من خلال سورة الأنفال، المعركة بين معسكري الحق والباطل مستمرة منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة وإن اختلفت جولاتها وصورها وأشكالها من حين لآخر.
ونحن في هذه الفترة الزمنية- مرحلة لها ما بعدها- في تاريخ الأمة وفي تاريخ مصر خاصة، ونحن مقبلون على الانتخابات البرلمانية، وهي جولة من جولات الصراع والتدافع بين الحق والباطل، فمن أجل ذلك لا بد أن نذِّكر أنفسنا وإخواننا الكرام بعوامل النصر من خلال سورة الأنفال؛ لأن فيها الذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)﴾ (الأنفال).
** العامل الأول من عوامل النصر (الثبات):
من الصفات الأساسية للجيل الموعود بالنصر والتمكين أنه جيل صابر.. يتحمل ما يلاقيه من ضغوط، ويجتاز ما يقابله من عقبات، ويثبت أمام المحن والبلايا التي يتعرض لها في طريقه لتحقيق هدفه المنشود، وأقصد بالثبات هنا الفكرة والمبدأ والهدف.
هناك أثناء السير عقبات كثيرة تعترضنا من غيرنا من المشككين والمخادعين والمنافقين؛ حتى يبعدونا عن الهدف، وأيضًا تحدث عقبات من صفنا، فتور البعض ويأس البعض وقلة الهمة، فعلينا النصح لهم والأخذ بأيديهم ونحن نسير نحو الهدف في ثبات وهمة عالية.. لقد علمنا أيها الأحبة بأن الطريق الذي يوصلنا إلى الهدف ليس مفروشًا بالورود والرياحين، بل طريق صعب، مرير، طويل.. مليء بالأشواك والعقبات.. يقف على جانبيه شياطين الإنس والجن يعملون جاهدين على إيقاف المسيرة، والحيلولة دون وصولهم إلى غايتهم التي نذروا حياتهم من أجلها في رضا مولاهم والفوز بجنته.
علم أبناء هذا الجيل طبيعة الطريق فوطَّنوا أنفسهم على ذلك، واعتصموا بربهم، وعاهدوه على المُضي قُدمًا في هذا الطريق، فإما أن يموتوا فيه مجاهدين في سبيل مولاهم، صابرين، ثابتين على عهدهم، أو يصلوا إلى هدفهم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)﴾ (الأحزاب).
– طريق أصحاب الدعوات:
إن طريق أصحاب الدعوات الصادقة- طريق التمكين- طريق واحد لا ثاني له، سار عليه الرسل وأتباعهم: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة).
يقول الصلابي: “الابتلاء مرتبط بالتمكين ارتباطًا وثيقًا، فلقد جرت سنة الله تعالى ألا يُمكِّن لأمة إلا بعد أن تمر بمراحل الاختبار المختلفة، وإلا بعد أن ينصهر معدنها في بوتقة الأحداث، فيميز الله الخبيث من الطيب وهي سنة جارية على الأمة الإسلامية لا تتخلف، فقد شاء الله تعالى أن يبتلي المؤمنين، ويختبرهم؛ ليمحص إيمانهم، ثم يكون لهم التمكين في الأرض بعد ذلك، ولذلك جاء المعنى على لسان الإمام الشافعي- رحمه الله- حين سأله رجل، أيهما أفضل للمرء أن يُمكَّن أو يُبتلى؟ فقال الإمام الشافعي: لا يُمكَّن حتى يُبتلى”، فإن الله تعالى ابتلى نوحًا، وإبراهيم، وموسى، ومحمدًا- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- فلما صبروا مكَّنهم. إذًا فسنة الابتلاء من لوازم طريق التمكين: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)﴾ (محمد).
ولا يوجد خيار آخر للتعامل معها غير الصبر والثبات والاعتصام بالله عز وجل ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: من الآية 250).
