“المادة: 5
تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي:
(أ) تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية، أو تفوق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة”.
لا زلنا في حرب المصطلحات، أو الحرب على مصطلحاتنا، وهذه المادة وثيقة الصلة بمفهوم “الجندر” كما يقول مؤلفو “سيداو.. رؤية نقدية”..
فكل معنى لا يريده كتبة الاتفاقية يسمّونه باسم مُوحٍ بالسلبية وعدم الفاعلية، هذه قاعدة تطبيقاتها كثيرة، منها:
قولهم “تعديل” فهذا يعني وجود أمر قائم خاطئ يحتاج إلى تصويب.
فما هو هذا الأمر؟! هو:
“الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة” تأمل قول الكتبة “الأنماط” فإنها كلمة توحي بكثير من السلبية التي تدعو النفسَ القارئةَ إلى السعي لاستنكارها والتحيز ضدها، والموافقة ضمناً على تغييرها.
ولكن.. ما المقصود بالأنماط الاجتماعية والثقافية إذاً؟!
تبدأ القصة من ذاك الشاب الذي بدأ يسعى للمشاركة في بناء مجتمعه – كما كان كل من سبق من أهل الأرض يفعلون – هذا الشاب أراد التزوج من فتاة، فجمع المهر، وذهبت عائلته للتعرف أكثر – بعد السؤال – على أهل الفتاة، مبدين رغبتهم في تلك الفتاة لتكوِّن مع هذا الشاب أسرة تبدأ في التشاركية مع المجتمع.
وتلك الفتاة التي كانت في عيشها الكريم مع أسرتها؛ يمنعها طبعها وحياؤها من السعي في طلب الزوج، فتتسابق عائلات الشبان على باب أهلها راغبين بأن تكون ركناً في أسرة شبابهم، فتستأنس الفتاة برأي أخيها وأبيها وغيرهما؛ لتبني معلومات متراكمة عن هذا الشاب الذي ربما تكوِّن معه أسرةَ بناءةَ.
ثم تتقدم عشيرة الشاب وجيرانه وأصدقاؤه طالبين يد الفتاة بموكب عز لا يُرى ولا عُشر عُشره عند كَتَبَةِ سيداو، وما من فتاة إلا وتتمنى موكب العز هذا.
ثم ينطلق الزوجان في بناء المجتمع، كلٌّ معروفةٌ وظيفته ومهمته وقِيَمُه وحقوقه وواجباته، ولا بد من قائد واحد ابتداءً، ولا بد من مستشار له، فالشاب قائد هذه المرحلة أصالة، وهي المستشارة.
له حقوق، منها القوامة في بيته، والطاعة بالمعروف، والرأي النافذ له عند نهاية الحوار فيما لا حكم شرعياً ولا عُرف فيه.
وعليه واجبات موكولة إليه بالطبيعة الجِبِلِيَّةِ والعادات الأصيلة والشريعة الإسلامية، من الخدمة الخارجية، والإنفاق على أهل بيته، وجوبا شرعيا وطَبعا جبليا وعُرفا محليا.
كما يجب عليه صيانة زوجته، وحمايتها من كل سوء – حتى لو كانت هي سبب هذا السوء – وجوباً شرعياً وطبعياً وعرفياً، وكذلك يجب عليه الرفق بها شرعاً ونَخوةً.
وكذلك الفتاة، مثل ذلك الشاب، هي شقيقته في الحقوق والواجبات الطَبعِيَةٌ والعرفية والشرعية.
فلها وجوب الإنفاق عليها بما يصلح لمثلها من مسكن ومطعم وملبس وزينة، وحسن المعاشرة، والرفق بها وإكرامها.
وعليها طاعته فيما يأمرها ما لم يكن إثماً، أو فيه ضرر عليه أو عليها أو على غيرهما، وحسن المعاشرة، واستعمال أنوثتها كما يليق بها.
وألا تُخرج من بيته ولا تُدخل بيته من لا يريده، وتحفظه في نفسها ومالها وولدها، وهذا حق مشترك بينهما، وغير ذلك مما ليس هذا محله.
لو تأملتَ أيها القارئ الحصيف؛ لوجدتنا نتكلم عن الحياة كلها.. نعم حياتنا كلها!
وإنما فصلتُ هذا التفصيل لنعلم أن ما يسميه كتبة سيداو “الأنماط الاجتماعية والثقافية” هو كل ما شرحتُ وغيره، إنما هو حياتنا… حياتنا عندهم تسمى أسماء بليدة مبتذلة رديئة تساق في سياق مُوَجِهٍ للسلبية “الأنماط”.
