بنظرة تأمل، عندما يجوب فيروس كورونا الأرض، كل الأرض، ويحدث كل هذا الخوف والقلق ويغير معادلة السلوك الطبيعي لبني البشر، هذا المشهد يقودنا الى التفكير مرة أخرى في علاقة الانسان مع الحياة، ومع خالق هذه الحياة، وتدور التساؤلات مرة بعد مرة عن الوجود والعوالم، والمبدأ والمصير، والعقل والعلم والدين، والقانون والحرية والعدل الالهي، وهي من الأسئلة الكبرى التي تحدث عنها اساطين الفلاسفة قديما والى الآن.
هل غير الكورونا نظرتنا الى الحياة؟
الأصل أن يغير، ولا يجب أن يمر هذا المشهد العالمي الاستثنائي دون تأمل واعادة قراءة وبشكل معمق عند أصحاب العقول السليمة.
ومع كثرة مَنْ تزامن حلول أجله مع الإصابة بكورونا وأدى الى وفاة آلاف البشر الى الآن متخطية فوارق اللون و الجنس و الجنسية و الموطن و الديانة ومتجاوزة لفوارق الغنى والفقر، او كونهم حكاما او محكومون، هذا يقودنا الى نتيجة مفادها أن النظرة الانسانية الجامعة وايجاد التقاربات بناء عليها هي جزء من حياتنا نحن بني البشر نسيناها او تناسيناها في خضم صراعاتنا وتنافسنا المحموم نحو بسط القوة والسيطرة والسعي الى السلطة وتأكيد الذات ؟
انه مشهد يكرس صورة المآل والمصير لكل انسان على وجه هذه البسيطة بشكل فردي، وكذلك باشتراك حال البشرية بشكل جماعي لجهة وحدة الزمان والمكان، هذا المشهد يضع كل ذلك على طاولة النظر والتفكر.
هذه الأنسنة القسرية التي هي جزء من طبيعة حياة البشر والتي تجمعنا على قاعدة اننا نشأنا من اب واحد ثم انتشرنا في شعاب الأرض شعوبا وقبائل لنعود ونلتقي على صعيد الانسانية الواحدة لنتعارف ونتآلف وينتفع بعضنا من بعض بعولمة بعيدة عن الشطط والتسلط والسيطرة والاستعباد، وانما وفق معايير حقوق الانسان وحفظها وتحقيق كرامته وتفضيله على سائر المخلوقات تفضيلا.
مع التأكيد على أن الأنسنة ليست بديلا عن الدين، وليس الدين يعاديها اذا انسجمت في تعريفها مع نظرتها للانسان على أنه محور هذا الكون الذي سُخّر له، وبالتالي فإن الأنسنة عاملٌ من عوامل تحقيق التفضيل لهذا المخلوق المكرم.
وقد حرّض القرآن الكريم على التفكّر والتدبر والنظر في مقصد الحياة ومآلها وعلاقة الإنسان بها في آيات كثيرة تقوّم الفهم و التفكير وتجعل الإنسان أكثر انسجاما مع ذاته وفطرته وحياته وغاية خلقه، مما يزيل التناقض والتباين والصراع الداخلي الذي يحل في نفس الإنسان.
( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )