د. علي العتوم
دروس مسجدية (للتربية والتوجيه) (218):
(بعثَ صلى الله عليه وسلّم عبدَ الله بن حُذافة السهمي إلى كسرى عظيمِ فارس كسرى أبرويز ملك الفُرس سنة ستٍّ, وبعثَ معه كتاباً فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد رسول الله إلى كسرى عظيمِ فارس, سلامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى, وآمَنَ باللهِ ورسولِهِ, وشَهِدَ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ محمداً عبدُه ورسولُه. أدعوكَ بدعايةِ اللهِ عزّوجلّ, فإنّي أنا رسولُ اللهِ إلى الناسِ كافّةً, لأُنذِرَ مَنْ كانَ حيّاً, ويَحِقَّ القولُ على الكافرينَ, أسلِمْ تَسْلَمْ, فإنْ أبيتَ فعليكَ إثمُ المجوسِ”.
فلمّا قرأَ كسرَى الكتابَ, غَضِبَ ومزَّقَه, وقالَ: يكتبُ إليَّ هذا, وهو عبْدِي, فقال – صلى الله عليه وسلّم, حينَ بَلَغَهُ ذلك -: “مُزِّقَ مُلْكُهُ”).
جمهرة رسائل العرب – في عصور العربية الزاهرة – الجزء الأول – العصر الجاهلي, عصر صدرِ الإسلام – تأليف أحمد زكي صفوت (الحلبي) الطبعة الثانية 1391هـ , 1971م – القاهرة.
تعليقات:
1. التعريف
• عبد الله بن حُذافة السَّهمي:هو عبد الله بن حُذافة بن قيس بن عَدِي بن سعد بن سهم القرشيّ, يُكنَّى أبا حُذافة. أسلمَ قديماً, وصَحِبَ النبيّ صلى الله عليه وسلّم, وهاجرَ إلى أرضِ الحبشة. وهو أخو خُنَيْس بن حُذافة زوج حفصة بنت عمر بن الخطّاب قبلَ النبي صلى الله عليه وسلّم. وهو الذي حَمَلَ كتابَ النبيّ صلى الله عليه وسلّم, لكسرى فمزَّقَه, فقال – صلى الله عليه وسلّم -: مَزَّقَ اللهُ مُلْكَه. وهو الذي سأل رسولَ الله – وهو يخطُبُ على المنبر -: مَنْ أبي يا رسولَ اللهِ؟! قال له: أبوكَ حُذافة, ولعلّه كان حولَ حقيقةِ: مَنْ أبوه خِلافٌ على عادة العرب في الجاهلية من مُلابسة الفواحش. وكان في ذلكَ تطمينٌ وتبرئة له ولأسرته. وقد كانَ في عبد الله دُعابة. وهو الذي جرت معه القصّة عندَ ملكِ الروم عندما أسَرَهُ وعدداً من المسلمين, وطَلَبَ منه أنْ يتنصَّرَ فيُزوِّجَه ابنتَه ويُقاسَمَه مُلْكَه, فأَبَى, فطلبَ منه أنْ يُقبِّلَ رأسَه, فقال: ولكنْ إذا أطلقتَ سراح إخواني الأسرى أفعل, فَقَبِلَ فَقَبَّلَ رأسَه, وأطلَقَ العِلْجُ إخوانَه الأسرى, وعندما وصلَ إلى المدينة على عهدِ إمارة عمرَ, قيلَ: قام إليه عمرُ فقَبَّلَ رأسه, وقال: حُقَّ لِمَنْ كان مثلَ عبد الله أنْ يُقبَّلَ رأسُه!!
• كسرى: هو لقب كُلّ رئيس من رؤساء الفرس. وهو كسرى أبرويز.
2. المعاني:
اتَّبَعَ الهُدى: لا تنصرِف إلاّ لِمَنْ يُوحِّدُ اللهَ. تسلَمْ: أي تَنْجُ من عذابِ النار. المجوس: قومه مِمَّنْ هم على شاكلته في العبادة والاعتقاد, والمجوس هم عبدةُ النار من الفُرس. مزّق الله مُلْكَه: دعا عليهفقَتَلَه ابنُه شيرَوَيْه, وما لبثَ أنِ انتهى عهدُ الأكاسرة بفتوح المسلمين لبلادهم.
3. ما يستفاد من الخبر:
أ. صَدَعَ الرسولُ بالدعوةِ في أرضِ جزيرة العرب حيث قومُه, وصَدَعَ بها خارجَها في كُلِّ العالَم آنذاك, فبَعَثَ رسائِلَه للملوك والكبراء خارجَ الجزيرة, ومنهم كسرى أبرويز هذا الذي كان من أعظمِ ملوك الأرض وأكثرِهم غطرسةً وكبرياءَ, حيثُ كانَ يتلقَّب الواحد من أولئكَ لتنفُّجِهم وعجرفيّتهم بـ (شاهنشاه) أي ملك الملوك. علماً بأنَّ هذا اللقب لا يجوز إلاّ لله.
ب. الأسلوب الحكيم أنْ تُخاطِبَ مَنْ تُرسِلُ إليهم الرسائلَ بتقديرِ مقاماتهم وحسبَ منازلهم, مع البُعدِ عن أي تملُّقٍ لهم. ومن هنا خاطبَ الرسول كسرى بعظيم الفُرس. وهو حقّاً عظيمهم وكبيرُهم.
ج. السلامُ بصيغته العربية الإسلامية لا يُلْقَى إلاّ على الموحِّدين, أمّا سلامُ الرسول عليهم فهو عامٌّ في أسلوبِ حكمةٍ وذكاءٍ, إذْ قال: السلامُ, على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى, ومَنْ لا يُريدُ اتِّباعَ الهُدَى. ولذلك كان هذا السلام مناسباً لأمثال هؤلاء.
د. الدخول في الإسلام سبيلُ سِلْمٍ ونجاةٍ, وإنكارُ ذلك إنّما اختيارٌ للضلال, وخسرانٌ في الدنيا والآخرة.