أتصدق أن هذه المادة دستور الدساتير؟
أتصدق أن هذه المادة حَكَمٌ على كل الدساتير في الدنيا؟
لا.. بل وأكثر من ذلك.. أكنت تصدق أنها حكم على الدين الإسلامي وكل دين في الأرض!؟
حَكَمٌ على القضاء والإفتاء والإصلاح الأسري..
حكم على عاداتنا العريقة وأعرافنا الكريمة الرصينة..
حكم على المرأة والبنت والزوجة..
حكم الأب والجد والأخ والعائلة والعشيرة والزوج..
حكم على كل رجالات الدولة ومفكريها وسياسيها وعباقرتها..
حكم على نص القرآن الكريم “للذكر مثل حظ الانثيين”..
وإليك البيان:
تتكون المادة الثانية من مقدمة وسبع نقاط، سنفرد كل نقطة بنقاش مستقل مع عدم التكرار ما أمكن:
المادة 2:
“تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتوافق على أن تنتهج – بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء – سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقاً لذلك تتعهد بالقيام بما يلي”..
بكلمة أخرى؛ على الدولة أن تنكر جميع الأحكام الشرعية والعرفية والعقلية والعلمية، ويجب أن تنكر أن لديها حكماءها ومفكريها ورجالاتها وقاداتها وأهل الاختصاص، وأن تنكر أنها ترعى الحقوق أفضل مما ترعاه سيداو.
ولعلك لاحظت بروز (الغصب) في بعض الكلمات هذه المقدمة (تشجب – توافق – دون إبطاء – تتعهد).
نحن أمام كلام حاسم جداً لا يقبل الاحتمال أو المرونة أو المساحة الوسط.
وهذا التعهد هو سيف على رقاب الحكومات، والدول تتعهد بألا تعمل بكل تشريعاتها الدينية وقوانينها ودساتيرها إلا كما يريد كاتبو الاتفاقية.
لعل بعض ظاهر الاتفاقية نريده، وهو جيد لو كان تفسير المصطلحات والمفردات الواردة فيها يخضع لدين الدولة وقوانينها وأعرافها وعاداتها، ولكننا نتعامل مع مصطلحات فضفاضة بعضها لا يوجد له تعريف واضح قصداً، وبعضها كاتبوها هم من فسروها.
ويعني ذلك أن تفرض علينا هذه التفسيرات؛ لذا نناقش بناءً على تفسيراتهم لا على فهمنا وفهم من يؤيد الاتفاقية أو يرى فيها جوانب إيجابية؛ فالخطورة الحقة في الجوانب التي نناقشها وسنناقشها.
وهذا كله لو لم تكن الاتفاقية مبنية على كلمة “القضاء على التمييز” التي ناقشناها سابقا. لذا ننتقل إلى النقطة (أ).
“أ- تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى”.
قلنا سابقا إن هذه الاتفاقية سياطٌ تجلد، وهذا البند أحد ضرباته الموجعة الموجهة للدستور، طالبة الشروع في الخطوات العملية في جميع مرافق الدولة، ليس الشأن هنا، إنما الشأن بما تحويه هذه الاتفاقية، والذي هو محل نقاشنا واعتراضنا.
“ب- اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها، بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات؛ لحظر كل تمييز ضد المرأة”.
أي يجب وضع عقوبات رادعة لكل فعل أو حكم فيه تمييز ضد المرأة، وسيأتي معنا تفصيل ذلك بشكل أكثر وضوحاً.
هذه التدابير التشريعية تعني وقف العمل في الشريعة الإسلامية، وتعديل كل المحاكم الشرعية والمدنية، وإحداث تغيير جذري للسلك القضائي وللإفتاء في ما يتعلق بالمرأة.
أين دين الإسلام؟ أين علماؤنا؟ أين رجال القانون وعلماؤه؟ أين رجالات الدولة كلها؟! كلهم لا وزن لهم؛ لأن بعض الأشخاص كتبوا اتفاقية اسمها سيداو..!
“ج- إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة – عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد – من أي عمل تمييزي”.
وهذا البند كسابقه، ويُدخل المحاكم الوطنية في سياق التغيير، فهي تريد تطويع المحاكم الوطنية الممتلئة بالقضايا اليومية لأجنداتها الشخصية، فلا تحكم إلا كما تريد سيداو!
وكذلك مسألة الحماية الفعالة للمرأة.. أظن أن المرأة معززة مكرمة في بلادنا الإسلامية خاصة، وفي بلاد الأرض قاطبة؛ إلا في بلاد كُتَّاب الاتفاقية، ولعل بعض الإحصاءات والدراسات الغربية عن العنف الواقع على المرأة والتحرش والاغتصاب والقتل في بلادهم أشهر من أن تذكر.
