“سيداو” عرض ونقد (1)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : عبد الحكيم شفيق

سيداو.. تلك الاتفاقية التي انتشرت في دول العالم انتشار النار في الهشيم، وكانت سياطاً تُجلد فيها الحكومات الرافضة و المتحفظة على هذه الاتفاقية، واتخذت الأمم المتحدة من المنظمات الأهلية عينا لها على الدول والحكومات وسياساتها، ضاربة بسيادة الدول عرض الحائط، مسلطة على الدول من أبناء وطنها وترابها ودينها عيناً لها، فرسخت الأممُ المتحدة بعض المنظمات الأهلية؛ فقَونَنَتها وقَولَبتها مادَّةً أذرعها في كل طرق الحياة، فارضةً أجندتها السياسية، جاعلة مَعْيَرةَ القيم منبثقة من ثقافة مؤطَرة بجغرافيا، متناقضة مع المبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة في ميثاقها.

فمن كانت هذه المنظمات تدعمها؛ فلا بد – حسب ما تقتضيه طبيعة المقالات عموما – من الوقوف عندها، والتعريف بها وبالبروتوكولات التابعة لها، والتفسيرات، وتاريخها مختصِرا، والتعرض لما حوته إيجابيا كان أو سلبيا، وصولا إلى الحركات التي كانت سببا في وجودها ونتاجها وتطورها.

فأقول: إن الاتفاقية موضع النقد هي “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women، وتعرف اختصاراً CEDAW، وهي إحدى اتفاقيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اعتمدتها بتاريخ 18/12/1979، وأصبحت نافذة عام 1981 بعد أن صادقت عليها عشرون دولة كما هو منصوص في مواد الأمم المتحدة.

تتكون هذه الاتفاقية من ثلاثين مادة، منقسمة إلى قسمين مناصفة تقريباً، الأول منها يدور حول مسألة التمييز ضد المرأة وكيفيته ومجالاته، متناولةً جميع جوانب الحياة الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والصحية والتعليمية والسياسية، وما يتفرع عن كل مجال من قضايا رئيسة خطيرة تمس كل مؤسسة وكل أسرة وكل فرد بما تعنيه كلمة “كل” من معنى. والقسم الآخر منها يدور حول القضايا الإدارية والجهاز الإشرافي المتابع واللجان المنبثقة عنها.

إذاً؛ فنحن نتحدث عن جميع جوانب الحياة مع جهاز إداري إشرافي متابع لجميع هذه الجوانب المتمثلة بمؤسسات الدولة ومرافقها، وأكثر من ذلك الزواج والأسرة وعلاقة الزوجين مع بعضهما وعلاقة الأبناء بآبائهم والعكس.. والحرية (الانفلات)، وما أدراك ما الحرية؟!

وقبل الولوج إلى موادها؛ دعونا نقف عند مفردات عنوانها، وهي: القضاء – جميع – أشكال – التمييز – ضد – المرأة.

فالمقصود بـ”القضاء” هنا: الإزالة نهائياً، والمُزال هو ليس التمييز، لا.. بل إنه جميع – وهذه الكلمة (جميع) بلفظها ومعناها سنجدها حاضرة في جو الاتفاقية من أولها إلى آخرها – الأشكال المعبرة عن التمييز، وهذا التمييز واقع على المرأة، أي هو اعتداء، وهذا ما يوضحه لفظ (ضد)
وكيف تزال جميع أشكال التمييز! إذاً؛ هذه الإزالة تعني إنكار كون المرأة أنثى بما تحمله من خصائص وإثبات كونها إنسان فقط.

والخطورة بدأت تتضح عندما نقول: جعل حقوق المرأة هي حقوق الإنسان؟ فهذا نفي للخصائص المميزة التي تعلم بداهة، وما سيترتب على ذلك النفي سنتعرض له لاحقاً.

فأمامنا إذاً مصطلحات متراكبة مبني بعضها على بعض، فلا بد أن نبدأ إذاً بالقاعدة منها، والتي بنيت عليها جميع المفردات، ألا وهي المرأة.

نعم المرأة.. إذا قلنا المرأة؛ فنحن إذاً وقعنا في التمييز!

هي كذلك؛ فاللغة التي تستعملها الأمم المتحدة تفرق بين المرأة وغيرها، ومَن غيرها سوى الرجل؟!