ثم ماذا؟.. ثم يجب تعديل هذه الصروح القِيَمِيَة العظيمة الممتلئة بالمبادئ والقيم والأخلاق والغيرة والأنوثة الجارفة والرجولة المفعمة.
يجب تعديل وهدم هذه الأبنية الشاهقة في كبد السماء.. هذه الشوامخ التي أبقت على استمرارية البشرية.. هذه الصروح المنتجة.
ألا فلتعلمنَّ أيها القارئ الكريم؛ أن أي علاقة غير منتجة لا محل لها في الشرع المطهر، ولا في الطبع المكرم، ولا في العرف المحكم.
أعرافنا: مرتبطة في كثير منها بديننا، بل العرف الذي لا يخالف الشرع مُحَكَّمٌ، ومصدر من مصادر التشريع.
والطبع: غالبا لا تتكلم الشريعة الإسلامية عنه لكونه أمراً مفروغاً منه، لا تطلبه النفوس، بل هو فيها، موجود في فطر الناس كلهم، لا يحتاجون لإقامة الدليل على صحته، والتدليل على ذلك يطول مما ليس هذا محله.
كل هذا “أنماط” يجب تعديلها.. كل هذه الصروح من القيم يريد كتبة سيداو أن نعدلها !
الصرح قائم ومثمر وممتد في الزمان والمكان، ومفيد أيما فائدة.
فلماذا تريد سيداو هدم الصروح إذأ…!؟َ
ثم تأمل قولهم: “بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية، وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة”.
الهدف من هدم الصروح معلن بشكل مبطن، لكنه معلن، وهو القضاء على التحيزات والعادات، وكل – لاحظوا كلمة “كل” الموجودة في روح الاتفاقية كلها – الممارسات الأخرى. أما العادات فقد تكلمنا عنها، وأما قولهم “تحيزات” فلا أعلم لها معنى آخر إلا الطبع والشرع.
ويقصدون بكلمة التحيزات: من الحيِّز وما تنحاز له، فتقول انحزتُ لفلان، أي وقفت معه في وجهة نظره مثلاً.
فكلنا ننحاز لشيء ما قطعاً، وهو هنا الطبع والعرف والشرع.
ولا أعلم أحدا أقل عددا وفَهما، ويجبر البشر على أن يتبنوا ويتحيزوا لرؤيته وتصوره القاصر، وجهازه المفاهيمي، وأدواته وتطبيقاته؛ من كتبة سيداو!
ثم يطالبوننا بعدم التحيز لمفاهيمنا، بله ويجبروننا من خلال أذرعهم المالية والمواثيقية والمؤسسية على ذلك.
تأمل.. يريدون إلغاء كل التحيزات.. هذا نقض لأصلهم ابتداءً، فلنبدأ بكم إذاً.. انقضوا تحيزاتكم الليبرالية والراديكالية والعلمانية والشهوانية والمتحيزة ضد الإنسان والأديان والعادات ولكل أهل الأرض إلا أنتم… ومن أنتم؟!
إذاً؛ تريد “سيداو” هدم كل أصل “الأنماط الاجتماعية والتحيزات والعادات وكل فكرة دونية أو تفوق…” تقوم عليه صروح الأسر والمجتمعات، فهي الآلةُ الإفرادية للوصول للفردنة.. وسنتناول ذلك لاحقاً.
ولكم أن تتأملوا كلمة “دونية” و”تفوق أحد الجنسين” أو “على أدوار نمطية” أما الأخيرة فقد تكلمنا عنها. أما كلمتا “دونية” و”تفوق” فهذه تكشف فلسفة كتبة سيداو التي تقوم ليس على الصراع بين الرجل والأنثى، بله على إيجاد صراع، والسعي الحثيث للإقناع به، بالتركيز على كلمات “حقوق” و”أنماط” وهلم جرا.
إن كتبة “سيداو” يريدون أن ينسجوا العلاقة بين الوالدين وابنتهما والزوج وزوجته والأخ وأخته ووو على إثبات أنه صراع، وهذا يعني هدم الطبع والعرف والشرع، وهدم الثقة.. إنه هدم لكامل تفاصيل الحياة اليومية.. هدم لمائدة الإفطار وسهرات العائلة، وكسر لكاسات الشاي والضحكات والأحزان.. هدم للتعاطف الطبعي.. هدم للإنسان من الداخل بإشعاره بالوحدة والغربة وكونه مستهدفاً من أقرب قريب وأحب حبيب، ومن مناصريه ومؤازريه.. هدم للعلاقات العميقة.. هدم للنفس والأسرة والمجتمع وجميع الصروح الاجتماعية.
ثم ماذا بعد هذا الحطام الناتج عن نظرية الهدم!
