شُعَبِ الإخوان وقِسم النساء عندهم
كان للإخوان في العراق في ظرفِ سنواتٍ من تأسيسهم حيثُ مركزُهم العامّ في بغدادَ وشعبتهم الكبرى فيها شُعَبٌ أُخرَى وفروعٌ في مختلف النواحي شمالاً وجَنُوباً, وشرقاً وغرباً. وقد نيَّفَتْ أعدادُها مع شعبة المركز على خمسٍ وعشرينَ. أُعيدُ ذِكْرَ بعضها مما سَمَّيْتُ قبلاً وأُضيفُ لها ذِكْرَ عددٍ آخَرَ, وهي شُعَب أو فروع: بغداد, الموصل, سنجار, البصرة, الرماديّ, الفلّوجة, تكريت, كركوك, أربيل, حلبجة, بيجي, عانة, راوَة, المقدادية, الزُّبَيْر, الحقلانية, الحديثة, الديوانية, سلمان باك, خانقين, جلولاء, سامُرّاء, أبو الخصيب, السعدية. وسأُعطي نُبذةً عن الشعب أو الفروع العشرِ الأولى, وأكتفي من الأُخريات بالعَدِّ.
1- شعبة بغداد في الأعظمية: تكوّنت لأول مرّةٍ على يد الأستاذ حسين كمال الدين (مصري). وكان أعضاؤُها يحضرون المحاضرات التي يُلقيها المراقب العامّ وعبدُ الكريم زيدان في جامع الأُزبك, والزهاوي في جامع الدهّان. وممَّنْ زارها من الضيوف من خارج البلاد البشيرُ الإبراهيمي رئيس لجنة علماء الجزائر, والفُضَيْل الوَرْتلاّني ومجتبى نوّاب صفويّ. وكان نائب شعبتها صالح مهدي الدبّاغ المُكنَّى بأبي صفوان.
2- فرع الموصل: قدَّمَ الإخوانُ في المدينة إلى متصرِّفها طلباً لفتح فرعٍ لهم فيها. وعلى الرغم من أنَّ الموافقة تأخَّرَتْ, فقدِ استمرُّوا بالدعوةِ ولم يتوقّفوا, وكانوا يتّخذونَ من مسجدها الكبير مقرّاً لنشاطاتهم, ثُمَّ انتقلوا إلى محلّة (الجوقلاق), ومن ثَمَّ في دارِ عبد الله الصوفيّ التي استأجروها مقرّاً لها. وكانَ رئيسُها الأوّل ومؤقّتاً السيد عبد الحافظ سليمان.
وقد جرتْ الشعبة على تحذير منتسبيها من الانخراط بالعمل السياسي. قلتُ: ولعلّ ذلك منهم تحوُّطاً أمنياً, كما علَّلَتِ الباحثة سابقاً هذا الأمر, عن العمل الإخواني في العراق عامّةً. ومِمَّنْ زارَ الشعبة من الضيوف: البشير الإبراهيمي وعلي الطنطاوي وعبد المنعم عبد الرؤوف. وكان نشاطُها كما هو معروف متميّزاً. وقد قدَّمَ نائبُها عبد الله الأربيلي يوماً استقالته من هيئتها الإدارية بتأثير السلفيِّين الذين كانوا يُحرِّضون على الإخوان, والشيوعيِّين الذين كانوا يشنُّونَ عليها حربَ إشاعاتٍ, ولكنَّ الرجلَ عادَ عن استقالته فيما بعدُ.
3-شعبة سنجار: قدَّمَ طلباً لإنشائها سنة 1953م, الحاجُّ طه حسن وانْتُخِبَ نائباً لها. وكثيراً ما كان يزورها الصوّافُ يُلقي فيها المحاضرات التي كانَ يحضرها مع الإخوان أهلُها والقائمقام الإداري والحاكم أمجد المفتي ومعاوِن الشرطة عارف طه. وكان يرافق الصوّافَ إليها الحاجُّ عزيز أغا من إخوان تلعفر, ومحمد علي الخشّاب من إخوانها. وقد أُغلِقَتْ عام 1954م.
