عمان – خاص
يعتبره المقربون منه واحداً من أبرز الشخصيات الإخوانية التي ألهمت جيلاً كاملاً في الأردن، ومثّل بصمةً هامة من تاريخ الأردن الحديث، بمساراته الحزبية والتنظيمة كقياديٍ في الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين، وحزب جبهة العمل الإسلامي)، أو الأكاديمية، أو بتقلده المناصب الرفيعة في الدولة الأردنية.
هو الدكتور عبد اللطيف عربيات، أحد أبرز قيادات الإخوان المسلمين، الذي تحل ذكرى وفاته الأولى اليوم بعد أن رحل راكعاً بين يدي ربه، في مسجد أم العلا القريب من منزله، في يوم الجمعة 26 أبريل 2019، عن عمر يناهز 85 عاماً، مخلّفا وراءه مسيرة حافلة بالإنجاز، كان خلالها “الرجل الجامع” لأبناء الحركة الإسلامية في المملكة.
من هو الدكتور عبد اللطيف عربيات؟
ولد د. عبد اللطيف سليمان سالم عربيات عام 1933 في مدينة السلط، لأسرة تعمل في الزراعة، التحق في صفوف جماعة الإخوان المسلمين باكراً في المرحلة الإعدادية، وبالتحديد بدايةً من عام 1949م، وكان له نشاطه الإسلامي في المرحلتين الثانوية والجامعية.
عام 1948، استقبلت السلط العديد من العائلات الفلسطينية اللاجئة بعد نكبة عام 48، وكان للإخوان المسلمين كغيرهم في السلط دورٌ في إيواء اللاجئين، إذ نشطت دار الإخوان في المدينة كمقر أولي للّاجئين قبل توزيعهم على البيوت، واستضافت عائلة عربيات عائلة من يافا، واقتطعت لها مساحة في البيت عاشت فيها سنوات قبل الانتقال إلى مدينة الزرقاء، وكان تطوع عربيات في مساعدة اللاجئين أثناء انتقالهم من دار الإخوان إلى بيوت العائلات المستقبلة أول عهده بالإخوان.
في سلك التعليم
عمل عربيات في سلك التعليم، حيث بدأ حياته مدرساً، وأكمل دراسة الدكتوراه في التربية المهنية بجامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، ليتدرج في التعليم، ويستلم منصب مدير المناهج ثم أمين عام وزارة التربية والتعليم في الفترة (1981-1982).
ترك عربيات بصمته الواضحة في مسار أجيال الأردنيين، عندما تدرج في وزارة التربية والتعليم، حتى وصل درجة أمين عام في الوزارة، في مسيرة أضفى خلالها نقلة نوعية على المناهج والمستوى التعليمي.
تعرف عربيات وهو لا يزال طالبًا إلى كبار المفكرين الإسلاميين، فقد كان مشاركًا دائمًا في مؤتمر القدس الإسلامي العالمي الذي كان يعقد في القدس كل سنة ويحضره العلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، لذا فقد وفر الوسط الذي نشأ فيه عربيات له ثقافة شاملة، وعقلية منفتحة اتصلت مع العالم الخارجي مبكرًا.
دخل صفوف الحركة الإسلامية في الأردن، وشعل مناصب قيادية عدة أبرزها رئيس شورى جماعة الإخوان المسلمين، والأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، ورئيسا لمجلس شورى الحزب.
دخول الحياة السياسية والنيابية
على الرغم من استمرار حظر الأحزاب السياسية في العام 1989، دُعي في الأردن إلى انتخابات نيابية شاركت فيها مختلف القوى السياسية، من بينها جماعة الإخوان المسلمين التي رشحت 26 مرشحًا نجح منهم 22 نائبًا، كان منهم عبد اللطيف عربيات عن محافظة البلقاء، في انتخابات أفرزت مجلس نواب لعله كان الأقوى، والأشد تنوعًا في تاريخ الحياة السياسية الأردنية الحديثة.
