أفتى أمين عام “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، علي محيي الدين القره داغي، الثلاثاء، بجواز الاعتكاف داخل البيوت في البلاد التي تكون جوامعها ومساجدها مغلقة، في ظل جائحة فيروس كورونا.
وردًا على أسئلة وردته حول الاعتكاف داخل البيوت، قال القره داغي، في بيان: “الاعتكاف من السنن المؤكدة المصاحبة لصيام الشهر الفضيل (رمضان)، ويتشوق إليها المسلمون”، والاعتكاف “أكثر تأكيداً في العشر الأواخر منه (رمضان)، حيث واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم”.
واستدرك لافتًا إلى “عدم إمكانية الاعتكاف في الجوامع والمساجد بسبب تفشي وباء كورونا، واتفاق المؤسسات الدينية على ذلك، بناء على التوجيهات الصحية، وبناء على خطورة الوباء،
وأصاب “كورونا”، حتى مساء الثلاثاء، نحو 4 ملايين و328 ألف شخص بالعالم، توفى منهم قرابة 292 ألفًا، وتعافى ما يزيد عن مليون و571 ألفًا، بحسب موقع “worldmeter” المختص بإحصاء ضحايا الفيروس.
وبناء على ما سبق، أفتى القره داغي بـ”جواز اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، واحتساب أجر الاعتكاف لها بإذن الله تعالى، وبخاصة في ظل عدم فتح المساجد والجوامع للمعتكفين”.
وقال إن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن اعتكاف المرأة لا يصح إلا في المساجد، بينما ذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه إلى جواز اعتكافها في مسجد بيتها، المعد لصلاتها.
كما أفتى القره داغي بـ”جواز اعتكاف الرجل في مسجد بيته في البلاد التي تكون الجوامع والمساجد كلها غير مفتوحة للمصلين والمعتكفين، ويحسب له أجر الاعتكاف بإذن الله تعالى”، وفق البيان.
واستدرك: “أما إذا كانت (المساجد) مفتوحة كما في بعض البلاد، فلا يجوز اعتكافه (الرجل) في غير المساجد العامة، بل الأفضل هو أن يعتكف في المسجد الجامع الذي تصلى فيه الجمعة”.
وطالب القره داغي المعتكفين بتطبيق جميع ضوابط الاعتكاف وشروطه، ومن أهمها “المكث في مسجد البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة ملحة، أو ضرورة، ثم العودة إليه فوراً”.
وكذلك “النية الصادقة لله، والعزم على تربية النفس وتزكيتها مع التوبة الصادقة والتضرع إلى الله، والبكاء على الذنوب والتقصير، وعدم المباشرة بين الزوج والزوجة، والانشغال بالتلاوة والذكر والصلاة والتسبيح ونحو ذلك”.
وكان القره دغي أفتى، الإثنين، بوجوب إعادة فتح المساجد أمام المصلين بضوابط، في كل مدينة أو بلدة أو قرية تسمح فيها السلطات الصحية بالتجمع العام، في ظل انفراج جائحة “كورونا”.
من جانبه قال د. أكرم كساب، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: والذي أراه أنه لا مانع من الاعتكاف في البيت، وذلك لما يأتي:
1. تعذر الذهاب إلى المسجد، والله تعالى يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ويقول سبحانه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وفي الصحيح عند مسلم عن أَبي هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ”، وعملا بالقواعد الفقهية: (المشقة تجلب التيسير)، وأن (الأمر إذا ضاق اتسع).
2. إذا جاز للمرأة أن تعتكف في المسجد على اعتبار أن صلاتها في البيت أفضل، فلا مانع من اعتكاف الرجل عند الضرورة.
3. ما يراه المالكية، من جواز اعتكاف الرجال كذلك في البيت إذا كان نافلة، قال ابن حجر: وللمالكية -أي الاعتكاف- يجوز للرجال والنساء لأن التطوع في البيوت أفضل.
4. إذا جازت صلاة الجمعة في البيوت عند الضرورة (هذا قول مرجوح) وهي فريضة؛ فما المانع من الاعتكاف في البيت وهو سنة.
