تُعبّرُ الأمثال الشعبية الفلسطينية المُرتبطة بشهر رمضان المُبارك بشكل متكامل عن روحانية هذا الشهر وحضوره في حياة الناس ديناً وتراثاً. ذلك أن للأمثال دورا تربويا وتعليميا ونقديا في المجتمع، وهي حصيلة ثقافة الشعوب المبنية على سلوكها وأيامها وحياتها.
وهذه الأمثال التي سأسردها تصف أحوالنا وتفسر عقليتنا وتظهر بوضوح سلوكياتنا وأدبياتنا المُرتبطة بعبادة الصوم التي هي واحدة من أهم مظاهر العبادة في المجتمع الإسلامي.
رمضان وفضله
رمضان حاضر في لسانيّات الناس وأقوالهم حثّاً على الصيام وبياناً لفضله وتذكيراً بأنه عبادة وفيه صحة وعافية، ومن ذلك:
ـ رمضان كريم: وهذا المثل صار مقولة للتهنئة في رمضان، وأصله لوصف كرم الناس وسماحتهم وطيب نفوسهم في هذا الشهر الفضيل. ويقال للاعتذار عن العزومة في نهاره.
ـ رمضان شهر الخير: وهو للتعبير عن كثرة الخير والبركات في هذا الشهر وأن الخير والإحسان يكثر، ويتسارع الناس للتبرع والتصدق وإخراج الزكاة فيعم الخير جميع الناس.
ـ صحة البدن في الصوم: وفي مِثلِ معناه ما قيل في الحديث “صوموا تصحوا”.
ـ صوم وصلي رزقك على ربي: ومثله قولهم “صوم وصلّي رزقك على الله”، ويقال لمن تعذر بمشقة العمل لترك العبادة.
ـ اللي ما بصوم ويصلي رزقه بِولي: ويقال للحث على التمسك بالصلاة والصوم، وأن تركمها سبب في عدم البركة في الرزق.
ـ ما تعيبوا يا قوم غير عَ الصلاة والصوم: وهذا المثل من الأمثال الحاثة على التمسك بالشعائر الدينية كالصلاة والصوم، وكثيراً ما يُقال هذا المثل عند حالات الطُلبة للزواج.
ـ صايم على ضرسه فاطر على خمسه: أي أن الذي يصوم ولا يأكل في نهار رمضان يأكل عند الإفطار بأصابعه الخمس.
ـ صوم بلا صلاة مثل الراعي بلا عصاه: في كثير من الأمثال يرتبط الصوم بالصلاة وهما من أهم مظاهر العبادة في المجتمع المسلم.
ـ كل شيء عادة حتى الصوم والصلاة والعبادة: ويقال للتبيين بأن الإنسان إذا اعتاد على عمل شيء معين ولو كان من الأعمال التعبدية فسيصبح عادة يصعب تركها.
ـ صوّام الدهر ما إله أجر: وهو قريب من الحديث النبوي “لا صام من صام الأبد”.
ـ زي رمضان بِطُلّ في السنة مَرة: ومثله قولهم “انت زي هلال العيدِ” وهو يُقال للشخص الذي نادراً ما يُرى بين الناس لانشغاله ونحوه.
ـ ابن سبعة صوموه، وان ما صَمِشْ الحق على أمه وأبوه: وفي هذا المثل التربوي تحديد لعمر الأطفال الذي يبدأ معه تعليم الصوم.
التقصير في رمضان وأحوال الناس مع ذلك
تُحاول بعض الأمثال التنبيه لخطورة أن يكون الإنسان موسمياً في العبادة، أو أن يكون حظه من هذا الشهر هو جوع معدته، ولذا تقول الأمثال:
ـ رمضان عذر البخيل: ويضرب في الرجل البخيل الذي يجد في صوم الناس عُذراً كي لا يقدم لهم لازم الضيافة.
ـ عبّاد شهره: يضرب للذي يصلي فقط في رمضان، أو من يؤمن بالحاجة عند وقتها فقط ويتصرف على غير سجيته.
ـ مثل خنزير رمضان: وقيل “مثل كلب رمضان” ويقال للشخص الذي يفطر في نهار شهر رمضان. وأحياناً يستخدم لممازحة الأطفال لتشجيعهم على الصيام.
ـ جُوع كلاب: ويقال لمن لا يعطي الصيام حقه، ويكون نصيبه من الشهر الجوع فقط.
ـ لا فيك ولا في صيامك: يضرب لمن لا يصون صيامه، ولا يراعي حرمة الشهر.
ـ احكي مع قليل الأصل ولا تحكي مع الصايم وقت العصر: وهذا المثل يصف بعض الصائمين آخر النهار وكيف تكون عليهم حالات التعب والعطش والجوع ولذا يُنصح بتنجنبهم لعصبيتهم.