أيجب علينا أن نثبت أن ثمة فروقاً بين المرأة والرجل؟! أيجب علينا أن نثبت أن ثمة تشابهاً بينهما؟

أكنت تتوقع أن تصل الأمور إلى هذا المستوى من النقاش؛ أن تثبت الواضحات القطعيات المجمع عليها بين بني البشر بمختلف عقولهم وثقافاتهم وأديانهم منذ خلقهم إلى بعثهم؟ هل علينا أن نقول إن الحواس الخمس والعقل وشعوب الأرض قاطبة وكل العلوم المكتشفة والإسلام والأديان؛ كل ذلك يقول بكون المرأة تختلف عن الرجل؟

إن الاشتغال بالقطعيات ابتذال لها وللعقل، وإزهاق للوقت، وإشغال للناس بغير مشغل، فليس من العادة الانشغال بالقطعيات. إذاً فماذا نقول لمن يصدعون الرؤوس بقيمة العلم وإنجازاته ثم يرمون به بعيداً إذا تعلق الأمر بالمرأة؟ ولماذا ينكرون البدهيات القاطعة إذاَ؟ ومن الذي ينكرها؟

هذه وغيرها من الأسئلة الممتدة؛ تحتاج إجابات باحثة معمقة، ونود أن لو يجيبوا عليها، فهم الدعاة لها، وعليهم البينة.

وبدأتُ بالمرأة لأن المبني على ذلك أنَّ ثَمَّ فرقٌ بينها وبين الرجل سمّوه “التمييز”، وهو ما سنناقشه في المادة الأولى كونها تعرضت الاتفاقية لتعريفه.

تنص المادة الأولى على: “لأغراض هذه الاتفاقية؛ يعني مصطلح (التمييز ضد المرأة) أيَّ تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة على أساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق أو تمتعها بها وممارستها لها، بغض النظر عن حالتها الزوجية”.

إن إقحام “أي” في التعريف هو لب الاتفاقية؛ لأن إزالة جميع الفوارق بين طرفين يعني جعلهما شيئا واحدا. وهذا الشمول سيُبنى عليه شمول في الحقوق، وشمول في الجوانب أيضا بتكرار “أي” مرة أخرى، وشمولها لجميع مراحل الحياة للمرأة، والمعبر عنها بذكاء خطير “بغض النظر عن حالتها الزوجية”.

فثمة تضارب سيطفو الآن بين الحقوق الشرعية الإسلامية وبقية الأديان؛ وبين الحقوق الفطرية من الأبوين على أبنائهما، وبين الحقوق التعاقدية بين الزوجين، وبين الحقوق العرفية في المجتمعات، وبين الحقوق الدستورية والقوانين والأنظمة والتعليمات لكل دولة، وبين سيادة الدولة… بين كل هذه المنظومات وبين هذا النص الذي سيفكك كل هذه التشريعات والحقوق والأعراف والعقود والدساتير والسيادة، ويعيد تركيبها بناءً على لا شيء…

فلنا السؤال هنا: من هم واضعوها حقيقة؟ وهل يحق لهم هذا التدخل السافر المقيت؟ وهل يحق لهم تغيير أمم الأرض جمعاء ودين أمة الإسلام لأجل فهومهم التي لا أشكُّ أنها لم تعرض على عقول علماء المسلمين ليقوّموها ويعدّلوها ويبينوا لهم عوارها وضعفها ومغالطاتها وخطئها، وهي عادةُ الأفكار المستوردة عابرة الأهواء والقارات.

إن الإسلام دين فيه ثابتان لا يمكن تغييرهما أبداَ، ثابت في القاعدة، وثابت في الأطراف، وبينهما مرونة منضبطة.

ولتلتفتَ لقولهم: “على أساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الإنسان” حيث تتم إزالة الفروقات، وجعلهما متساويين في كل شيء، فهما واحد إذاً !!

لذا؛ نقول إن التمييز يكون بين مختلفين، وهو ثابت بينهما، والتمايز هو إثبات بأن لكل منهما خصائص يتميز بها عن الآخر، وبناءً على هذه الخصائص وُجد التمايز، فالبناء على الخصائص هو المنهج الشرعي والعقلي والعلمي والعرفي والقانوني، والذي ذكرت الأمم المتحدة في مبادئها أنها تحترمه في الشعوب.

اكتب تعليقك على المقال :