شروط وضوابط:
وأضاف كساب أنه يراعى ما يلي:
1. إذا كان في البيت سعة فليتخذ مكانا خاصا للصلاة، روى أحمد عَنْ عَائِشَة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِبُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ[13]. قال الشوكاني: وقال شارح المصابيح: يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن أن يبني الرجل في داره مسجدا يصلي فيه أهل بيته[14].
2. لا مانع من أن يكون ذلك في الغرفة التي يستقبل فيها الضيوف حيث يقل دخولها في الغالب.
3. إن لم يكن في البيت سعة فلا مانع من أن ينوي المرء نية الاعتكاف في أي مكان في البيت، على أن يراعي ما يلي:
1. عدم قطع الاعتكاف إلا لحاجة.
2. الانعزال عن أهل البيت إلا ما دعت إليه الضرورة.
3. الانشغال بالذكر والدعاء وقراءة القرآن والاجتهاد في صلاة الليل.
4. لا يفسد اعتكاف المرأة إعدادها للطعام، أو تجهيز بيتها، فهذا كله يقوم به المعتكف في المسجد.
وقال د. مسعود صبري أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: بقاء الناس في بيوتهم، والتزام الحجر الصحي الذي يعيشه الناس، يرجّح رأي بعض المالكية بجواز الاعتكاف في مسجد البيت، وذلك بشروط:
1- أن يكون ذلك في مسجد البيت، وليس كل البيت، بمعنى أنه لابد من وجود مسجد أو مكان خاص بالصلاة، لا يستعمل إلا للصلاة.
2- أن يلتزم المعتكف مسجد بيته، لا يخرجه إلا لضرورة، كقضاء الحاجة ونحوها، فيمكث فيه طوال فترة الاعتكاف، أما أن يبقى فيه بضع ساعات ثم يعيش حياته الاعتيادية، فليس باعتكاف.
3- أن ينشغل المسلم بعبادات الاعتكاف في مسجد بيته، من الصلاة والذكر وقراءة القرآن، وبذلك يتحقق مقصود الاعتكاف.
4- أن هذا الاختيار مبني على مراعاة الظروف التي يعيشها الناس، فإن زال العذر؛ عاد الحكم إلى أصله، وهو اشتراط المسجد للاعتكاف، ويبقى الاعتكاف في مسجد البيت للمرأة، على ما ذهب إليه الحنفية والشافعي في القديم.
5- إن القول بجواز الاعتكاف في بيوت المسلمين له حظ كبير من النظر في ظل هذه الظروف؛ لأن فيه إعمالا وحفظا للشعيرة، والإعمال مع سقوط بعض الشروط أولى من الإسقاط بالكلية.
على أن هذا الحكم يبقى بالاختيار، بناء على أن الاعتكاف – في أصله- سنة، فليس بواجب، فللناس أن تمكث وقتا في مسجد بيتها تتعبد لله تعالى، ولا يسمى هذا اعتكافا، لكنهم يتحصلون على أجر العبادة التي يقومون بها.
والأمر في أصله فيه سعة، فليس كل المسلمين في العالم الإسلامي يعتكفون في المساجد في الأحوال الاعتيادية، وإنما المقصود هو القول بجواز الاعتكاف في مسجد البيت بالشروط المذكورة، لمن شاء، ومن التزم برأي الجمهور في اشتراط المسجد، فله ذلك، وقد قرر الفقهاء في قواعدهم:” لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المتفق عليه”.
ولو نظرنا إلى مآل القول بجواز الاعتكاف في مسجد البيت بالشروط، رأينا أنها أفضل وأعظم من القول بإسقاط الاعتكاف بالكلية، خاصة أن ما حصل للناس من ترك المساجد هو من باب الجبر وليس من باب الاختيار، والاجتهاد في الوقائع المستجدة يجب أن يراعي التفريق بين ما كان جبرا؛ فيخفف فيه، وبين ما كان اختيارا، فيرجع فيه إلا الأصل والعزيمة، يضاف إلى هذا ما فيه من الحث على العبادة والتقرب إلى الله تعالى، في الوقت الذي سينشغل فيه الناس في بيوتهم بالمسلسلات الرمضانية وضياع أوقاتهم في معصية الله، فكان القول بالجواز؛ أولى مراعاة للمآل، وإعمالا لمقصد الاعتكاف، على أنه يبقى حكم خاص في زمن خاص، فهو من باب الرخصة وليس العزيمة.