4- فرع البصرة: أُنشئَ عام 1952م, وكان نائبه السيد عبد الهادي باحسين, ثُمَّ سافرَ فَخَلَفَه عبد الصمد الرُّدينيّ. ومن عجائب ما يُذكَرُ هنا, أنَّ والد عبد الصمد هذا قَتَلَه والدُه بإطلاق ثلاث رصاصاتٍ عليه أرداهُ بها قتيلاً, لأنّه كان طالما ينصحُه بتركِ تعاطي الخمر, إذْ كان مدمناً عليها!! وقد رثاه الصوّاف في مجلة الأُخُوّة الإسلامية. وقد تولَّى الإخوانُ في البصرة تحذيرَ الناسِ من الشيوعية في منشورٍ جاءَ فيه: (الشيوعيةُ كفرٌ وضلالٌ, فيا أيها البصريُّونَ اتَّحِدوا ضدَّها).
5- فرع الرمادي: أُسِّسَ الفرعُ سنة 1952م, وانتُخِبَ السيد فاضل محمود الواعظ رئيساً له. وكان من أنشطة الإخوان فيه مساعدة بعض الأُسَرِ الفقيرة. وقد شكَّلَ متصرِّفُ اللواء شاكِرُ السامرّائي لِجاناً للإغاثة, كان معظمهم من الإخوان. كما كان للفرع نشاط كبير في التصدِّي للمدِّ الشيوعي فيها.
6- شعبة الفلّوجة: أُسِّستْ عام 1952م, وكانت تنطلق بنشاطاتها من الجامع الكبير في المدينة حيث تَعقِدُفيه اجتماعاتِها, وتُلقي محاضراتِها. وقد تولَّى نيابةَ شعبتها فاضل دولان العانيّ, بعد عبد الحميد إذهيبة.
7- فرع تكريت: انتُخِبَ نائباً للفرع عبد المالك الصميدعي الذي قال: (إنَّ معظم أهالي تكريت حصراً دخلوا دعوةَ الإخوان وأيَّدوا جمعية الأُخوّة الإسلامية).
8- فرع كركوك: كان الإخوانُ فيه ينشرونَ الدعوةَ بين مختلف عرقيّات سكّانها: أكراداً وعرباً وتُركماناً في وقتٍ كانَ فيه قبلَهم التوتر القومي بين هذه الأعراق منتشراً, وكانَ من وسائلِ جَمْعهم والتأليف فيما بينهم: الصلواتُالجماعية, والكتائبُ الليلية, والسفراتُ الجماعية, وإقامةُ الحفلات بالمساجد في المناسبات المتعدِّدة.
9- فرع أربيل: حيث افتتح الإخوانُ هنا فرعاً للتأكيد على الأُخُوّة الإسلامية التي جَمَعَتْ بين أبناء هذا البلد من عربٍ وغيرهم خلال قرونٍ طويلة.
10- فرع حلبجة: وقد واجه الإخوانُ هنا من الشيوعيِّينَ عَداءً شديداً, إلى درجة أنّهم أحرقوا لهم مكتبتَيْنِ, مع أنّه لم يمضِ على وجودهما أكثرُ من ليلة واحدة.
أمّا فرع النساء في العراق, فقد كان في أذهان الإخوان منذ أنْ أنشؤوا جمعيتهم هناك أنْ يكونَ فيها قسمٌ لهنَّ. وقد تكوَّنَ الفرعُ سنة 1951م, وتجمَّعَ فيه عددٌ من النساء الفضليات جرت بينهنَّ انتخابات لتشكيل هيئة إدارية خاصّة بهنَّ, كانت على النحو التالي: نهال الزهاويّ رئيسةً, وعدويّة الشوّاف نائباً للرئيسة, ونظيرة علي صائب سكرتيرة, وفاطمة الباجه جي أمينةً للصندوق, ونظيرة الخوجه محاسبةً. وللعلم, فإنّ نهال هي ابنة الشيخ أمجد الزهاوي رئيس جمعية الأُخُوّة الإسلامية, تخرّجتْ في بيت أبيها وعلى يده. وكانت تقوم على خدمته وخدمة الدعوة معاً.
وقدِ اتّخذتْ أخواتُ الفرع ثانويةَ الأعظمية للبنات مقرّاً لهنّ ومنطلقاً لنشاطهنَّ, لأنَّ الصوّاف كان منذ سنة 1947م, يُلقي فيها دروسَه الدعوية, فانتشرَ حُبّ الدعوة بينهنّ, ومن ثَمَّ مؤازرتهنَّ لجمعية الإخوان والإقبالُ على فكرهم الإصلاحي, حيثُ رُحنَ يلتزمنَ بمبادئ الإسلام وأخلاقيّاته. وقد كان للدعوة تأثيرٌ كبيرٌ في أوساط النساء وخاصّةً الطالبات, حتّى إنَّ الآباء كانوا قد قالوا للصوّاف مُعجبينَ بسرعة استجابة بناتهم لتوجيهات الدعوة: (لقد حاولنا مع بناتنا الكثيرَ, فلم نجدِ الاستجابة, فماذا صنعتَ؟! فها هُنَّ بناتُنا يُصلينَ وتحجَّبَ الكثيرُ منهنَّ)!!