نعم؛ بعد ذلك نعيد بناء أنماط جديدة من الحطام، مستحدثة، غير منتجة، متناقضة مع الطبع والشرع والعرف، مفككة، لا حامٍ لها ولا رقيب عليها.. وسنفصّل ذلك لاحقاً.
فلماذا نهدم الصرح المتين ونبني ركاماً؟ لماذا؟! لماذا نطيل الطريق في سبيل النهضة؟!
البنيان موجود ومثمر أفضل الثمار، وعلى مر التاريخ يُختبر ويُنتفع به، فلماذا نهدمه؟! ولماذا نبني مما حطمنا هيكلا هشا آخر غير منتج؟!
“(ب) كفالة أن تتضمن التربية الأسرية تفهما سليما للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، والاعتراف بالمسؤولية المشتركة لكل من الرجال والنساء في تنشئة أطفالهم وتطورهم، على أن يكون مفهوما أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات”.
وفي هذا البند سمٌّ جارف، وكلمة “كفالة” هذه تعني أن تُغير القوانين والتعليمات والأعراف وشرع الله تعالى، وتغير فطرة الأب والأم والمؤسسات جميعها؛ حتى تتوافق مع نظرية الهدم السابقة.
إن كتبة سيداو يقدمون أنفسهم أوصياء ورفقاء ورحماء بأطفالنا أكثر منا.. علماء بما يصلح حال أطفالنا أكثر منا، ويضعون منا علينا عرفاء.
ولكن العقاب والقوة لهم فقط، ليست حتى لمن يعملون معهم منا.
يريدون أن يحموا أطفالنا منا، كما هي النظرة الماركسية في ماليتِها.
بعد ما ذكرنا في البند (أ) لك أن تدرك الآن حربهم على التربية الوالدية.. حربهم على مصطلحاتنا، ومنها “الأمومة”، هذه الكلمة المرتبطة بالأم، حتى بلفظهم لها يريدونها لفظة خالية من القيم والعواطف والفطرة والنَهم الذي تقبل به الأم على ابنها، يريدون قتل كل ذلك بسم في الجذور يوضع!
تأمل لفظة “فهما سليما” لِنَرَ هذا الفهم السليم إذاً!
وقولهم “بوصفها وظيفة اجتماعية” هذا ما ذكره المفكر المجاهد الرئيس علي عزت بيجوفيتش، في كتابه “الإسلام بين الشرق والغرب” وغيره من مفكري العالم.
نعم؛ الأمومة وظيفة اجتماعية ليست قِيَمِيَةً إذاً، لا تحتوي على طبيعة بيولوجية.. دع الفطرة والعلم والشرع جانباً، والتزم أمر كتبة سيداو الماديين!
فلا مكان للقيم عندهم، وإنما للمال، وهذا تسليع للأسرة كلها، فنحن أمام حرب بين المادة والقيمة، وهم عندهم المادة مقدمة على القيمة، أي الإنسان، ويئسوا من الهدم بالأسلوب القديم؛ لينتقلوا إلى الهدم بأسلوب حديث، مستخدمين المصطلحات في اختراق الجهل والأهواء.
ولعلك تنبهت الآن لقولهم: “والاعتراف بالمسؤولية المشتركة لكل من الرجال والنساء في تنشئة أطفالهم وتطورهم”.. مَن الذي يعترف؟ وبماذا يعترف؟ ولمن؟! هذه من الكلمات التي يستخدمونها لإنتاج الصراع الموهوم.
وكأن الآباء يتنكرون لأبنائهم، ولا يهتمون بأطفالهم، ولا يرعونهم، ولا ينشئونهم تنشئة صحيحة، ولا يسعون ليلا نهاراً في تهيئة حياة كريمة لهم.
هذا الكلام يخاطبون به المرأة ليشعروها بأنها مظلومة، متآكلة الحقوق، غارقة في أبنائها، لم تلتفت لحالها، والسبب هو ذاكم الزوج اللئيم الذي لا يهتم لأبنائه، ويترك زوجته لوحدها تصارعهم، وهو ساهٍ لاهٍ! أي إجرام وصراع يسعى كتبة سيداو لإيجاده!
لن نحضر الأدلة والشواهد على اهتمام الآباء بأبنائهم، ونحن نراهن على وعي الأم والأنثى والمرأة؛ بأن تأخذ مكانها الصحيح الفطري العرفي الشرعي التاريخي في تثبيت القيم، وتأكيد كينونة الأسر.
ختاماً؛ تأمل قولهم “فهما سليما” وتأمل قولهم زورا وبهتانا “مصلحة الأطفال”، لتعلم أننا أمام هدم لصروح مشيدة، وبناء هياكل محطمة، ودس السم في الجذور، ليتفتت الجميع وينقاد لهم.