غزة 2020: كم هو سهل على العالم طمس الألم الفلسطيني

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : دافيد هيرست

تقول الأمم المتحدة إن قطاع غزة سيصبح غير صالح للعيش بحلول عام 2020. إسرائيل ساهمت عمداً في إيصال القطاع إلى هذا الحال.
أريد منكم أن تجربوا عمل الآتي. ابحثوا في غوغل عن عبارة «قتل عائلة من ثمانية أفراد». إذا فعلتم، فسوف تحصلون على عدة خيارات – الأول في سونورا بالمكسيك، والثاني في بايك، بولاية أوهايو، والثالث في مقاطعة ميندوتشينو بولاية كاليفورنيا.
يبدو أن ذاكرة غوغل الهائلة تعاني من النسيان إذ لا ذكر فيها لما جرى قبل شهر واحد فقط في دير البلح بقطاع غزة.
ونظراً لأنكم أنتم أيضاً قد تكونوا نسيتم، إليكم ملخصاً لما وقع: في الرابع عشر من  تشرين الثاني، أسقط طيار إسرائيلي قنبلة من طراز جيه دام وزنها طن على مبنى كانت تنام فيه عائلة من ثمانية أفراد، خمسة منهم كانوا أطفالاً، واثنان منهم من الرضع.
في البداية، حاول الجيش الإسرائيلي التنصل من المسؤولية عن قتل عائلة السواركة (والتي فقدت منذ ذلك الوقت فرداً أخر من أفرادها متأثراً بما أصيب به من جروح، فصار مجموع من قتلوا في الغارة تسعة). وادعى المتحدث باسم الجيش باللغة العربية أن البناية كانت مقراً قيادياً لحركة الجهاد الإسلامي وأن بها وحدة لإطلاق القذائف من المنطقة الوسطى في قطاع غزة.
إلا أن صحيفة هآريتز كشفت عن أن الهدف كان عمره عاماً واحداً على الأقل، وأن المعلومات الاستخباراتية كانت تعتمد على الإشاعات، وأن أحداً لم يأبه بالتأكد مما إذا كان أحد يعيش داخل المبنى: قاموا فقط بإلقاء القنبلة ومضوا.
لقد عجزت الاستخبارات العسكرية عن تحديث بنك المعلومات لديها منذ عام بينما لديها القدرة على تحديد وضرب أهداف متحركة مثل بهاء أبو العطا، قائد المنطقة الشمالية من قطاع غزة في حركة الجهاد الإسلامي، أو محاولة قتل أكرم العجوري، عضو المكتب السياسي للحركة المقيم في دمشق.
لم يكن الجيش الإسرائيلي بحاجة لأن يعبأ حتى يكذب، فلا أحد يلتفت، كما أن صحفاً مثل الغارديان والنيويورك تايمز والواشنطن بوست لم تعبأ بتخصيص أدنى مساحة على صفحاتها سواء لخبر تبادل القذائف أو لخبر مقتل عائلة السواركة.
هذه هي غزة الآن: حصار وحشي يفرض على شعب منسي في أوضاع تتنبأ الأمم المتحدة بأنها ستكون غير مناسبة للعيش بحلول عام 2020، أي العام الذي لا تفصلنا عنه سوى أسابيع قليلة.
ليس من الصواب القول إن موت أفراد عائلة السواركة قوبل داخل إسرائيل باللامبالاة.
تجدر الإشارة إلى أن بيني غانتز هو المنافس الوحيد لبنجامين نتنياهو على الزعامة، وكل من يظن خاطئاً في العواصم الغربية أن غانتز رجل محب للسلام، لمجرد أنه يتحدى نتنياهو، فإن عليه أن يتأمل في سلسلة مقاطع الفيديو حول غزة والتي نشرت مؤخراً لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، وكانت قد سجلت له أثناء حملته الانتخابية.
يبدأ أحد هذه المقاطع بصور أشبه ما تكون بما يمكن أن تكون طائرة روسية مسيرة قد التقطتها بعد أن قصفت موقعاً في شرق مدينة حلب. حجم الدمار يشبه ذلك الذي حل بمدينة دريزدن الألمانية أو مدينة ناغازاكي اليابانية. بعد ثوان معدودة يدرك المشاهد أن هذه الصور الملتقطة بواسطة طائرة مسيرة إنما القصد منها هو الاحتفال بالتدمير بدلاً من إدانة مرتكبه.
لا غموض يكتنف الرسالة العبرية المصاحبة للمقطع، والتي تؤكد أن ما جرى ما هو في عرف القانون الدولي إلا جريمة حرب. تقول الرسالة: «أجزاء من غزة أعيدت إلى العصور الحجرية …. 6231 هدفاً تم تدميرها … 1364 إرهابياً تم قتلهم …. 3.5 عاماً من الهدوء …. القوي فقط يفوز.»
عدم المبالاة ليست الكلمة الصحيحة، بل الأمر أقرب ما يكون إلى الاحتفاء.
يعود خنق إسرائيل لقطاع غزة إلى ما قبل الحصار الذي بدأ بعد أن سيطرت حماس على القطاع في عام 2007. فكما يقول الكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت، لطالما عشعشت في أذهان الزعماء الإسرائيليين فكرة الإبادة العرقية حين يتعلق الأمر بما ينبغي أن يفعلوه بالقطاع الذي دفعوا إليه بكل تلك الأعداد من اللاجئين بعد عام 1948.
في عام 1967، شكل رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول وحدة لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة.
