الأُخُوَّةُ عِندَنا دِينٌ
لم يَزَل الإخوانُ المسلمونَ حريصينَ على تحقيقِ الأُخُوَّةِ الصحيحةِ الكاملةِ فيما بينَهم، مجتهدِينَ الَّا يُعكِّرَ صَفْوَ علاقاتِهم شيءٌ، مُدْرِكين أنَّ الأخوَّةَ في الدِّين من أفضلِ ما يتقرَّبُون به إلى اللهِ زُلْفَى، ومُلْتَمِسين بالمحافظةِ عليها نَيْلَ الدرجاتِ العُلَى، ويحرِصُ الأخُ على تذكُّرِ إخوانِه والدُّعاءِ لهم مع كُلِّ غروبِ شمسٍ في وِرْدِ الرابطة.
وقد أخرج ابنُ وهب في (الجامع) عن محمَّدِ بنِ سُوقة، وزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَا أَحْدَثَ عَبْدٌ أَخًا يُؤَاخِيهِ فِي اللهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهِ دَرَجَةً». فقَالَ رَجُلٌ مِنَ المنَافِقِينَ فِي نَفْسِهِ: وَمَا دَرَجَةٌ رُفِعَهَا رَجُلٌ أَوْ وُضِعَهَا؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لَيْسَتْ بِدَرَجَةِ عَتَبَةِ بَيْتِ أُمِّكَ، وَلَكِنَّهَا دَرَجَةٌ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ».
ولم لا وصِدْقُ الحبِّ في الله علامةُ الوِلايةِ وعُنوانُ التَّقوى، بنص حديث النبي ﷺ، فقد أخرج أبو داود بسند صحيح أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ» وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب (واللفظ له) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، إِذْ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ بِقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَأمَةِ». وقامَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ أَعْرَابِيٌّ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَمَى بِيَدَيْهِ، فَقَالَ: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللهِ عَنْهُمْ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: فَرَأَيْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ﷺ الْبِشْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هُمْ عِبَادٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ، مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى، وَقَبَائِلَ شَتَّى، مِنْ شعوبِ الْقَبَائِلِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا، وَلَا دُنْيَا يَتَبَاذَلُونَ بِهَا، يَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللهِ، يَجْعَلُ اللهُ وُجُوهَهُمْ نُورًا، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يَفْزَعُونَ، وَيَخَافُ النَّاسُ وَلَا يَخَافُونَ».
ومن ثَمَّ يتواصَى الإخوانُ المسلمونَ ويحرِصُون على مراعاةِ حُقوقِها الَّتِي تُصَفِّيها عنْ شوائبِ الكُدُوراتِ ونَزَغَاتِ الشياطينِ، وقدْ جعلَ أهلُ العلمِ أقلَّ درجاتِ الأُخُوَّةِ أنْ يُعامِلَ الأخُ أخاه بما يُحِبُّ أنْ يُعامِلَه أخوهُ به.