وما إنْ شَكَّلَتِ الأخواتُ هيئتَهنَّ الإدارية, حتّى رُحنَ يبحثنَ عن مركزٍ لهنَّ مستقلّ, يُمارِسنَ من خلاله نشاطهنَّ الدعوي, فحصلنَ على قطعة أرضٍ من الأوقاف الخيرية بالإجارَةِ الطويلة يدفعنَ إيجارها الضخم من المبالغ الضئيلة التي يجمعنها من جيوبهنَّ. ثُمَّ رأينَ أنْ يقمنَ باكتتابٍ عام لطلب التبرّعات من المحسنين لإقامة دار لهنَّ على تلك القطعة, تكونُ: (مقراً تنبعثُ منه أنوارُ العلم والهداية, ومعقلاً يصنعُ الفتاةَ المسلمة قلباً وقالباً, ويُهيئُ الفتيات المؤمنات القانتات لإنشاء الجيل الصالح والمجتمع المثالي الرفيع).
وقد قدَّمتْ نهال الزهاوي رئيسة الفرع طلباً لإجراء الاكتتاب لوزارة الداخلية التي وافقتْ على الطلب, وإجراء الاكتتاب في كُلِّ أنحاء العراق لجمعِ مبلغ (3000) آلاف دينار ولمدّة سنة, اعتباراً من 27/2/1954م. وفور صدورِ ندائهنّ لهذا الغرض سارع بعض المحسنين من الكويتيِّين بإجابة النداء, فتبرّع عبد العزيز العلي المطوِّع المراقب العام لجمعية الإرشاد الإسلامي في الكويت بمبلغ مئة دينار, كما تبرَّعَ كُلٌّ من يوسف بن عيسى القناعي وعلي سعيد سليمان من جماعة الإخوان المسلمين في الكويت بخمسينَ ديناراً. كما قام المراقب العام بجمع بعض التبرعات من محسني البلد, فاستطاعَ الإخوانُ بهذا المبلغ المتجمِّع أنْ يبنوا للفرع النسائي عندهم داراً تحمل اسمَ (جمعية الأُخت المسلمة).
وبعدَ استصدار الإخوان إذناً رسمياً بتكوين جمعية الأُخت المسلمة حسب مرسوم تأليف الجمعيات الصادر سنة 1955م, شكَّلْنَ لأنفسهنَّ قانوناً أساسيّاً نصَّ في مادته الثانية على أوجه نشاطهنَّ, وهي:
1- العمل على بثِّ العقيدة الإسلامية الصحيحة في الأوساط النسائية.
2- نشر التعاليم الإسلامية والدعوة للتمسك بها.
3- تربية المرأة تربية إسلامية وتكوين البيت على أساس إسلامي متين.
4- مكافحة روح التفرنج والتحلل الخُلُقيّ.
وأشارتِ الجمعية إلى أنّها تتوسّل لتحقيق هذه الأمور لخدمة المجتمع بالوسائل التالية:
1- عقد الاجتماعات النسائية وإلقاء الدروس والمحاضرات الدينية والتعليمية والتهذيبية.
2- طبع الكتب والرسائل والنشرات الدينية ونشرها بين الناس.
3- فتح الدورات الصيفية للتعليم والتهذيب.
وقد تشكَّلَتْ للجمعية عدّة لجان لخدمة المرأة والعمل على النهوض بها, هي: لجنة الأعمال والخياطة, ولجنة تحفيظ القرآن, ولجنة لتعليم الحلاقة, ولجنة لصحّة المرأة. وكان من أنشطة الجمعية أمور عدّة منها: قامت بمساعدة الأُسَر المتعفِّفَة, ووضعتْ برنامَجَ أسبوعِ معونةِ الشتاء, ونَشِطَتْ لجمع التبرعات وتوزيع الاستمارات للإغاثة الاجتماعية, كما قامت بجمع مبلغ (1204) دينار سنة 1959م لمصالحها المتعدّدة, وجُمِعَتِ الكثير من الأقمشة من مختلف الأنواع, والملابس, والمدافئ, والأحذية الجديدة, والأغطية الصوفية, وصناديق الصابون والمعلّبات, ثُمَّ وزّعت المعونات على (2500) شخص.
