اكد علماء دين ضرورة التزام المواطنين وامتناعهم عن الاختلاط والتجمع والتجول، لمكافحة وباء فيروس كورونا المستجد ومنع انتشاره والتقليل من آثاره، حفظا للنفس من الهلاك وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية؛ والواجب على الجميع التعاون في ذلك.
ودعوا في احاديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إلى التعاضد والتكاتف لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد، للانتصار عليه والتقليل من آثاره، مشيدين بالإجراءات الحكومية المتخذة لمجابهة الوباء وتداعياته والتخفيف عن المواطنين في هذه الأزمة العالمية.
وقال مفتي القوات المسلحة العميد الدكتور ماجد الدراوشة، ان هذا البلاء، امتحان نخوضه، وقد يكون الامتحان حربا مسلحة أو مجاعة أو جرادا، وان الله ابتلانا بمخلوق ضعيف، نستطيع أن نتقيه بغسل اليدين، وهي أبسط وسائل السلامة العادية.
ودعا الدراوشة إلى التوجه إلى الله بالدعاء، فالأمراض والابتلاءات من الله، يصيب بها من يشاء ويدفعها عمن يشاء، لقوله تعالى ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )، وعلينا الرجوع إلى الله وان نحاسب انفسنا وان نعيد حساباتنا، وان نتقرب إلى اسرنا ونساعد أبناءنا وأهلنا وجيراننا.
كما دعا إلى التكاتف والتعاضد والعمل على رص الصفوف ضد هذا الوباء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أحب الناس إلى الله انفعهم للناس)، وقوله ( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه)، داعيا الجميع ولا سيما الشباب إلى تفقد الأهل والجيران، خصوصا كبار السن، والمبادرة بسؤالهم عن حوائجهم والتي قد لا تكون مادية. وأشار إلى إن العبء الأكبر اليوم يقع على عاتق الأسر التي يجب عليها أن تتحلى بالصبر وان تتجاوز عن الهفوات، لتبقى متماسكة متعاضدة، وان الخير قادم والخطر زائل بإذن الله، وان الأمم مر عليها أكثر من ذلك، مذكرا أن اعز الناس وخيرهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ). ولفت إلى ضرورة توجيه طاقات الشباب للقيام بالمبادرات والأعمال الخيرية من خلال اختصاصاتهم المتنوعة الأكاديمية والمهنية وتوجيهها للأعمال المفيدة للمجتمع والوطن، والبحث عن الطرق الفضلى لقضاء الوقت وتوظيف الطاقات الشبابية والإستماع لحكمة الشيوخ والكبار بالتوجيه والنصح. وحذر الدراوشة من تناقل الإشاعات والتعامل معها وتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعدم أخذ المعلومات إلا من مصادرها الرسمية، والالتزام بالتعليمات والإجراءات الحكومية وطاعة أولياء الأمر، داعيا التبليغ عن أي مريض أو من يشتبه بإصابته أومن المخالطين وان السكوت عنهم يؤدي إلى الضرر بالمجتمع و انتشار المرض، فضلا عن أن من يخفي مرضه ويتسبب في موت احدهم فهو آثم وقاتل.
كما دعا علماء الدين وغيرهم من الخبراء والمتخصصين في العلوم الحياتية والبيولوجية، إلى بيان كيفية التعامل مع هذا الوباء، وأن يوجهوا رسائلهم إلى الناس عبر صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، بزرع الثقة والطمأنينة واليقين والتفاؤل، وان يحسنوا الظن بالله، وأن من انزل هذا البلاء هو القادر على رفعه.
بدوره، قال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأسبق الدكتور علي الفقير، إن الابتلاء سنة إلاهية لا يسلم منها عصر من العصور، وقد رسم لنا الإسلام منهجا واضحا لمعالجة هذه الأوبئة تجمع بين الأسباب الشرعية والأسباب المادية لان الناس ومهما تقدموا في العلم والطب وسائر العلوم إلا انهم يعجزون عن إيجاد العلاج لكثير من الأمراض، فليس لهم إلا الله عز وجل ليكشف عنهم الضر والمرض والبلاء. وأضاف أن من طرق العلاج وسبل مجابهته ما نشهده في هذه الأيام من إجراءات حكومية رشيدة، من إقامة الحجر الصحي وحظر التجول ومنع التجمع، تماشيا مع هدي الإسلام الذي ارشدنا إلى عدم الذهاب إلى الأرض التي ينتشر فيها الوباء أو الخروج منها، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الاختلاط بأهل المرض المعدي فقال: (فرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد).
