يوافق يوم الخامس عشر من شهر يناير/كانون ثاني ذكرى استشهاد وزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية العاشرة سعيد صيام، عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” وأحد أبرز قياداتها، الذي اغتالته طائرات الاحتلال الإسرائيلي أثناء عدوانها على قطاع غزة عام 2009.
وبرغم مرور أحد عشر عامًا على استشهاد صيام الذي استشهد في منزل شقيقه بحي اليرموك وسط مدينة غزة، إلا أنّ سيرة “الشهيد الوزير” تجعل منه علمًا من أعلام شهداء فلسطين.
ولد الشهيد سعيد محمد صيام في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة في يوليو عام 1959م، لأسرة تعود أصولها إلى قرية الجورة المحتلة قضاء المجدل، حيث تلقى تعليمه بمدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وحصل عام 1980 على شهادة دبلوم تدريس العلوم والرياضيات من معهد دار المعلمين برام الله، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة، وحصل منها على شهادة البكالوريوس في التربية الإسلامية عام 2000م.
عمل صيام معلمًا في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في غزة من عام 1980 حتى نهاية عام 2003؛ إذ اضطر إلى ترك العمل بسبب مضايقات إدارة الوكالة له على خلفية انتمائه السياسي لحركة “حماس”.
مشواره الدعوي
أظهر الشهيد سعيد صيام منذ شبابه التزامًا دينيًا، حيث بدأ مشواره الدعوي في المسجد الأبيض بمخيم الشاطئ، بات واحدًا من أشهر دعاة غزة، يجوب مساجدها بشكل تطوّعي، يعظ الناس، ويعقد حلقات الذكر، وكان يكبر على عين الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
انتقل صيام إلى حي الشيخ رضوان ليؤسس مع مجموعة من إخوانه إلى مسجد اليرموك، وعمل إمامًا وخطيبًا متطوعًا في مسجد اليرموك لسنوات عديدة، وقد عُرف عنه التواضع الشديد والحكمة الواسعة في إدارة المواقف، وكذلك تقريبه لوجهات النظر المُختلفة، حتى لمع نجمه بشدة في مجال الوعظ والخطابة والإصلاح بين الناس، فعمل ضمن لجان الإصلاح المنتشرة في أحياء القطاع، فكان مُربيًا فريدًا للأجيال، وداعية يسلب القلوب.
سيرته الجهادية
اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الشيخ سعيد صيام أربع مرات بين عامي 1989-1992، كما أبعدته مع مئات من قادة العمل الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992م.
وفي عام 1995م اعتقله جهاز المخابرات الفلسطيني على خلفية الانتماء السياسي لحركة “حماس” ضمن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنَّتها السلطة ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي؛ إثر تبنِّي الحركتين سلسلة من العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل.
مثّل صيام حركة “حماس” في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية، وكان مسؤولًا عن دائرة العلاقات الخارجية في الحركة، كما شغل عضوية المكتب السياسي لسنوات عديدة حتى استشهاده.
شعبية غير مسبوقة
برز نجم الشيخ سعيد صيام ساطعًا بعدما حصد أعلى أصوات الناخبين على مستوى فلسطين برصيد 76 ألف صوت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 حينما كان مرشحًا عن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة “حماس.
وبعد تشكيل “حماس” للحكومة الفلسطينية العاشرة عقب فوزها بغالبية مقاعد المجلس التشريعي، شغل الشيخ سعيد صيام منصب وزير الداخلية في الحكومة التي كان يرأسها آنذاك إسماعيل هنية، وهي المحطّة التي شكّلت علامة فارقة في حياة صيام، الذي استطاع بحكمته وصلابته قيادة وزارة الداخلية، وتخطّي سلسلة من الأزمات والفلتان والفوضى التي كادت تعصف بقطاع غزة.
وعلى إثر نجاحه في قيادة وزارة الداخلية وبسط الأمن في قطاع غزة، سعت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى اغتياله، حينما قصف الطائرات الحربية مكتبه في شهر يونيو/حزيران عام 2006، لكنّه نجا وواصل مسيرته في تأمين الجبهة الداخلية بغزة، وتطهير القطاع من عملاء الاحتلال ومثيري الفوضى والفلتان الأمني.
وترجّل الفارس
وفي السابع والعشرين من شهر ديسمبر/كانون أول عام 2008، شنّ الاحتلال الإسرائيلي حربًا شرسة على قطاع غزة؛ كان الهدف منها إسقاط حكم حركة “حماس” واستعادة الجندي الأسير جلعاد شاليط، وبدأ الاحتلال عدوانه بقصف أكثر من 100 موقع حكومي، غالبيتها تابعة للأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية، في مسعى لنشر الفوضى بقطاع غزة، لكنّ مخطط الاحتلال فشل بعدما استطاع الشهيد صيام قيادة الأجهزة الأمنية للنهوض كالعنقاء من بين الركام، والمحافظة على حالة الأمن، وحماية ظهر المقاومة في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي.
وأمام فشل جيش الاحتلال في تنفيذ مخطط الفوضى بقطاع غزة، وضعت حكومة الاحتلال وزير الداخلية سعيد صيام على رأس قائمة أهدافها؛ ونجحت في اغتياله يوم 15 يناير/كانون أول بعدما ألقت ما يزيد عن طن من المتفجرات على منزل شقيقه في حي اليرموك وسط مدينة غزة؛ ما أدّى إلى استشهاد الوزير سعيد صيام ونجله محمد، إضافة إلى شقيقه إياد وزوجته، وعددٍ من المواطنين.