قال حينها إشكول: «بالضبط بسبب الخنق والسجن هناك، سوف ينتقل العرب إلى قطاع غزة … وربما لو لم نمنحهم ما يكفي من المياه فلن يكون لديهم خيار، لأن الأشجار ستصفر وستذبل.»
وفي عام 2006، قال دوف ويزغلاس، المستشار في الحكومة الإسرائيلية: «الفكرة هي أن نضع الفلسطينيين في نظام تغذية، لكن دون أن نصل بهم إلى الموت جوعاً.»
لم تتراجع أو تخف حدة هذه المشاعر مع مرور الزمن.
إنما الفرق اليوم هو أن زعماء إسرائيل ما عادوا يشعرون بالحاجة إلى إخفاء ما يجول بخاطرهم تجاه غزة. فكما فعل غانتز، باتوا يصدعون جهاراً بما كانوا من قبل يسرون به في المجالس الخاصة أو يخطر ببالهم.
في السر، لم يتوقف رؤساء الوزراء الإسرائيليين في التواصل مع حركة حماس عبر وسطاء، وبشكل رئيسي بخصوص تبادل الأسرى.
وقام طوني بلير، المبعوث السابق للرباعية الدولية، بالتواصل من خلال جهوده الدبلوماسية عارضاً على حماس إقامة ميناء بحري ومطار جوي مقابل إنهاء الصراع مع إسرائيل. إلا أن جهوده لم تثمر شيئاً.
كما عرضت حماس بشكل مستقل هدنة طويلة المدى وغيرت ميثاقها لكي يعكس قبولها بتسوية على أساس حدود فلسطين ما قبل عام 1967. إلا أنها رفضت تفكيك قواتها المسلحة أو تسليم أسلحتها. بالمقابل، انتهى الأمر بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بالسير في طريق الانحلال والتلاشي السياسي منذ أن اعترفتا بحق إسرائيل في الوجود. ولا شك أن ما آلت إليه أوضاعهما لا يوفر حافزاً لا لحركة حماس ولا لغيرها من فصائل المقاومة في غزة لانتهاج سلوك مشابه.
طوال ذلك الوقت بات واضحاً ذلك التذبذب بين اللجوء إلى المفاوضات والذهاب إلى الحرب وكذلك تغليب مصالح الأطراف الأخرى التي ترى استمرار فرض الحصار على قطاع غزة. في بعض الأوقات، كانت هذه الأطراف أكثر كاثوليكية من البابا نفسه وأشد حرصاً على رؤية غزة وحركة حماس تركعان وترضخان.
ومن هذه الأطراف مصر تحت الحكم العسكري بقيادة عبدالفتاح السيسي.
في عام 2012، في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، كان يمر عبر معبر رفح ما متوسطه 34000 شخص كل شهر. بينما في عام 2014، بعد أن جاء السيسي إلى السلطة، ظلت حدود غزة مع مصر مغلقة لـ 242 يوماً. وفي عام 2015 بقيت الحدود مغلقة لـ 346 يوماً ولم تفتح سوى لتسعة عشر يوماً. بل لقد شغل السيسي المعبر الحدودي في رفح تماماً كما تفعل إسرائيل نفسها.
يشبه المعبر صنبور المياه: أغلقه فتمارس ضغطاً سياسياً على حركة حماس من خلال حرمان المرضى من الوصول إلى حيث توجد الرعاية الطبية المناسبة، وافتحه فتخفف الضغط الذي تمارسه على نزلاء هذا السجن الضخم.
المتواطئ الثالث في فرض الحصار على غزة هو السلطة الفلسطينية ذاتها. فحسبما تقول حماس، بادرت السلطة الفلسطينية منذ شهر نيسان من عام 2007 إلى قطع رواتب موظفيها في قطاع غزة، مجبرة بذلك ثلاثين ألفاً من موظفي القطاع العام على التقاعد المبكر، وقلصت أعداد التصاريح الطبية بتلقي العلاج في الخارج، وقطعت الأدوية والمستلزمات الطبية. على الأقل، لا يوجد من يجادل في حقيقة أن الرواتب قد قطعت فعلاً.
كما ذكر موقع ميدل إيست آي هذا الأسبوع، كان الأثر التراكمي للحصار على القطاع مدمراً.
تخيل كيف كان المجتمع الدولي سيتصرف لو أن هونغ كونغ أو نيويورك، وكلاهما مشابه لغزة من حيث ازدحام أراضيه بالسكان، وصلت فيهما نسبة البطالة إلى 47 بالمائة، ونسبة الفقر إلى 53 بالمائة، وبلغ حجم صف التعليم في المدارس في المتوسط 39 طالباً، وبلغت نسبة وفيات الرضع فيه 10.5 من كل ألف من المواليد.
لقد تعود المجتمع الدولي على إعفاء إسرائيل من المحاسبة على ما تمارسه به من عقوبة جماعية وعلى ما ترتكبه من انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان.
ما هو مؤكد أن غزة ينبغي أن تكون لطخة عار في جبين الضمير العالمي.
وسواء من خلال الإهمال أو بحكم الأمر الواقع، ساهمت جميع الحكومات الغربية فيما يعانيه القطاع من بؤس وشقاء. كل هذه الحكومات متواطئة في إجراء تجربة لا إنسانية: كيف تبقي مليوني إنسان في مستوى من العيش لا يطاق ولا قبل لأحد أن يعيش فيه، كما تقول الأمم المتحدة نفسها، ولكن مع إبقائهم على قيد حياة مريرة على شفا هوة من الموت الجماعي.
ما الذي ينبغي أن يحدث حتى يتغير هذا الحال؟ إلى متى سنستمر في طمس غزة ولاجئيها – كما يفعل غوغل – وحذف المعاناة اليومية من الضمير الجمعي للعالم؟ (موقع ميدل إيست أي البريطاني)

اكتب تعليقك على المقال :