صيام الأطفال في رمضان
يَحرص الآباء على حث أبنائهم على صيام شهر رمضان، حتى لو كان الصيام جزئياً ولوقت قصير من اليوم. فيقولون عن صيامهم: “صيام العصفورة” و “درج حرم”، ومن الأمثال التي تتحدث عن صيام الأطفال:
ـ صايم لِطَلْق الحمام: بمعنى أنه غير صائم، لأن الحمام يطلق من أبراجه عند طلوع الفجر.
ـ صوم الدجاجة والديك: قيل بأن الديك والدجاجة اتفقا يوماً على الصوم في رمضان إلا عن الأكل والشهوات. ويضرب المثل في صوم الأطفال.
ـ صام صيام القرش كل ما جاع بعبي الكرش: وهو عن صوم الأطفال، الذين كلما جاعوا أكلوا، وقالوا بأنهم صائمون.
تقسيم رمضان وانقضاء أيامه
لا تغفل الأمثال عن ذكر سُرعة انقضاء هذه الأيام المباركة وأن هذه المشقة في الصوم سُرعان ما ستصبح ذكريات لكن إذا تجمل المسلم بالصبر، ولذا جاءت الأمثال بصيغ متعددة لمحاولة خلق روح الصبر عند الصائمين:
ـ شهر إن هل زل: أي إذا دخل شهر رمضان فكأنه انتهى لسرعة مرور أيامه.
ـ شو ظايل من رمضان؟ عشرتين وتسعة وتالي هاليوم: تقال في اليوم الأول من رمضان للتشجيع على الصبر.
ـ إذا عَشّر دشر: بمعنى انتهر وغادر الشهر إذا بلغ اليوم العاشر كناية عن سرعة انتهائه، ومثله “إذا عشر كشر” أو “متى ما عشر كشر”.
ـ إذا عشّر بَشر: أي إذا بلغ اليوم العاشر فقد بشر بقرب رحيله.
ـ إذا تلّت فلّت: أي إذا مضى الثُلث الأول وهي أصعب أيامه يكون الرخاء في الثُلثين الباقيين فينقضي كأنه صار مرخياً سريعاً. وإبدال الثاء تاءً جاء لتتلاءم مع سجع المثل.
ـ بعد (الخمسطعش) بنطعش طعش: أي بعد انقضاء 15 يوماً من الشهر تمر الأيام سريعاً.
ـ خُذ من كوم رمضان وحط على كومك: ويقال بعد مرور نصف رمضان، للدلالة على أن ما مضى أكثر مما بقي من هذا الشهر.
ـ صام يوم وقال قديش ظايل للعيد: ويقال للمتعجل الملول الذي لا طاقة له على الصبر.
ـ الشهر على الباب: بمعنى أنه قد أوشك على الرحيل، ودائماً ما يكون هذا الشهر على عجل. وقريب منه قولهم “رمضان روح”.
ـ رمضان يا أبو الأيام ما ظل فيك غير خمس أيام: وتُقال للدلالة على انقضاء الشهر ومرور الخمس الأولى من الثُلث الأخير.
ـ رمضان يا أبو العيلة ما تم فيك غير هالليلة: وتقال في آخر رمضان وفي يومه الأخير.
الأكل في رمضان
وهو من أكثر ما يُشغل الصائمين، فتحاول الأمثال استحضار تقسيم رمضان والأتيان على ذكر الافطار والسحور وما يتصل بذلك من طريف الأمورحتى درجت مقولة “هو الصايم شو بده يوكل” والتي يوحي سياقها العام أن الصائم يأكل قليلاً :
ـ رمضان ثلث عشرات: عشرة مرق وعشرة حلق وعشرة خلق: ويقصد به أن أول عشرة تكون للطعام والشوربات “مرق”، والعشرة الثانية يكون تركيزهم فيها على الحلوى “حلق”، وتكون العشرة الثالثة للباس العيد (خلق”.
ـ لو كان الطهي على دي النهى لا رمضان خالص ولا العيد جي: مثل مصري يُقال لعدم المُبالغة في إعداد الطعام والانشغال به .
ـ إللي اتسحر اتسحر واللي ما تسحر راحت عليه: يقال لمن فاته الشيء.
ـ اللي بتسحر مع لولاد بصبح مفطر: لأنه سينشغل بالأطفال وإطعامهم ومشاكلهم ولذا ينصح المثل بعدم تناول السحور معهم.
ـ ابدأ طعامك باسم الله وألحقه بحمد الله: وهو من الآداب المتعلقة بالإفطار والأكل في رمضان.
ـ من قال الحمد لله شبع: يُقال لمن يحاول الإصرار على الناس كي يستزيدوا من الأكل. وأحيانا يُقال للحث على القناعة والرضا بما قسم الله.
