(١ /٧ )
بقلم: الأستاذ الدكتورعبد الرحمن البر ، عميد كلية أصول الدين، جامعة الأزهر بالمنصورة.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِهِ وصحبِه ومَنْ والاه. وبعد، أيُّها الإخوانُ؛ فقد اهتمَّ الإسلامُ غاية الاهتمامِ بتوثيقِ عُرَى الأُخُوَّةِ الَّتِي تُوجِبُ الْمَحَبَّةَ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حتى جعل الأخوَّةَ التي جمعَ عليها القلوبَ أصلًا من أصولِ الإيمانِ لا يتِمُّ إلا بها، ولا يتحقَّقُ إلا بوجودِها؛ بل جعلَها أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ وأكملَ معانيه، فقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وأخرج الشيخان عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَأمَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَأمَةِ».
وأخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
وأخرج الشيخان عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
لذلك كان من أصولِ الإصلاحِ الاجتماعيِّ الكاملِ الذي جاء به الإسلامُ: إعلانُ الأُخُوَّةِ بين النَّاس، وامتنَّ اللهُ على المؤمنينَ بأنْ ألَّفَ بالإسلامِ بينَ قلوبهم بعدَ أنْ فرَّقهم الكفرُ، فقال: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).
ومن ثَمَّ كانت الأخوَّةُ أحدَ أركانِ البيعةِ عند الإخوانِ المسلمين.