“المادة 3
تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين، ولا سيما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كل التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين. وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل”.
ويستمر التركيز على “جميع” و”كل”، والذي يعني إلغاء الفوارق الطبيعية والشرعية والعلمية والعرفية والاجتماعية، وهو ما اعترضنا عليه في المقالة الأولى.
ولعلك تنبهت لقولهم: “بما في ذلك التشريع”! هذا التشريع هو اعتقادنا نحن المسلمين، وكذا غيرنا من أصحاب الأديان.
هذا التشريع ينتج من خصوصية دينية حضارية مجتمعية عرفية وأسرية، فيكون متمازجا مع المجتمع أيما تمازج، فيكوِّن مجتمعا متماسكا آمنا مستقرا وظيفيا ومنتجا.
ثم قولهم: “لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين” فما معنى تطور المرأة عند كتبة سيداو!؟
فتطور المرأة عندهم هو خروجها للعمل مطلقا، خروجها من البيت، وتسليعها، وجعل قيمتها بقدر ما تُحصِّل من المال فقط؛ بإنتاج وظيفة أخرى لها “لتكافؤ الفرص” كما يقولون، وإلغاء وظيفتها الطبيعية الشرعية.
وتطور المرأة عندهم هو الانسلاخ من اعتقادها الإسلامي، ومن عاداتها وقوانين بلدها، ومن كل ما يحتوي ضبط المجتمع والأسرة، ونهوضه وتطوره وتماسكهما، والحفاظ على الأمن المجتمعي والأسري.
ثم ماذا..!؟ ثم انتماؤها لسيداو، وجعل انطلاق المرأة ودستورها هو ما كتبه وضغط على وجوده المربع النسوي – على حد قول الدكتورة كاميليا حلمي في كتابها المواثيق الدولية – اللواتي وقعن الاتفاقية، وضغطن لإضافة العبارات التي غالبا هي مثار الجدل ومحل الاعتراض.
غير أنَّ كل تطور وتقدم – ويُفهم منها أنه أمر إيجابي – فالدين الإسلامي وأعراف الأمة سبقوكما إليه.
وكل أمر إيجابي في الاتفاقية فليس محلا لنقاشنا، لكونه في ديننا وقوانيننا تحصيل حاصل، ويُستأنس بما عندكم منه.
وإنما الشأن في العبارات التي تسعى لتغيير تركيبة العقل الأنثوي والعقل المسلم والمجتمع والأسرة؛ بإنتاج أولويات ليست بأولويات، وتغيرات ليست صحية، وتفكيك المجتمعات بإيهام الصراع بين الذكر والأنثى، وهو ما سنتعرض له لاحقا، وهو ما تركز عليه الاتفاقية بقولها: “على أساس المساواة مع الرجل”.
المادة 4
1. “لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ألا يستتبع – بأي حال – الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير عندما تكون أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة قد تحققت”.
ضغط ناعم يُظهر إدراكهم لصعوبة الأمر، وأنه يحتاج لتدرج وتوطئة ووقت طويل، لكنهم لا يريدون إطالة الوقت كثيرا، فالتنمية المستدامة التي يتكلمون عنها تأخذ وتيرة التسريع لتنجز بحلول 2030.
لذا؛ تأمل قولهم: “ولكنه يجب ألا يستتبع – بأي حال – الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة” فللدول حرية في أخذ شعوبها بالتدرج في التطبيق وإعادة تركيبها، لكن ذلك مشروط بألا يبقي التدرج أية معايير غير متكافئة في كل تغيير يُراد التدرج به؛ فهذا البند قطع لمماطلة الدول، وتفهم للوضع الداخلي، وتحذير ليس بالمُبَطن.
2.” لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة تستهدف حماية الأمومة، بما في ذلك تلك التدابير الواردة في هذه الاتفاقية، إجراء تمييزيا”.
أما هذا البند؛ فشأنه عجيب!
إذ الاتفاقية تنص على “إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة” ومساواتها بالرجل، لكنها هنا تقر وتذعن إذعانا مشبوها أن ثمة فرقا وتمييزا.
وهي تقرر هذا التمييز، بل وتشرعنه وتشرع له، وتعذر الدول إذ تقرر فيه التمييز، وتمدح الدول في ذلك، وهو ما سمي “التمييز الإيجابي” المقرر عندهم.
ولنا أن نطرح سؤالا مهما هنا:
من الذي يحق له أن يحدد هذا التمييز بكونه إيجابياً أو سلبياً!؟
هل هم كتبة سيداو المربع، أو بشر غيرهم، أو خصوصية الدول وأعرافها، أو خالق البشر الله سبحانه وتعالى؟
لماذا على كل الأرض أن تستجيب لهم بكون هذا تمييزاً يُزال، وهذا تمييز يجب أن يبقى؟!
غير أن المتأمل يدرك أن هذا التمييز الإيجابي يتعلق بالأمومة وبخروج المرأة، وَلِنَقُل الأم، من بيتها وأسرتها للعمل؛ لذا هو تمييز مشبوه وليس بإيجابي.
مع كوني لستُ بصدد نقاش عمل المرأة، بل بصدد بيان ما تريده الاتفاقية من الأسرة والمجتمع والوطن والأمة والبشرية جمعاء.
فكتبة سيداو انقلبوا على اتفاقيتهم بما يخدم رؤاهم، وحددوا للبشرية جمعاء ما هو إيجابي وما هو سلبي.
ولنا أن نقول: لستم أهلا لتحديد ما يناسبنا! فعندنا تشريع رباني، لا تشريع بشري منقوص متناقض.