ايران على موعد مع خمسين يوما الاصعب في تاريخها والاكثر حساسية، فأي خطوة خاطئة ستنهي اللعبة الاستراتيجية الايرانية الامريكية الاسرائيلية التي بدأت منذ العام 1978، فايران ستكتفي بتحريك العساكر الى حين تغير اللاعبين ونواياهم؛ فطهران تفضل الشطرنج على كرة القدم الامريكية.
في بداية لعبة الشطرنج يكون أمامك 20 حركة متاحة، 16 للعساكر و2 لكل حصان؛ و بعد الحركة الأولى يصبح هناك 400 احتمال مختلفًا؛ و اغتيال العالم الايراني (محسن فخري زاده) فتح الباب لمزيد من احتمالات الصراع غرب اسيا؛ ليس من ضمنها الحرب على الارجح.
اغتيال العالم الايراني محدود بزمان ومكان اشبه ما يكون برقعة الشطرنج، وما ان تحرك احد البيادق على الرقعة حتى تزيد الاحتمالات والخيارات للاعبين وتزداد اللعبة تعقيدا؛ لدرجة ان الاحتمالات تفوق في عددها عدد مجرات الكون.
حادثة الاغتيال محيرة فيها الكثير من الأسئلة والقليل من الاجوبة؛ انها لعبة شطرنج تديرها عقول استخبارية؛ و علامات الاستفهام ستبقى قائمة وبدون اجوبة قطعية؛ فرغم الانفجار الذي شطر السيارة المفخخة الى نصفيين؛ فانه لم يلحق الكثير من الضرر بسيارة العالم الإيراني الا من بضع رصاصات في الزجاج الامامي و اضرار محدودة الحقت ضررا في لوحة الارقام التعريفية.
هل كانت السيارة مضادة للانفجار في حين لم تكن مضادة للرصاص؛ وهل يعقل ان سيارة العالم النووي غير محصنة؛ انه حادث غامض… هل توفي ام انه حي يرزق؛ هل بإمكان إسرائيل تأكيد وفاته ام انها عاجزة عن فعل ذلك؛ ماهو الرد الايراني؛ ما هو موقف إدارة بايدن؟
هل وصف الاتحاد الاوروبي للحادثة بالجريمة ودعوته للتهدئة ستحول دون رد فعل متسرع من طهران، والى اي حد الوكالة الدولية للطاقة مستاءة بعد ان فقدت اي فرصة للقاء العالم وطرح الاسئلة المهمة التي تلقي الضوء على البرنامج الايراني؛ فالرجل لم يعد هدفا للوكالة بعد ان اطاح به التفجير والرصاص.
الرواية الوحيدة المتوفرة إيرانية، لا يوجد رواية أخرى، رواية مرفقة بصور سيارة نزعت ارقامها الامامية لم يتضرر شيء من السيارة الا زجاجها الامامي، لست محللا امنيا ولكن هناك غموض فكيف للكيان الاسرائيلي أن يؤكد او ينفي وفاته؛ فالأمر يتطلب صور للمتوفى او صورة جوية او فضائية لموقع الحادث وعملية نقل المصابين على الاقدام او في الاكفان؛ إذا لم يمت فهذا يعني ان البرنامج النووي الإيراني أصبح سر كبير.
الاخبار تؤكد وفاة العالم الايراني وصور غير مؤكدة للعالم المصاب في سيارته يلفظ انفاسه الاخيرة لا يعلم من صورها ولا الجهة التي سربتها.
رواية اغتيال العالم تزداد غموض وتضارب منذ اللحظة الأولى انها مثل لعبة شطرنج تزداد تعقيدا وتكثر فيها الاحتمالات مع كل خطوة، فالرد الايراني المعلن سيتأخر بحسب رئيس الجمهورية حسن روحاني الذي قال شعبنا أكثر حكمة من أن يقع في فخ النظام الصهيوني… إيران سترد قطعا على استشهاد عالمنا في الوقت المناسب.
ايران لن تتورط في مواجهة مع الولايات المتحدة الامريكية المنتهية ولايتها في 20 يناير كانون الثاني من العام 2021؛ وستبذل طهران جهدها لتوظيف الحادثة على امل عزل ادارة ترمب وتوجيه رسائل ايجابية لإدارة بايدن من خلال الاستجابة لدعوات ضبط النفس.
خمسين يوم ستضغط فيها الادارة الامريكية والكيان الاسرائيلي على ايران وستتمادى على طهران مستفيدة من انتظارها الصبور لرحيل ادارة ترمب؛ وادارة بايدن ستبقى على اطلاع على التقارير الاستخبارية خلال الخمسين يوما دون ادنى تحرك؛ فهي بمثابة المراقب الى حين تولي بايدن السلطة.
ختاما، اختيار اللاعبين الشطرنج لتجنب الصدامات الناجمة عن لعب كرة القدم الأمريكية؛ لا ينفي وجود من يستشعر الضجر ويفضل كرة القدم على الطريقة الأمريكية، فاحتمال المواجهة والتصعيد بات واردا رغم الحذر الشديد.