في مقدمة كتابه الأكثر شهرة «داغستان بلدي» يقول: «إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك». كان يؤمن بأن الأفكار والعواطف تأتي كالضيف في الجبال، دون دعوة ودون إنذار، لا مجال للاختفاء ولا للتهرب منها ومنه.
في ذكرى رحيل الشاعر الداغستاني الكبير وشاعر القوقاز الأول رسول حمزاتوف المولود عام 1923، نتذكر شاعرا استثنائيا كان صوت بلده وصوت جبالها وأوديتها، سمعه العالم بأكلمه يغني ويهتف «دغستان بلدي».
أسماه والده «رسول» تيمنا بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعاش ثمانين عاما، وفي الثالث من تشرين الثاني عام 2003 وبصمت ودع الدنيا بعد أن احتفل العالم بأجمعه بعيد ميلاده الثمانين، ودفن بجوار قبر زوجته فاطمة في قلب العاصمة ماخاتشكالا (محج قلعة) عاصمة داغستان.
وحمزاتوف هو ابن الشاعر الداغستاني المعروف حمزة تساداسا، نسبة الى تسادا قريته، وهو الذي نال لقب «شاعر الشعب» ونال جوائز كثيرة قبل ابنه «رسول»، وبعض شعره كتبه بالعربية وتوفي عام 1951.
صدر أول ديوان لـ»رسول» بعنوان «الحب الحار والكراهية الحارقة» عام 1943 حيث كانت بلاده تخوض حرب تحرير ضد الفاشية، وانضم حمزاتوف لعضوية اتحاد الكتاب في الاتحاد السوفياتي السابق، وأصبح رئيسا لاتحاد كتاب داغستان بعد تخرجه مباشرة، وبقي يشغل هذا المنصب إلى أن وافته المنية، وعمل نائبا بمجلس السوفيات الأعلى.
تخرج عام 1950 في معهد «جوركي للآداب»، ومكنته دراسة الأدب في موسكو من الإلمام بتراث الشعر العالمي، وعمل معلما في شبابه ثم نشر بعد ذلك دوانيه: «حوار مع ابي» و»بنت الجبال» وله دواوين وكتب أخرى ناهزت الأربعين كتابا وديوانا بلغته الأم «الآفارية» التي كانت تعتبر بالنسبة له رمزا للأرض والإنسان والتاريخ وحكايات الأجداد وأغنيات الطفولة، ما عدا دواوينه الثلاثة الأخيرة التي كتبها باللغة الروسية، وأهم أعماله: ديوان «عام ولادتي «و»النجوم العالية» و»كتابات» و»نجم يهمس لنجم» و»السمراء»، وكذلك «مسبحة السنين»، غير أن قصته الشعرية بعنوان «داغستان بلدي» كانت الأكثر شهرة في بلاده، فقد أراد حمزاتوف لهذا الكتاب أن يكون قصيدة حب لبلاده، يخلد جبالها ورجالها ونساءها وجداولها وبطولاتها وأغانيها وحكاياتها وثقافتها.
الكتاب ترجم إلى اللغة العربية عام 1979، ولم يكن الكتاب من جنس الشعر بمفرده، ولا من جنس النثر بمفرده، بل تجمع كليهما.
يقول في الكتاب: «في سقف بيتنا الضيق كثير من آثار الرصاص، كان أصدقاء والدي يطلقون الرصاص على السقف من مسدساتهم، وكان على النسور المعششة في الجبال المجاورة أن تعرف أنه قد ولد لها أخ جديد، وأن النسور في داغستان زادت واحدا».
كما لا ننسى دواوينه الأخرى العامرة بحب الأرض مثل «قلبي في الجبال» و»أنا والجبال» وغيرهما، وصدرت مؤلفات حمزاتوف كاملة في 18 مجلدا ضمت أربعين مؤلفا هي نصف عدد سنوات عمره باللغة الأم «الآفارية» و8 مجلدات باللغة الروسية، وفي عام 1994 صدر ديوانه الأخير بعنوان «المهد والوجاق».
وأما عن أهم الجوائز التي حصل عليها حمزاتوف، فقد منح لقب «شاعر الشعب» في داغستان عام 1959، ثم منح جائزة لينين، وفي عام 1986 حصل على جائزة « اللوتس» من منظمة كتاب آسيا وإفريقيا، وجائزة نهرو.
حمزاتوف بخلاف العديد من شعراء جيله الذين كانت عيونهم منصبة على جائزة نوبل، لم يتورط بدفع ضريبة تلك الجائزة، وهذا ما يفسر كتاباته عن فلسطين وانحيازه لعذابات أهلها، حتى إنه شارك بنفسه في مهرجانات ثقافية وشعرية وقرأ قصائده على الملأ غير عابئ بالعقاب.
وعندما كتب عن فلسطين لم يكن مجرد شاعر يقدم العزاء لشعب منكوب بالاحتلال، واندمج في قصيدته حتى البكاء العلني في قاعة تحمل اسم القدس في موسكو.
كان يردد باستمرار أن على كل إنسان أن يفهم منذ صباه أنه أتى إلى هذا العالم ليصبح ممثلا لشعبه، وعليه أن يكون مستعدا لتحمل أعباء هذه المهمة. وكان يرى «بأننا كمسلمين يجب علينا أيضا اعتناق الإنسانية».
رحل رسول حمزاتوف، ولم يترك حبة تراب من أرض «داغستان» إلا وكتب عنها فهو داعية الكتابة باستمرار دون توقف محذرا: «لا تخبئ أفكارك.. إذا خبأتها فستنسى فيما بعد أين وضعتها».
حمزاتوف عرف تماماً أين يضع أفكاره.