وأشار الدكتور الفقير إلى أن الدعوة إلى الامتناع عن الاختلاط والحجر الصحي وعدم التجمع والتجول هو من هدي الإسلام، كان لزاما على المؤمنين الالتزام به حفظا للنفوس من الهلاك وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية ؛ فالواجب علينا جميعا التعاون في ذلك. وأشاد بإجراءات الحكومة التي بذلت جهدها وما تستطيع لتوفير قوت المواطن والعلاج والرعاية الصحية وخاصة للفقراء والمحتاجين والمتعففين عن السؤال، وتلمس احتياجاتهم، وقد لمسنا اهتماما حكوميا، لافتا في هذه الجوانب. ووجه الفقير رسالة إلى شباب الوطن، الذين يتميزون بالالتزام والعلم والثقافة، أن يكونوا على قدر المسؤولية، وان ما يمر به العالم وهذا البلد من ظروف استثنائية هو درس لهم في الحياة للعمل والاجتهاد والعودة إلى الله والالتزام بشرعه، وليعلموا أن في هذا البلد الخير الكثير الكثير.
من جانبه، قال عميد كلية الشريعة الأسبق في الجامعة الأردنية وعضو مجلس الإفتاء الدكتور محمود السرطاوي، إن الأردن بقيادته الحكيمة أول من نادى للتعاون والتكاتف الدولي لمواجهة وباء كورونا والآثار المتمخضة عنه، وما ذلك إلا لما يؤمن به من موروث ثقافي وحضاري يجعل من التعاون في الشدائد أمرا واجبا وفرضا حتميا، لافتا إلى أن هذا الموروث الحضاري هو الذي تم استدعاؤه في بلدنا الأردن لمواجهة وباء كورونا لتلافي الكثير من الأخطار وتقليل الأضرار المترتبة عليه. وأشار إلى أن الأردن أصبح من الدول الرائدة على مستوى العالم في الإجراءات المتخذة لمواجهة الكورونا، وتقدم على دول عظمى، رغم الفوارق في الموارد والإمكانات، وما كان ذلك ليتحقق لولا التخطيط المبرمج والذكي والتعاون بين الحكومة والشعب. وشبه الدكتور السرطاوي الوضع القائم اليوم كالسفينة إما أن يحسن الربان قيادتها ويتعاون جميع ركابها معه، بالامتثال لتعليماته والالتزام بها، والعمل على عدم خرقها لتتحقق نجاة الجميع إن شاء الله تعالى، وإما أن لا يتعاون بعض من فيها فيخرق فيها خرقا يؤدي إلى غرقها وغرق الجميع ،مؤكدا أننا في هذه السفينة لا نجاة إلا بتعاوننا جميعا وان يكون كل واحد منا جنديا حارسا لنفسه ولأهله ووطنه من الضرر.
وثمن الجهود التي تبذلها الحكومة والقوات المسلحة – الجيش العربي ورجال الأمن العام وجميع الكوادر الطبية فهم العين الساهرة، يواصلون الليل بالنهار وهم يقومون بالأعمال المضنية وبقسمات وجوههم الهم الذي يحملونه لراحتنا وما يحقق امننا وسعادتنا، مؤكدا انه ينبغي على الجميع أن يفتخر ببلده ورجالاته وقيادته.
وقال: على الجميع أن يقدم كل ما لديه من قدرات لتحقيق مبدأ التعاون والتكافل الاجتماعي، لاسيما الشباب بالتطوع لأعمال الخير وتقديم العون والمساعدة للمجتمع، موضحا أن المطلوب من الجميع بهذه الظروف الاستثنائية أن يبذلوا الخير وان يجودوا بما وسع الله عليهم، لإخوانهم ولجيرانهم الذين لا يجدوا كفايتهم من العيش الكريم، والتبرع وشكر نعمة الله عليه لتدوم هذه النعمة.
وحول البرامج والأعمال التي يمكن أن ينجزها الناس بهذا الوقت وهم بمنازلهم، أشار الدكتور السرطاوي إلى أنها فرصة ثمينة لتدبر آيات القران الكريم والسنة النبوية وسيرة الصحابة، والاطلاع على الكتب الثقافية والأدب والشعر، واستمرار الطلبة بمذاكرة دروسهم ومتابعتها مع أساتذتهم عبر المنصات التعليمية المخصصة، لافتا إلى أن الأزمة تعلمنا أهمية الاقتصاد في النفقة و الادخار لأيام الشدة والصبر والتحمل وان كل شيء بيد الله.