بُعيد النتائج، أجرت كتلة الإخوان المسلمين انتخابات داخلية أفرزت عربيات رئيسًا لها، ولكن الكتلة قررت عدم الترشح لرئاسة المجلس في السنة الأولى، واختارت دعم النائب يوسف المبيضين الذي تنافس مع سليمان عرار، ليفوز الأخير برئاسة مجلس النواب في سنته الأولى.
في السنة الثانية، قرر الإخوان التنافس على رئاسة المجلس، وكان خيارهم هذه المرة ترشيح نائب منهم مباشرة، فكان عربيات، النائب عن محافظة البلقاء، فحسم عربيات الانتخابات من الجولة الأولى بـ41 صوتًا مقابل 28 صوتًا لعرار (من أصل 80 نائبًا في المجلس حينها)، ليعلن عربيات رئيسًا لمجلس النواب، ويبقى كذلك ثلاث سنوات، بوجود أنصار ثابتين له من خارج الكتلة الإسلامية في المجلس.
المجلس الحادي عشر
كانت السنوات التالية في ظل رئاسة عربيات للمجلس مفصلية في الحياة السياسية في الأردن. فداخليًا، أُلغيت قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، وسُنت قوانين مثل قانون الأحزاب وقانون الإعلام وقانون نقابة المعلمين، وفُعّلت النصوص الدستورية المتعلقة بمحاكمة الوزراء، وشُددت الرقابة على الحكومة وعلى أبواب الصرف بعد إقرار الموازنة، لتقدم الحكومة أول موازنة في تاريخها بدون عجز.
تاريخ مشرف
يذكر عربيات أن الملك حسين استدعاه حينها وأخبره بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب اتصل به وأعلمه بوجوب إنزال قوات أمريكية في العقبة والرويشد، لمنع السلاح القادم بحرًا إلى العراق، وأن مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) سيصل عمان بعد يومين للتنفيذ. أجاب عربيات بأن هذا مرفوض وأن الأردنيين بمختلف توجهاتهم لن يقبلوا بقوات أمريكية على الأرض الأردنية، حينها، سكت الحسين سكوتًا فسره عربيات بوصفه ضوءًا أخضر لتصعيد الخطاب ضد الولايات المتحدة، فعقد مجلس النواب مؤتمرًا صحفيًا أكد فيه رفض النواب للمشاركة في الحرب.
وحين وصل مدير الـCIA عمان، استقبله الملك وبجانبه جريدة «جوردان تايمز» بعددها الذي غطى هذا المؤتمر الصحفي، ليعطيه الملك الجريدة بعد إعلامه برفض مطلبه قائلًا «لا يمكن لي أن أخالف مجلس النواب»، وهو ما تم فعلًا، إذ لم تدخل القوات الأمريكية الأرض الأردنية، لتستعين بشركة بريطانية لتفتيش السفن في المياه الدولية قبل الوصول إلى مناطق السيادة الأردنية.
مناصب قيادية
شغل عربيات رئاسة مجلس النواب الأردني لـ 3 دورات منذ عام 1990 وحتى 1993 وعضواً في مجلس الأعيان منذ 1993 وحتى عام 1997، وعضوا في اللجنة الملكية للميثاق الوطني عام 1990، وعضواً في اللجنة الملكية للأجندة الوطنية عام 2005.
منحه الملك الراحل الحسين بن طلال لقب معالي رغم عدم استلامه لأي حقيبة وزارية، ليصبح عضوا في مجلس الأعيان 1993 – 1997.
ختامًا، فقد خيم الحزن في الأردن على وفاة رجل من رجالات الوطن ورموزه القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين ورئيس مجلس النواب الأسبق، والسياسي والتربوي الدكتور عبداللطيف عربيات، فقد كان مشهد بيت عزاء عربيات تعبيرًا عن الاتفاق عليه من الجانب الرسمي ومن قيادة الحركة الإسلامية والأردن بكافة مكوناته السياسية والفكرية.