بسم الله الرحمن الرحيم: “مَن كَانَ يَرْجُو لقَاء اللَّه فَإنَّ أَجَلَ اللَّه لَآتٍ وَهُوَ السَّميعُ الْعَليمُ (5) وَمَن جَاهَدَ فَإنَّمَا يُجَاهدُ لنَفْسه إنَّ اللَّهَ لَغَنيٌّ عَن الْعَالَمينَ (6)” (سورة العنكبوت).
فلتقر القلوب الراجية في لقاء الله ولتطمئن، ولتنتظر ما وعدها الله إياه، انتظار الواثق المستيقن، ولتتطلع إلى يوم اللقاء في شوق ولكن في يقين.
والتعبير يصور هذه القلوب المتطلعة إلى لقاء الله صورة موحية. صورة الراجي المشتاق، الموصول بما هناك. ويجيب على التطلع بالتوكيد المريح. ويعقّب عليه بالطمأنينة الندية، يدخلها في تلك القلوب. فإن الله يسمع لها، ويعلم تطلعها: (وهو السميع العليم).
والإيقاع الرابع يواجه القلوب التي تحتمل تكاليف الإيمان ومشاق الجهاد، بأنها إنما تجاهد لنفسها ولخيرها ولاستكمال فضائلها، ولإصلاح أمرها وحياتها، وإلا فما بالله من حاجة إلى أحد، وإنه لغنى عن كل أحد:
(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، إن الله لغني عن العالمين)..
فإذا كتب الله على المؤمنين الفتنة وكلفهم أن يجاهدوا أنفسهم لتثبت على احتمال المشاق، فإنما ذلك لإصلاحهم، وتكميلهم، وتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة.
والجهاد يصلح من نفس المجاهد وقلبه، ويرفع من تصوراته وآفاقه، ويستعلي به على الشح بالنفس والمال، ويستجيش أفضل ما في كيانه من مزايا واستعدادات.
وذلك كله قبل أن يتجاوز به شخصه إلى الجماعة المؤمنة، وما يعود عليها من صلاح حالها، واستقرار الحق بينها، وغلبة الخير فيها على الشر، والصلاح فيها على الفساد.
(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه).. فلا يقفن أحد في وسط الطريق، وقد مضى في الجهاد شوطا، يطلب من الله ثمن جهاده، ويمنّ عليه وعلى دعوته، ويستبطئ المكافأة على ما ناله! فإن الله لا يناله من جهاده شيء. وليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل: (إن الله لغني عن العالمين). وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده، وأن يستخلفه في الأرض به، وأن يأجره في الآخرة بثوابه.