في يوم أضاء ميلاده أرجاء المعمورة لتنحني رؤوس الجبابرة أمام عظمة الخالق ورحمته بعباده أنْ بعث على الأرض رسولا رحمة بالعالمين لقوله تعالى “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”، يحتفل المسلمون غدا الأربعاء في كل بقاع الأرض شوقا وفرحا بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي غدا سيدا في الأرض والسماء بعد أن ساوى بين العبد وسيده ورسخ حق المرأة، وأشاع الأمن والعدل، وفوق هذا وذاك وغيرهما من تعاليم السماء، أعلا نبي هذه الأمة كلمة التوحيد بـ “لا إله إلا الله” وأخرج الناس من ظلمة الجاهلية الى فضاءات النور، وبكى على نفس انفلتت من دعوته إلى النَّار.
غدا سيحتفل المسلمون بذكرى ليست كغيرها من المناسبات لأنها علامة فارقة في تاريخ البشرية؛ فالمولود في مثل هذا اليوم كُتب في اللوح المحفوظ أنه خاتم الرسل والأنبياء، وعليه نزلت آخر الرسالات السماوية وختم حياته الشريفة بتمام الدين لقوله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً”.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) رصدت احتفال الأردنيين والعالم الإسلامي بالنبي محمد عليه السَّلام بهذا اليوم والذي تتنوع فعالياته منذ قرون عديدة بين قراءة القرآن، وإلقاء الابتهالات الدينية، وتزيين المساجد والمنابر، وتوزيع الحلوى بهجة وتعظيما لصاحب الذكرى العطرة.
صحيفة الشرق العربي نشرت في عددها 166 الصادر عام 1927 بلاغات رسمية اشتملت على فعاليات برنامج المولد النبوي الشريف، حصلت (بترا) على نسخة منه، تضمنت “إطلاق المدفعية في أوقات محددة ابتهاجا بالمناسبة، وتزيين جميع الدوائر الرسمية والمسجد الحسيني الكبير والشوارع والدكاكين بالأعلام العربية والمصابيح وغير ذلك من وسائل الزينة، وقراءة قصة المولد النبوي الشريف في الجامع الحسيني الكبير ظهر ذلك اليوم، وقراءة دعاء ديني يتلوه سماحة قاضي القضاة أو نائبه، واستقبال المهنئين في المقر العالي وعزف الموسيقى العسكرية”.
سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة، أشار الى عِظم هذه المناسبة بقوله صلى الله عليه وسلم، “إنِّي عندَ اللهِ مَكتوبٌ بخاتَمِ النَّبيِّينَ وإنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ في طينتِه وسأُخبِرُكم بأوَّلِ ذلك: دعوةُ أبي إبراهيمَ وبِشارةُ عيسى ورؤيا أمِّي الَّتي رأَتْ حينَ وضَعَتْني أنَّه خرَج منها نورٌ أضاءَتْ لها منه قصورُ الشَّامِ”.
وقال، في رحاب المولد النبوي الشريف، يعيش المؤمنون لحظات إيمانية، مع عبق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أشرق عليهم من مشكاة النبوة الطاهرة، وأنوار عمّت مشارق الأرض ومغاربها، مشيرا الى أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان مناسبةً استثنائية وحدثاً عظيماً انتظرته البشرية بعد ليل مظلم خيّم عليها ردحاً طويلاً من الزمن شاعت فيه الجاهلية والضلالة العمياء، فجاء مولد الهادي البشير ليعيد للبشرية ميزانها، وللقلوب إيمانها، ويجلّي ظلام الليل الحالك.
وأضاف، إن إحياء ذكرى هذه المناسبة المباركة يعبّر عن ارتباط المؤمنين بنبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن تلك الأنوار التي أشرقت يوم ولادته، ما تزال تنير القلوب بأنوار التوحيد ومحبة الله عز وجل ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتنير العقول بأنوار الهداية والرشاد والبصيرة، ودليل على أن رسالته راسخة لا تضعف، ودعوته قائمة لا تفتر، لافتا الى أن ذكرى المولد النبوي الشريف هو استذكار لجوهر الإسلام الذي جاء لتصحيح المفاهيم، ونشر العدالة بين الناس
لقوله صلى الله عليه سولم في حجة الوداع: “لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأبيضَ على أسودَ ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ ، وآدمُ من ترابٍ”.
وكانت دائرة الإفتاء العام أشارت في مطويتها الخاصة بحكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إلى أن حكم الاحتفال بالمولد النبوي مستحب وحسن؛ لأن فيه تعظيمًا وتوقيرا لقدر النبي وإظهارا للفرح والاستبشار بمولده الشريف، وهو مما أشار إليه الرسول بقوله: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء”.
أما وقد طال الزمان بيننا وبين النبي ولم نقدر على رؤيته بالعيون، وصرنا كالثكالى لفقدنا صحبته ومعيته، يقول الخصاونة، فلا أقل من أن نشهد أحواله بعيون القلوب بقراءة سيرته العطرة ومطالعة أخلاقه النيرة، وشمائله النضرة، وأن نخصص لذلك يوما بل أياما وليالي لمصاحبة أغلى محبوب عند الله وعند المؤمنين، وأن نجعل أطفالنا وأهلنا يشاركون في هذه الفرحة العظيمة، مشيرا الى أن الاحتفال بهذه الذكرى الشريفة يكون بتلاوة آيات الكتاب العزيز، وذكر شيء من السيرة النبوية العطرة، والحث على التمسك بالدين، والاقتداء بسنة النبي المصطفى والسير على خطاه ونهجه، والمدائح النبوية، وختم المولد بالدعاء.