“د- الامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام”.
وأنت تقرأ هذا النص يتبادر لك أنه تعميم من قبل مؤسسة لموظفيها. إن هذا البند تسريع في التقنين للاتفاقية في كل مرافق وتفاصيل العمل اليومية للدولة؛ من خلال ممارسات يومية تفرض نمط الحياة وطريقة العيش، وهما أخطر مجالات التأثير؛ لأنهما يفرضان تغييرا في البنية الذهنية والسلوكية للأفراد، وتصوراتهم للإنسان والكون والحياة. كما يقول مؤلفو “كتاب سيداو رؤية نقدية من منظور شرعي”.
“هـ- اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة”.
قلنا سابقا إن كلمة (جميع) “سنجدها حاضرة في جو الاتفاقية من أولها إلى آخرها”، وها أنت تجد ذلك حاضرا بقوة.
لكن من المقصود بـ”أي شخص” وكذلك “منظمة أو مؤسسة”؟
أما الشخص؛ فهو الأم مع ابنتها، والأب مع ابنته، والأخ مع أخته، والزوج مع زوجته، والمعلمة مع تلميذتها ووو.
وبناء على ذلك؛ لا يحق للأب والأم أن يربيا ويعلما ويؤدبا ابنتيهما.. لا يحق لهما أن يعترضا على زواج غير كفؤ، ولا يحق لهما أن يمنعاها من بعض الأمور التي يُعلم خطؤها، فلو اعترضت عليهما لربحت القضية… تلك سيداو.
وكذلك الأخ أو الأخت مع أختيهما، لا يحق لهما أن يمنعاها إن كانت مقدمة على خطأ، عالمة بالخطأ أو لا، لا يحق لهما مساعدتها لمصلحتها فيما هو قطعاً مصلحة لها.. خبراتهم في الحياة وإدراكهم للأمور وغيرها الكثير سترمى.
وأشد من ذلك؛ الزوج لا يحق له تأديب زوجته الناشز ولا هجرها ولا ضربها، كما قال تعالى: “فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن”.
لستُ هنا في طور التأصيل الشرعي لهذا الهجر والضرب وكيفيتهما، إنما نحن في سياق بيان تناقض الاتفاقية مع الشريعة وأعراف البشرية التي حتى النساء غالبا لا ترفضها في كل بلاد الأرض.
أما المؤسسات، كالقضاء والإفتاء وغيرها؛ فلو قضت بحكم الشرع بأمر يتعلق بالإرث أو الحضانة أو النفقة أو النشوز وغيرها؛ فهذا مخالف لكتبة سيداو.
“و- اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة”.
فلا بد من تغيير جذري في التركيبة القانونية للدولة، ولا بد من تفسيخ العادات المتمثلة بالعشائر، ولا بد من إعادة كتابة النظام العام للحياة وفق ما يريده كتبة سيداو.
“ي- إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة”.
أي كل أمر تفعله امرأة مما يهدد الأمن المجتمعي أو الأسري، أو لو امرأة زنت مثلاً، أو كونها زوجة مثلاً وفعلت الفاحشة عياذاً بالله من ذلك، لو امرأة ناشز، لو كانت شاذة، لو كان الحكم الشرعي القانوني عليها يدينها بحكم الخصوصية الأنثوية التي اعتبرها الشرع؛ كل ذلك يجب أن يلغى..!
ثم ماذا..؟! قلنا سابقاً إنه دستور الدساتير وعرف الأعراف ونظام الأنظمة وقانون القوانين. فهنا تسن تشريعاً، وهناك تلغي تشريعاً، وهنا تضع عقوبات، وهناك تلغي عقوبات.. كلها تسير نحو الانفلات لا الانضباط.
فهذه الاتفاقية حالة جوهرية منزهة عن كل خلل، ولا بد لنا من السعي والسمو للوصول إليها، فهي النموذج الصحي الكامل.. هي المعيار الذي ننطلق من خلاله.
لكن ما هي صفات كاتبيها ليكونوا بهذه المنزلة؟! لا شيء سوى أن لديهم انطباعات مختلطة متراكمة متنكرة متمردة أضفت عليها قدسية تسبيحية، فلا تَسألوا عما يفعلون؛ لأنهم أسياد العالم وأسياد الدول الذين يحق لهم التدخل وإعادة تشكيل كل أسرة وعائلة ومؤسسة وقانون ودستور والأديان والإسلام.
وهم الذين سينقلون البشرية جمعاء من كونهم شعوباً وقبائل إلى شيء كوني عالمي واحد، من خلال جعل العالم كله ذا عرف وقانون ودستور واحد، وكذلك ذو جنسية واحدة؛ بإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة.
فنحن إذاً أمام جنس واحد من البشر بقانون واحد فقط.