صور الانحراف عن طريق الدعوة :
الانحراف عن الخط الأصيل لطريق الدعوة له صور عدّة منها : الظاهر الجلي، ومنها : المستتر الخفي، ويحدث الانحراف عن الغاية أو الهدف أو الفهم أو الوسائل والخطوات أو غير ذلك ، وستناول بعون الله ما يفتح الله به علّينا سائلين إياه أن يلهمنا الصواب وأن يجنبنا الزلل .
الانحراف عن الغاية :
الانحراف عن الغاية هو أخطر الانحرافات، وأشدها حاجة للحذر منه، فغايتنا على طريق الدعوة هو الله سبحانه، والانحراف هنا يعني أن يقصد غير الله، أو على الأقل يشرك مع الله غايات أو مقاصد دنيوية ومطامع شخصية، ومعلوم أن أي انحراف في الغاية ـ ولو كان بسيطًا ـ يعرض العمل كله للإحباط وعدم القبول . قال تعالي 🙁 لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) وقال صلي الله عليه وسلم عن رب العزة : ” أنا أغني الشركاء عن الشرك . فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ” لأن الله غني عن الشركة ولا يقبل إلا العمل الخالص لوجهه .
من هنا كان إخلاص النية لله ونقاؤها من كل شائبة أمرًا أساسيًا على طريق الدعوة، ويحتاج إلى المراجعة والاطمئنان الدائم؛ فالنفس لها أهواء والشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم، ويحرص دائمًا ـ دون ملل ـ على أن يفسد عليه عبادته وجهاده، وأن يحيط أعماله وثوابه .
أمراض القلوب مكمن الخطر :
قال صلي الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: ” ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ” .
- الرياء والغرور، والكبر والتعالي، وحب الزعامة وحب الظهور – الذي يقصم الظهور – والتطلع لأعراض الدنيا من مناصب، أو جاه، أو مال، أو سلطان.. إلي غير ذلك من الاهتمامات الدنيوية الهابطة.. كل ذلك من أمراض القلوب التي تنحرف بصاحبها عن الغاية، وهي أشد خطرًا من أمراض الأجساد؛ لأن أمراض الأجساد أثرها على الجسد الفاني فترة الحياة الدنيا، أما أمراض القلوبْ فأثرها ممتد مع الروح الباقية فترة الدنيا والآخرة. إن أمراض القلوب تفسد النية وتحبط الأعمال .
ولنعلم أن أمراض القلوب موجودة عند كل إنسان، ولكن المؤمن يقاومها دائمًا، ويقهرها في نفسه بقوة إيمانه وتقواه ودوام مراقبته لربه، وبتجديد النية وإيثار ما عند الله على كل أعراض الدنيا مستيقنا أن ما عند الله من جزاء خير وأبقي. إنه تجاذب وصراع دائم بين دوافع الخير ونوازع الشر ، مجاهدة للنفس لتزكيتها والقرب بها من الله ، وجذب الأرض لها بشهوات الجسد ورغباته الدنيوية ( قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها)
( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )
وليس بالضرورة أن يكون الانحراف عن الغاية يعني التوجه الكامل إلى الأغراض الدنيوية والتحول الكامل عن الله، ولكن مجرد وجود أي قدر من تلك الأغراض في النية واستقراره في القلب فهو انحراف كاف لإحباط العمل وإخراجه من دائرة الإخلاص لله. ومن مكامن الخطر في الانحراف عن الغاية، أنه لما كانت النية محلها القلب فقد يحدث الانحراف، ولا يظهر للناس إلا بعد وقت، حينما تطغي أعراضه وتظهر ، ويكون في ذلك الوقت قد أفسد غيره، أو ترك آثارا سيئة خاصة إذا كان في موقع مسئولية . وإن كانت النتيجة في النهاية إقصاء أصحاب مثل هذه الأمراض عن الصف إلا أن يعدلوا ويطهروا قلوبهم ويخلصوا نيتهم لله . فقد عودنا الله أن هذه الدعوة تنفي عنها خبثها قال تعالي : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الحبيث من الطيب ) كما أن المحن والابتلاءات التي تمر بها الدعوات والتي هي سنة الله في الدعوات من شأنها أن تنقي الصف، وتميز الصادق من غيره ( الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من فبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )
أهمية الإخلاص :
ولأهمية الإخلاص وما يترتب عليه وردت آيات وأحاديث نبوية كثيرة، نورد بعضها علي سبيل المثال: ( قل إني أمرت أعبد الله مخلصا له الدين * وأمرت لأن أكون أول المسلمين ) ( قل الله أعبد مخلصا له ديني ) ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت ) ( ألا لله الدين الخالص ).
( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) ( هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين ) ومن الأحاديث النبوية حديث ” إنما الأعمال بالنيات ” وهو حديث معروف يوضح أثر النية على العمل وعلى الجزاء، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم ” رواه مسلم . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية رياء أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ” متفق عليه .
- ولأهمية الإخلاص علي طريق الدعوة جعله الإمام الشهيد ركنًا من أركان البيعة العشرة؛ ليلزم كل أخ نفسه به وبالوفاء والمحافظة عليه من أي شائبة حتى لا ينكث في بيعته. وها هو يوضح مفهومه للإخلاص فيقول : ” وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله ، وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته، من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر . وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة، لا جندي غرض ومنفعة( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت ) . وبذلك يفهم الأخ المسلم معني هتافه ( الله غايتنا ) و ( الله أكبر ولله الحمد ) .
ومن أصالة رجل الدعوة على طريق الدعوة أن يصدق ما عاهد الله عليه، دون تبديل ولا تغيير؛ حتى يلقى الله على ذلك، فيكون ممن قال الله فيهم ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا * ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ) ونقدم بعد ذلك ملاحظات وعبر حول هذا النوع من الانحراف مما لمسناه خلال حياتنا في حقل الدعوة لعل فيه النفع إن شاء الله .