د. علي العتوم
دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (209)
حدّثنا علي بن محمد ثنا وكيعٌ, عن سعدان الجُهَني, عن سعد أبي مجاهد الطائي “وكان ثقةً”, عن أبي هريرةَ قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الإمامُ العادِلُ, والصائمُ حتّى يُفطِرَ, ودعوةُ المظلومِ, يرفعها اللهُ دونَ الغَمام يومَ القيامة, وتُفتَحُ لها أبواب السماءِ, ويقول: بعزّتي لأنصرنَّكِ ولو بعدَ حينٍ.
سُنَن ابن ماجة ج1 (7 كتاب الصيام) باب (48) الصائم لا تُرَدُّ دعوته, الحديث رقم (1752) ص557.
تعليقات:
1. التعريف:
الدعاءُ في الإسلام أمره عظيم ومهم. ومن هنا جاء في الحديث عنه: الدعاء هو العبادة, لأنّ فيه إشعاراً من الداعي بضعفه أمام ربه, وتضرعه إلى خالقه, أنْ يستجيبَ له ليقبله عنده عبداً صالحاً أو يغفرَ ذنباً ارتكبه أو يرفعَ عنه ظلماً وَقَعَ عليه أو يطلبَ منه النصر على أعدائه وأعداء أُمّته ودينه, وقد قال الله سبحانه وتعالى لنبيِّه الكريم في هذا الشأن: (وإذا سأَلَكَ عبادِي عنِّي فإنّي قريبٌ, أُجيبُ دعوةَ الدّاعِ إِذا دعانِ, فلْيَسْتَجِيبوا لي ولْيُؤْمِنوا بي لعلّهم يرشِدونَ), وقال: (وقالَ ربُّكم ادْعونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). ومن شروط الدعاء في الإسلام أنْ لا يدعوَ الإنسان على نفسه أو على أحدٍ من أهله أو ولده, وأنْ لا تكون لقطيعة رَحِمٍ, وأنْ يوقنَ بالإجابة ولا يستعجلها.
2. المعاني:
ثلاثة: ثلاثة أشخاص أو أصناف. الإمام: الحاكم, لأنّه أصلاً يجبُ أنْ يَؤُمَّ الناسَ في الصلاة كما كان يفعل الرسول والخلفاء الرّاشدون, إلاّ إذا اتَّسعتِ البلاد وكَثُرَ النّاس, وتعذَّرَ عليه القيام بهذا الأمر لكثرة انشغالاته بأمور الأُمّة. الغَمام: السحاب. تُفتَّح لها أبواب السماء: لا يحجبها عن اللهِ حاجب. عزّتي: قوّتي, جبروتي.
3. ما يستفاد من الحديث:
أ. الناسُ عند الله منازل ومراتب حسب أعمالهم.
ب. لا يقبل الله من الأعمال إلاّ ما كان في الخير وخالِصاً في سبيله. قال تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك, فمَنْ أشركَ بي غيري وكلته إليه) أو كما قال.
ج. أهمّ ثلاثة أصناف مقرّبين عنده تعالى من خلقه: الحاكم العادل, إذْ هو كما جاء في الحديث الصحيح أول سبعة الذين يظلّهم اللهُ في ظله يومَ لا ظِلٌّ إلاّ ظِلُّه, والصائم طاعةً واحتساباً, الذي جاء فيه في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له, إلاّ الصوم فهو لي وأنا أجزي به) بما يعني عِظَمَ أجره الذي لا يعلمه إلاّ الله, والمظلوم يطلبُ نصرته, فالظلمُ مرتعه وخيمٌ, كما قال الشاعر:
تنامُ عيناكَ والمظلومُ منتبهٌ
يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لم تَنَمِ
د. احتفال الله جلّ وعلا بدعوة هؤلاء الثلاثة والتأكيد على إجابتها بقسمه بعزّته وقوّته ولو بعدَ حينٍ, دلالةً على عِظَمِ منزلته عنده سبحانه.