ـ صام سنة وافطر على بصلة: وقديماً قالت العرب “صام حولاً ثم شرب بولاً”. والمثل يُقال لمن صام وأفطر على شيء زهيد لا يغني من الجوع. ومثله كذلك: “صام دهراً ثم نطق كفراً”.
ـ كبير البطن يبتان في رمضان: ومعناه أن صاحب البطن الكبير تراه وهو صائم يتضور جوعا ولا يقوى على الحركة يصيبه الكسل والخمول.
المسحراتي
المسحراتي من أهم مشاهد رمضان في ذاكرة الناس، ولا يزال صدى رنين طبلته وصوته حاضراً في الذاكرة، وكان المسحراتيون ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصبر لأنه مصدر دخلهم. والمثل هُنا يشير لذلك بطريقه طريفه:
ـ سمّوك مسحّر خلص رمضان: ومثله “عملوك مسحّر قال فرغ رمضان” و”جيت أعمل مسحراتي قالوا خلص رمضان” ويقال لصاحب الحظ العاثر.
ـ جيت أبيع حنة كثرت الأحزان وجيت اعمل مسحراتي خلص رمضان: ويقال لمن لا نصيب له، ولا حظ له في ما عزم على عمله.
وداع رمضان
هناك من يعزُّ عليه انقضاء الشهر لفضل العبادة فيه، وآخرون يزعم المثل أن حنينهم لمأكولات الشهر لا للعبادة فيه وفي ذلك قالوا:
ـ من محبتنا فيك يا رمضان نزيدك نهار: للتعبير عن حُب الشهر وعدم التضايق من الصوم فيه.
ـ مش بعيط عَ رمضان، بعيط عَ أكلاته: يضرب لمن يؤثر الفائدة على الأجر والعبادة ومثله قولهم: “ما بحب رمضان بحب طبخاته” وتقال لمن يدعي الحزن على مغادرة رمضان كذلك.
ـ من محبتك يا رمضان صمنا سوادسك: أي نصوم بعده ستًا من شوال.
ـ يا كشيل اللي ما صامه: يا حسرة وخسارة من قصّر في هذا الشهر وترك صيامه.
العيد
ولعيد رمضان أمثال طريفة تحاول وصف الناس وأحوالهم واستعدادهم للعيد ومن ذلك:
ـ راح زي كعك العيد: بمعنى أن الاقبال عليه شديد لم يبق منه شيء، ويستخدم المثل في المعاملات التجارية عند بيع سلعة.
ـ صامت يوم واتمخترت للعيد: لمن يحمل الناس جميل صومه في رمضان.
ـ صامت يوم واتهندزت للعيد: لمن يبدأ من أول رمضان يستعد للعيد ويحضر لباسه الأنيق.
ـ بعد العيد ما بينعمل كعك: أو كما يقول أهل مصر “بعد العيد ما تفتلش كعك”، ويقال لمن يقبل على العمل بعد فوات الأوان.
ـ فراقه عيد: أي بعد انتهاء الصوم بتعبه ومشقته سيأتي عيد الفطر السعيد كجائزة على الصيام.
ـ فلان رفسته بغلة العيد: ويقال المثل لمن يأكل بنهم صبيحة العيد وينسى أن معدته قد تعودت على الصوم، فيؤدي ذلك لمرضه وحدودث مشاكل في معدته.
ـ عَ العيد: ويُقال للوعد أو الأمر الذي لا ترغب بتنفيذه والوفاء به.
ـ العيد عيد الله: ويُقال لمن لا يعجبه العيد أو يمتنع عن صلة أرحامه تحت أي عُذر.
أمثال أخرى
هناك أمثال اجتماعية تحاول وصف الناس وأحوالهم، وتستحضر رمضان ليكون مقياس ذلك، ومن هذه الأمثال قولهم:
ـ خلط شعبان برمضان: ويقال لمن لا يحسن التمييز بين الأمور ويخلط بينها. وعند العرب قديما قيل (يدخل شعبان في رمضان).
ـ قالوا لرمضان: ليش ما تيجي قبل شعبان؟ قالهم: كلشي بوقته حلو: ويقال هذا المثل لمن يريد الشيء قبل أوانه وفي غير موعده.
ـ يوم الحجة في رمضان: ويقال للتهكم والسخرية من المغفلين، إذ لا يمكن أن يقع الحج في رمضان ومثله (الله يطعمك الحج والناس مروحة).
ـ أمه جايبته في ليلة القدر: ويقال للولد الرضي، وليلة القدر تأتي في السابع والعشرين من رمضان. ومثله: (أمه داعية له ليلة القدر).
هذا عن رمضان في أمثالنا الشعبية الفلسطينية التي يتداولها الناس وتحضر إلى أذهانهم مع حضور هذا الشهر الفضيل وكل عام وأنتم بخير ورمضان كريم.