ومن هذه الأنشطة أنْ قامتِ الأخواتُ بالدعوة إلى أسبوع سمَّيْنَه (أسبوع الفضيلة) ردّاً على ما قامت به أعضاء جمعية الاتحاد النسائي نهاية عام 1953م للدعوة (لأمور تعاكس الدِّين وتُناقض الأخلاق والآداب من الاندماج في الحياة الغربية المعاصرة من سفورٍ واختلاطٍ) وقدِ افتتحَ المراقبُ العام هذا الأسبوعَ بكلمة نقلتْها الإذاعة العراقية, تناولَ فيها وضع المرأة في الإسلام, وكيفَ أعزّها ورفعَ مكانتها. وقد عرضتِ الأخواتُ في الأسبوع التشريعاتِ الإسلاميةَ حول المرأة التي أرادَ بها حفظ كرامتها وصونها من كُلِّ سوءٍ.
وكانَ كثير من أخوات الجمعية يكتبنَ في صحف الإخوان كمجلّة لواء الأُخُوّة الإسلامية التي صدرتْ عام 1955م. وفي الصفحة المخصَّصة للأُسرة (وكانت مقالاتٍ قويّةً تُعنى بخُلُق الفتاة المسلمة وانتشالها من غُبار التخلُّف والأُمّية والانحلال). ومن هذه المقالات: (نكبة الأُمم الإسلامية أتت عن طريق مُفكِّريها وقادة الرأي) لنهال الزهاوي, ومقال: (كيفَ عالجَ الإسلام تكوين الأُسرة) لبهيرة الخوجه وغيرِها. وقد بدأَ النشاط النسائي بدايةً طيبةً باستثمار المناسبات الإسلامية وإقامة الحفلات الدينية وزيارة الأُسَر, وعقد الاجتماعات وإلقاء المحاضرات. وقد كان يُساعد الهيئة الإدارية التي ذكرتُها سابقاً عددٌ من الأخوات الفاضلات أعضاءً فيها, هُنَّ: بهيرة الخوجه, وخيرية الزهاوي, وصفية الأطرقجي, وزهرة خضر, ونجيبة خضر, وآمنة محمد علي, وآمنة شيخ العرب.
ومن أنشطة الأخوات غير ما ذكرت, أنْ قامت إحداهنَّ وهي السيدة حسينة الباجهجي ببناء مسجد في الكرّادة الشرقية – بغداد على نفقتها الخاصّة, صرفتْ على بنائه أكثرَ من عشرة آلاف دينار, وأوقفتْ له من المستغلاّت ما يسدُّ حاجتَه. وقدِ افتُتِحَ يوم الخميس (22/1/1953م). وحضرَ الافتتاح العديد من العلماء والوجهاء ومدير الأوقاف العامّ ومزاحم أمين الباجهجي وعبد الله الخيال الوزير المفوّض للمملكة العربية السعودية, وعدد من الشباب حتّى ضاقَ المسجد والبيوت المحيطة به. وقد ابتدأَ بكلمةِ رئيس الجمعية الزهاوي, وتبعه بكلمةٍ أُخرى للمراقب العام الصوّاف, كُلُّ ذلك والهتافات الإخوانية: (الله أكبر ولله الحمد) تشقُّ عَنان السماء بمكبّرات الصوت التي تنقله لمسافاتٍ بعيدة. وقدِ اختار المراقب في نهاية الحفل (طه جابر العلواني) ليكونَ خطيبَ الجمعة للمسجد الجديد.
ومن هذه الأنشطة التي امتدّتْ إلى خارج القطر, أنْ بَعَثْنَ ببرقية للرئيس جمال عبد الناصر أثناء محنة الإخوان في مصرَ يدعونَه فيها إلى التريُّث بتنفيذ حكم الإعدام عليهم, جاء فيها: (قرارُ حكم الموت بحقّ قادة الإخوان المسلمين, هزَّ شعورَ المسلمين قاطبةً وأدمى القلوبَ المؤمنة, المرأةُ المسلمة في العراق تُناشدكم اللهَ أنْ تضعوا اللهَ أمامكم قبلَ تنفيذِ الحكم بحقِّ الأبرياء).
ومعلومٌ أنَّ فرع النساء في بغداد وهو الفرع الوحيد في البلاد, يقع بمنطقة الكسرة مقابل قاعة الرباط.
يتبع …