– أذكِّرك أخي الحبيب بالصبر والثبات عند الجيل الأول:
عندما نتأمل سيرة الجيل الأول نجد أنهم قد تعرضوا لفتن وابتلاءات عظيمة كان من أشدها ما تعرض له المسلمون الأوائل في مكة فصبروا وتحمّلوا وثبتوا على عهدهم مع الله.
** انظر ما حدث لبلال- رضي الله عنه- وما فعله معه عدو الله أمية بن خلف إذ كان يُخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له، لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فيقول- وهو في ذلك البلاء: “أحد، أحد”(1). (سيرة ابن هشام 1324- 325).
** ويقول عثمان بن عفان- رضي الله عنه-: بينما أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء إذ بعمَّار وأبيه وأمه يُعذبون في الشمس ليرتدّوا عن الإسلام، فقال أبو عمّار: “يا رسول الله، “الدهر كله هكذا” فقال: “صبرًا آل ياسر. اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت”.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم يراهم يُعذَّبون فكان يأمرهم بالصبر؛ لأنه يعلم صلى الله عليه وسلم أن طريق الدعوات لا بد أن يصاحبه إيذاء ومضايقات وعقبات، ولا بديل عن الصبر والتحمل واجتياز تلك العقبات حتى يأذن الله بالفرج.
** تأمل معي ما قاله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه خباب بن الأرتّ رضي الله عنه عند الكعبة يشكو إليه شدة ما لاقوه من الأذى، ويطلب منه أن يدعو الله لهم، فاحمر وجهه صلى الله عليه وسلم وقال: “لقد كان من قبلكم ليُمشط بأمشاط من حديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه!! وليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون” رواه البخاري.
وفي غزوة الأحزاب، ومع شدة البلاء، واجتماع المشركين على المؤمنين من كل جانب، وتضييق الخناق عليهم، تذَّكر هؤلاء ما أخبر به الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عما سيلاقونه من متاعب وهم في طريقهم لإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فزادهم ذلك إيمانًا وتسليمًا لله عز وجل وصبرًا واحتسابًا لما عنده ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)﴾ (الأحزاب).
ومما حكاه عن الفئات المؤمنة على مدار التاريخ في مواجهة المعركة: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)﴾ (آل عمران).
ويقول الأستاذ سيد قطب- رحمه الله-: “ولقد استقر هذا التعليم في نفوس العصبة المسلمة فكان هذا شأنها حيثما واجهت عدوًّا؛ وقد حكى الله- فيما بعد- عن العصبة التي أصابها القرح في “أُحد” فلما دعيت إلى الخروج ثاني يوم، كان هذا التعليم حاضرًا في نفوسها: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾ (آل عمران).
أخي الحبيب حقق فيك قول الإمام الشهيد حسن البنا رضي الله عنه وأرضاه لأصحاب الصفات النفسية التي يجب أن تُحلى بها على مدار الطريق، وخاصة في هذه الآونة الصعبة: “إرادة قوية لا يتطرق إليها لين ولا ضعف وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه أو الانحراف عنه أو المساومة عليه أو الخديعة بغيره”.
** العامل الثاني من عوامل النصر (ذكر الله تعالى):
“إن إصبع محمد بن واسع الأزدي أحب إليّ من ألف سيف شهير يحملها ألف شاب طرير”، كلمات سطرها التاريخ جاءت على لسان القائد العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي، ولكن يا تُرى ما هذه الإصبع؟ ألم تكن من لحم ودم وعظم ككل الأصابع؟، وما الذي ميَّزها فصارت أحب إلى القائد من ألف سيف شهير وهو المحتاج في أرض المعارك إلى كل جندي حتى يحقق النصر على عدوه، نعم إنها إصبع ذاكرة لله موصولة به سبحانه وتعالى، وهي من جسد ولحم ودم نبت من حلال طاب مطعمه، فكان مستجاب الدعوة ودم يتدفق من قلب فاض بالصدق والإخلاص وسلم من أن يكون فيه شريك لله أو حظ من حظوظ النفس والهوى وامتلأ فقرًا وذلاًّ وانكسارًا أو مسكنةً لله رب العالمين، استحيا من الله فاستحيا الله أن يرد له دعوة فكان مستجاب الدعوة.
