أنهت معركة “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، يوم الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عامها الأول، قام ملايين البشر برصد لحظات ذلك العام، وشاهدوا لأول مرة كيف تكون حروب الإبادة من جهة، وكيف يكون إصرار المقاومة وصمودها من جهة أخرى.
ويشير المراقبون إلى أن تلك المعركة أعادت بناء الوعي الجمعي وتشكيله تجاه الملف الفلسطيني، لم يعد المقاوم “إرهابيا”، ولم تعد “إسرائيل” واحة الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، ساري عرابي، إن دولة الاحتلال تعرضت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، “لضربة عسكرية واستخباراتية مفاجئة نفذها تنظيم فلسطيني (حماس) بإمكانيات محدودة، في منطقة جغرافية مكشوفة ذات مساحة ضيقة”.
ولفت في حواره إلى أنه “على الرغم من القيود المفروضة على هذا التنظيم، إلا أنه تمكن من توجيه ضربة قاسية للمؤسسة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، ما أحدث هزة كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، وأثار شكوكًا حول قدرة إسرائيل على الصمود أمام هذا النوع من التحديات”.
وأكد أن “العملية أحدثت خلخلة كبرى في النظرية الأمنية الإسرائيلية، التي تعتمد على مفهوم الجدار الحديدي ونظرية الردع… اهتز المجتمع الإسرائيلي، وأفقده الثقة بمؤسساته العسكرية والأمنية، وأظهر أن إسرائيل ليست محصنة من الهزيمة كما كان يُعتقد”.
وقال عرابي إنه “رغم محاولات الجيش الإسرائيلي استعادة هيبته من خلال العنف المفرط وعمليات الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج في غزة، التي هدفت إلى كي وعي الفلسطينيين وتيئيسهم بدعم كامل من الولايات المتحدة وتواطؤ إقليمي، إلا أن ذلك لم ينهِ المعركة”.
وأشار إلى أن الإسرائيليين “حاولوا توسيع نطاق المواجهة بضرب لبنان، لكن رغم تحقيق بعض المكاسب التكتيكية، إلا أن الأمر لا يعني أن المعركة انتهت، ربما نحن في بداية حرب قاسية وطويلة، لكنها قد تعيد القضية الفلسطينية إلى جذورها الأصلية بعد سنوات من محاولات طمسها تحت شعارات المفاوضات والسلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
ويستطرد “سعت إسرائيل بشكل عاجل إلى استعادة الثقة والهيمنة، وذلك من خلال استخدام القوة المفرطة في محاولة لكي الوعي الفلسطيني، وبدعم قوي من الولايات المتحدة، وبتواطؤ صريح أو ضمني من بعض الدول العربية، التي لم تتدخل بشكل فعّال لوقف العنف” بحسب ما يرى.
ويشدد عرابي على أن “طوفان الأقصى، أعادت تشكيل الوعي الجمعي تجاه القضية الفلسطينية، فهي لم تؤثر فقط على الشعوب العربية والإسلامية، بل تجاوزت ذلك لتصل إلى شعوب العالم كافة، حيث باتت القضية الفلسطينية تُنظر إليها بوصفها قضية تحرر ونضال ضد احتلال صهيوني إحلالي واستعماري” وفق تقديره.
وأشار إلى أن “طوفان الأقصى أوقف، بشكل مؤقت، محاولات طمس الهوية الفلسطينية، التي كانت تتجلى من خلال مشاريع سياسية تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل بالتعاون مع بعض الدول العربية، بهدف إعادة دمج إسرائيل في الإقليم العربي على حساب القضية الفلسطينية”.
وأعرب عن اعتقاده أنه “في المدى المتوسط قد تظهر نتائج أوضح لهذه العملية، خاصة فيما يتعلق بتغيير موازين القوى في المنطقة وإعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي كقضية تحرر وعدالة”.
ولم يتجاهل المحلل السياسي الفلسطيني أن “موازين القوى الحالية لا تخدم الشعب الفلسطيني أو المقاومة، بل تدعم الكيان الصهيوني”.
وأشار إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تهيمن على النظام الدولي، وتدير المشهد العالمي، حيث توظف قدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية لصالح الاحتلال “. وأكد أن النظام الإقليمي العربي “الذي كان يُفترض أن يدعم الفلسطينيين، إما خاضع للولايات المتحدة أو ضعيف ومحايد” على حد تقديره.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مدعوما من الولايات المتحدة وأوروبا، لليوم 366 على التوالي، عدوانه على قطاع غزة، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة إلى استشهاد أكثر من 41 ألفا و 825 شهيدا، وإصابة أكثر من 96 ألفا و 910 آخرين، ونزوح 90 بالمئة من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.