعوة إليه مرة أخرى كان يلزمه نظام تربوي يضع في حسابه الغايات المطلوبة والعناصر المستهدفة والنتائج المرجوة والطريق الواضح المزود بالوسائل الناجعة والأساليب الحكيمة.
فكانت التربية من أبرز ما يميز الجماعة في إعداد أبنائها وتنشئتهم.
وبالنظر إلى خطورة الدور الذي تؤديه التربية على مستوى الفرد والمجتمع والأمة، وللسلبيات وأوجه القصور التي تعاني منها التربية بصورة عامة ، فإن أي تخطيط استراتيجي لها ينبغي أن لا يغفل أمرين أساسيين :
أولاً : الاهتمام بقضايا الأمة ومستقبلها ، لأن الأمة التي لا تمتلك في هذا العالم المتسارع ،بوصلة تحدد مسارها الصحيح هي أمة تعيش في خطر ، لأن مستقبلها سيكون مرتهناً عند أعدائها يشكلونه وفق ما يريدون.
ثانياً : الاهتمام بالوسائل التربوية المتبعة في الجماعة من خلال تحليل واقعها ، والوقوف على سلامة مدخلاتها ومخرجاتها وإعادة النظر بهندسة عملياتها بعد أن يتم تحديد رسالتها ورؤيتها وأهدافها الإستراتيجية .
إن مفهوم التربية وفق منهج الإخوان يعني الأسلوب الأمثل في التعامل مع الفطرة البشرية توجيهاً مباشراً بالكلمة وغير مباشر بالقدوة ،وفق منهج رباني خاص ، ووسائل خاصة لا تخالف الشرع لإحداث تغيير في الإنسان نحو الأحسن.
وعلى هذا فإنه يمكن إجمال أهداف التربية عند الإخوان المسلمين في هدفين كبيرين هما :
1ـ هدف ثابت دائم : يتناول تطبيق أهداف التربية الإسلامية المستقاة من الكتاب والسنة مع تفصيل وتبويب يتناول الوسائل والأساليب والأنشطة المصاحبة ، وطرائق التقويم .
2ـ هدف متغير يتناول رصد المتغيرات الاجتماعية والتقنية ، وإيجاد ما يلزم نحو مواجهتها عبر رؤية إسلامية واضحة ، ومن أبرز الأهداف المتغيرة ، المتغيرات في الفكر وفي النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي وسائل الحياة وأساليبها
على ضوء ما سبق وبالنظر للتحديات الكثيرة التي تواجهنا وفي مقدمتها تحديات العولمة بمنطلقاتها ومجالاتها وأنماطها المختلفة ، وحتى يمكن التعامل مع العولمة تعاملاً واعياً ،يمكننا من استثمار بعض نوافذها وأدواتها والإفادة من إيجابياتها وتلافي بعض سلبياتها ، فإن أي تخطيط استراتيجي للتربية الإخوانية للمرحلة المقبلة ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار المفهوم الشامل للتربية والذي يقوم على العناصر التالية :
1ـ التربية الإيمانية : بإذكاء عنصر الإيمان في نفس المسلم بالتصور الصحيح للايمان بالله وصفاته وأفعاله .
2ـ التربية الأخلاقية : المستندة إلى أخلاق الشرع واطمئنان العقل ويقين القلب .
3ـ التربية الشورية : مع مراعاة نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف مع الديمقراطية المعاصرة .
4ـ التربية التقنية والالكترونية : مع مراعاة حسن توظيف الأجهزة والبرامج التقنية المختلفة في البرامج والمجالات التربوية .
5ـ التربية البيئية : ببعديها التوعوي ، والسلوكي من خلال تكوين الاتجاهات والقيم البيئية الصحيحة من ناحية، والممارسات البيئية السليمة المستندة إلى تلك القيم والاتجاهات من ناحية أخرى .
6ـ التربية التنموية : بوضع الاستراتيجيات والسياسيات والبرامج التي تؤدي إلى الاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات البشرية على مستوى الفرد أو الصف لتحقيق البناء التربوي والتنظيمي القادر على تحقيق أهدافه بفاعلية كبيرة .
7ـ التربية التظيمية : بوضع سياسات وبرامج تؤدي إلى تعزيز الانتماء للتنظيم والتعريف به في نفوس الإخوان وفي الواقع المعاش .
8ـ تربية الحوار أو السلام والتعايش مع الآخرين باعتبار أن الإسلام يقوم أصلاً على الحوار والتدافع الحضاري، وليس على الصدام مع الحضارات والثقافات الأخرى شريطة أن يكون هذا الآخر الذي نريد أن نحاوره ونتعايش معه ليس معتدياً أو محتلاً لبعض حقوقنا وأراضينا ومع التفريق بين مفهوم التطرف والغلو الأعمى ، ومفهوم الجهاد المشروع للمحتل .
9ـ التربية الجهادية : والتي تبدأ بجهاد النفس مروراً بجهاد اللسان والمال ووصولاً إلى الجهاد بالسنان لدفع الأذى واسترداد الحقوق المغتصبة والأوطان المسلوبة .
الأسس التي يرتكز عليها النظام التربوي في الجماعة :
التصور الإسلامي (الأساس الفلسفي).
ينطلق النظام التربوي من الاعتقاد بأن الله إله واحدلا إله إلا هو، وأن محمد بن عبد الله ﷺ نبيه ورسوله، وأن القرآن والسنة هما المصدر الأول للمعرفة.ويعتمد المنهاج على التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة، وواجب المسلم أن يتناول هذا التصور بالبحث والدراسة والتدبر والتفكر، وأداتُه في ذلك العقل، في ضوء الوحي قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت53).
الأساس النفسي:يعد الأساس النفسي من أهم الأسس عند بناء النظام التربوي ، ويتضمن هذا الأساس جانبين: أحدهما يدور حول طبيعة الإنسان، من حيث مكانته بين المخلوقات، وعلاقته بالكون، ووظيفته في الحياة؛ والجانب الآخر يدور حول خصائص المتعلمين في المستويات التربوية والعمرية المختلفة. والمنهاج الحالي يقدر قيمة الإنسان ومكانته، ويراعي حاجات الدارسين وميولهم في مستوياتهم التربوية المختلفة، ويأخذ في الاعتبار الفروق الفردية بينهم.
الأساس الاجتماعي: يلتفت النهظام التربوي باهتمام الى اللبنة الأولى من لبنات المجتمع، وهي الأسرة فيحرص منذ اللحظة الأولى لتكوينها على رعايتها والاهتمام بها، ويحرص على تماسكها، كما يهتم بخصائص المجتمعات الإسلامية وثقافتها، وطبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة، كما يسعى الى تنمية قدرات الدارسين ليكونوا فاعلين في هذه المجتمعات،عاملين على نهضتها ورقيها من خلال المشاركة الإيجابية الفاعلة مع أبناء هذه المجتمعات،ومن خلال مؤسساته،كما يعمل المنهاج على غرس القيم الإسلامية النبيلة الداعمة للبناء الاجتماعي،كالعدل والحرية والوحدة واحترام قوانين الدولة المتفقة مع الإسلام والمحافظة على المال العام.
الأساس التربوي: يكون التركيز في النظام التربوي على الخبرات التربوية التي تغني الشخصية الإسلامية، والتي تنتظم حولها المواقف التربوية المهذبة للسلوك والمنمية للقيم والأخلاق الكريمة، والساعيةالى كل زرع خصال البروالخير، وتنطلق هذه الأسس من خصائص النظام التربوي عند الجماعة،المتمثلة في الربانية والشمول والتكامل والتوازن والتدرج والاستمرار والإيجابية .