وعندما خرج صلاح الدين الأيوبي على الجيش وجده قسمين، أحدهما يذكر الله والآخر مشغول بغير الذكر فأشار على الذي يذكر وقال: “من هنا يأتي النصر” وعلى الآخر “من هنا تأتي الهزيمة”.
وآيات الذكر في القرآن الكريم مقرونة بالذكر الكثير الذي يفيد المداومة والاستمرارية التي يتصف بها أهل الحق- أصحاب المشروع الإسلامي الحضاري- ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب: من الآية 35) وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾ (الأحزاب).
فجيل التمكين جيل عابد لله عز وجل.. كثير الذكر، كثير الطاعة.. جيل تعرفه الملائكة، وتشهد له المساجد بأنه من عمَّارها وأوتادها- يبكر للصلاة، ويحافظ على السنن.. لا يفوته قيام الليل مهما كان تعبه.. له أوراد يحافظ عليها من نوافل وصلوات وكذلك الأذكار وقراءة القرآن، قرة عينه في الصلاة، يطيل الركوع والسجود، ويكثر مناجاة ربه، كثير الإنفاق، كثير الصيام، كثير الدعاء، لا يشغله اهتمامه بالناس ودعوتهم عن اهتمامه بنفسه، فهو دومًا يحافظ على توازنه، وزاده الإيماني.
** يصف سيدنا علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- الصحابة فيقول: “لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلم أر اليوم شيئًا يشبههم، لقد كانوا يُصبحون شُعثًا غُبرًا، بين أعينهم أمثال رُكب المعزى، قد باتوا لله سُجدًا وقيامًا، يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهَملَتْ أعينهم حتى تبلّ ثيابهم..”.
ويقول الأستاذ سيد قطب- رحمه الله-: “إن ذكر الله عند لقاء العدو يؤدي وظائف شتى، إنه الاتصال بالقوة التي لا تغلب والثقة بالله الذي ينصر أولياءه.. وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها، فهي معركة لله، لتقرير إلوهيته في الأرض، وطرد الطواغيت المغتصبة لهذه الألوهية، وإذن فهي معركة لتكون كلمة الله هي العليا لا للسيطرة، ولا للمغنم، ولا للاستعلاء الشخصي أو القومي، كما أنه توكيد لهذا الواجب- واجب ذكر الله- في أحرج الساعات وأشد المواقف، وكلها إيحاءات ذات قيمة في المعركة يحققها هذا التعليم الرباني، ويقول ابن عطاء الله السكندري في حكمه: “محال أن تعرفه فلا تذكره ومحال أن تذكره فلا تتذوق طعم ذكره ومحال أن تتذوق طعم ذكره وتنشغل بغيره”.
أخي صاحب الدعوة يغدو ويروح بين الناس وله غدو ورواح في الملأ الأعلى، يعيش في الدنيا ولا تعيش فيه، يأكل منها ولا تأكل منه (فكن أنت).
** العامل الثالث من عوامل النصر (طاعة الله والرسول (صلى الله عليه وسلم):
يقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ(32)﴾ (آل عمران)، فمن الآية الكريمة يتضح أمران:-
الأمر الأول: أن طاعة الله وطاعة الرسول أمران متلازمان، فيقول سبحانه في سورة النساء: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا(80)﴾.
فطاعة الرسول هي طاعة لله عزَّ وجل ومعصيته معصية لله، لأن أوامره ما هي إلا وحي من الله وعمل بكتابه الكريم حيث يقول الله تعالى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)﴾ (النجم).
الأمر الثاني: والهام هو أن حب المؤمن لربه ولنبيه هو السبيل للطاعة، والحب الحقيقي الصادق يعني أن يكون العبد مطيعًا لله في السر والعلن، ويكون هواه تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. فكثير من الناس يدَّعون محبَّة الله ورسوله؛ ولكن تأتي المعصية واتباع الأهواء لتظهر نقيض ذلك.
وقال تعالي: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)﴾ (النساء)، وقال تعالى ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: من الآية 63).
بعد صلاة الجمعة ألقى صلى الله عليه وسلم كلمة وقال: “يا أيها الناس! اجلسوا” فأتى ابن رواحة وهو على الرصيف خارج المسجد في شمس المدينة فجلس مكانه، قال الصحابة: ما لك يا بن رواحة؟ قال يقول عليه الصلاة والسلام: اجلسوا، فجلستُ مكاني، لا يجوز لي أن أتعدى مكاني، ما دام أنه أمر صلى الله عليه وسلم.
أتاه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال: “يا رسول الله! سمعتُ أنك تريد قتل أبي، فإن كنت تريد قتل أبي لا ترسل أحدًا من الناس، فإني لا أستطيع أن أعيش وقاتل أبي يمر على الأرض؛ لكن أرسلني لآتيك برأسه، والله يا رسول الله! إن أمرتني أن أقتله وأقتل أبنائي لقتلتهم”.
** موقف الحباب بن المنذر في موقعة بدر الكبرى (.. أهذا المنزل أنزلكه الله أم هي الرأي والحرب والمكيدة؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “بل هي الرأي والحرب والمكيدة” وأخذ برأي الحباب وتقدموا نحو آبار بدر.
** في أُحد بسبب عدم الطاعة ومخالفة الرماة لأمر القائد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحوَّل النصر إلى هزيمة وأصيب النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد سبعون من الصحابة بسبب عدم الطاعة ومخالفة التعليمات.. ويقول الأستاذ سيد قطب- رحمه الله-: “وأما طاعة الله ورسوله، فلكي يدخل المؤمنون المعركة مستسلمين لله ابتداءً، فتبطل أسباب النزاع التي أعقبت الأمر بالطاعة: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 40)، فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجِّه الآراء والأفكار. فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم- مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة- فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبيَّن له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع “الذات” في كفة، والحق في كفة وترجيح الذات على الحق ابتداءً!.. ومن ثمَّ هذا التعليم بطاعة الله ورسوله عند المعركة.. إنه من عمليات “الضبط” التي لا بد منها في المعركة، إنها طاعة القيادة العليا فيها، التي تنبثق منها طاعة الأمير الذي يقودها، وهي طاعة قلبية عميقة لا مجرد الطاعة التنظيمية في الجيوش التي لا تجاهد لله، ولا يقوم ولاؤها للقيادة على ولائها لله أصلاً.. والمسافة كبيرة كبيرة.
** العامل الرابع من عوامل النصر: (عدم الاختلاف والتنازع)
قال تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: من الآية 103)، وفي اعتقادي أن من الأهمية بمكان أن تهتم حركتنا المباركة (الإخوان المسلمون) في كل الأقطار بالأصول المهمة التي يجتمع عليها أبناء الصف والمسلمون جميعًا في كل بلد وكل قطر حتى يكون الاتحاد على أصول قوية ثابتة ونفوِّت الفرصة على المنافقين والمخادعين والأفَّاكين في أن يفرِّقوا بين أبناء الصف أولاً، وبين الصف وعموم المسلمين ثانيًا.
واعلم أخي الحبيب أن مثل حدث الانتخابات مناسبة للغير أن يجد الفرصة لشق عصا الفرقة في الصف، فلنفوِّت عليه ذلك بتمسكنا بتعاليم ديننا الحنيف، واعلم قول النبي “صلى الله عليه وسلم” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “إن الله يرضى لكم ثلاثًا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأن تناصحوا من ولاة الله أمركم” أخرجه الإمام أحمد (18، 26).